قراءة عاجلة في مستجدات أزمة الملف النووي الإيراني

استطاعت إيران أن تفهم دهاليز السياسة الدولية والآليات المؤثرة في استصدار القرارات التي تسعى إلى تجميد برنامجها النووي، وهي على دراية تامة بما يحدث على المسرح الدولي، ولعلها تقرأ بصورة صحيحة وتعمل وفق ما يعود بالمصلحة على مشروعها المستقبلي.

 

فبالرغم من التقدم الذي تحقق في المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني؛ فان هناك مشكلات يصعب التغلب عليها بين إيران والقوى العالمية الست بخصوص برنامج طهران لتخصيب اليورانيوم، مع أن كل الأطراف تهدف للالتزام بمهلة الأشهر الستة للتوصل إلى اتفاق نووي، كون هذه المهلة تتطلب بعض الجهد الشاق للوصول إلى نقطة نجد عندها اتفاقاً، وخاصة أن بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيران يأملون كلهم في الالتزام بالموعد النهائي في آخر يوليو الذي حددوه في نوفمبر للتوصل لاتفاق نووي طويل الأجل بين القوى الست وإيران.

 

وفي سياق متصل أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن هناك فرصة كبيرة لبدء مسار جديد في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، فإيران التي عاشت طويلاً في عزلة بمقدورها اليوم أن تحسن أوضاعها الاقتصادية وتعزز مكانتها في العالم، إذا ما تم التوصل إلى اتفاق يمثل انطلاقة كبيرة في المجال النووي.

 

هناك عناصر كثيرة في نشاط التخصيب الإيراني تحتاج إلى تسوية، منها المراقبة ومنشآت التخصيب في نطنز وفوردو ومخزونات إيران من اليورانيوم، فالخلافات بخصوص مفاعل أراك الذي يعمل بالماء الثقيل المزمع إنشاؤه في إيران لا تزال واسعة النطاق، إذ تخشى القوى الغربية أن ينتج المفاعل البلوتونيوم من الدرجة التي تستخدم في صنع الأسلحة، وبموازاة ذلك تقول إيران أن هذا المفاعل للأغراض الطبية السلمية.

 

وبالمقابل أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون نقداً لإدارة أوباما متهماً إياها بالضعف، إذ أكد إن إسرائيل لا يمكنها أن تسمح لنفسها الاعتماد على إدارة أوباما وأن تقود الحملة ضد برنامج إيران النووي، وأن على إسرائيل الاعتماد على نفسها فقط، وشدد على أن إيران تعافت من العقوبات والعزلة الدبلوماسية، كون أن الاتفاق الذي وقع في جنيف في نوفمبر مربح جداً للإيرانيين، إذ يسمح لهم من خلاله ببناء أنفسهم كدولة صاحبة قدرة نووية والتوجه لصنع قنبلة في الوقت الذي يختارونه، وفي الوقت نفسه حذر يعالون من أنه إذا استمرت الولايات المتحدة بإظهار ضعفها دولياً فسوف يتضرر أمنها القومي، وفي وقت سابق انتقد نتنياهو الاتفاق المؤقت التي أبرمته القوى العالمية مع إيران للحد من أنشطتها النووية الحساسة مقابل تخفيف بعض العقوبات ووصفه بالخطأ التاريخي.

 

وفي إطار ذلك يمكن القول تستطيع الدول العربية من أن تكسب أو تخسر من برنامج إيران النووي، وذلك بحسب موقفها السياسي في مرحلة المواجهة الحالية بين إيران والدول الغربية، فإذا سعت الدول العربية إلى فتح صفحة جديدة وشفافة مع إيران ودعمت حقها في اكتساب التكنولوجيا النووية السلمية فإن إيران النووية ستصبح رصيداً إستراتيجياً للدول العربية، ومنها تستند التكنولوجيا العسكرية، وإليها تلجأ وقت التصعيد مع إسرائيل، وإذا نجحت إيران في بناء سلاح نووي فستخسر تلك الدول لأن واشنطن في هذه الحالة ستسعى للتفاهم مع إيران وتتقاسم المصالح والنفوذ على حساب الدول العربية.

 

وأخيراً ربما يمكنني القول إن التقدم بشأن القضية النووية الإيرانية سيكون له أثر إيجابي في الوضع بكل أنحاء الشرق الأوسط وسيساعد في التغلب على الاتجاه الخطير الذي ساد خلال السنوات الماضية بمحاولات حل عدد من الأزمات عن طريق استخدام القوة، لذلك على جميع الأطراف تسوية الخلافات بشكل ملائم والسير إلى تحقيق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وصولاً إلى اتفاق شامل يحّل ملف إيران النووي بشكل نهائي، وهذا يخدم مصلحة إيران ومصلحة المنطقة برمتها.

* كاتب وباحث سوري متخصص في العلاقات الدولية، Khaym1979@yahoo.com

إقرأ أيضا