دولة الحمايات!

السياسيون الجدد الذين جاؤوا بعد سقوط نظام صدام حسين لم يختلفوا كثيرا عن أساليبه البوليسية وطريقة بناء نظامه الأمني التعسفي, بل تراهم في مواقع كثيرة تجاوزوا كل حدود المعقول والمألوف من سوء استخدام السلطة والاستهتار بالحريات العامة والتجاوز عليها.

 

ابتداء من اصغر مسؤول في مجلس المحافظة إلى أعلى مسؤول في السلطة تجد معه جيوشا جرارة تقطع الطرق وتعتقل في طريقها من تشاء وتقتل من تشاء بل وحتى تعبر عن انزعاجها في حالة عدم إفساح الطريق لمواكبهم بالمرور. تراهم يطلقون النار في الهواء هكذا دون أدنى شعور بما يمكن أن تخلقه أجواء الرعب التي يشعلونها وهم في طريقهم إلى قصورهم أو مواخيرهم. لا أقول إلى أماكن عملهم إذ أن المسؤولين العراقيين جميعهم، تقريبا، لا عمل لديهم غير تأسيس المليشيات وتوسيع رقعة العنف وإيجاد تقاليد مافيوية جديدة.

 

كل يوم نسمع ونشاهد كثيرا، بل أصبح الأمر في غاية العادية ومن تفاصيل اليوم العراقي الغارق بالفوضى والنار، أن الشارع الفلاني مقطوع أو الجسر الفلاني مقطوع وان السير قد توقف فجأة ذلك كون المسؤول أو احد أفراد عائلته في طريقه إلى مكان ما كأن يكون في زيارة عائلية أو يذهب إلى المدرسة أو حتى لغرض التفسح فقط بقافلة طويلة من السيارات رباعية الدفع المحصنة ضد الرصاص. ماذا أبقيتم من رذائل النظام السابق؟ أي جريمة لم تقترفوها؟ أي انتهاك للقانون لم تضعوا عليه لمساتكم المقدسة؟

 

أعتقد أن من في السلطة الآن لم يكونوا يوما من دعاة الحرية أو المناضلين من اجل حياة شريفة نظيفة يحترم فيها الإنسان ويقدر كقيمة عليا. لا أعتقد أن من في السلطة اليوم قد عرف أو فهم دوره كمعارض لنظام يعتبر من أبشع ما مر على تاريخ البشرية الحديث. لقد تفوقتم على كل أجهزة الأمن الصدامية. لقد أسستم لثقافة انحدار وانهيار أخلاقي وقيمي لم يسبقكم به احد من قبل.

 

كان صدام حسين دكتاتورا واحدا أوحد لا شريك له. الآن كل مسؤول هو صدام حسين. كل مسؤول هو طاغية. انظروا حولكم أيها الطغاة الجدد لتتأكدوا من صحة ما يقوله ملايين العراقيين في الشارع والبيت ومواقع التواصل الاجتماعي.. في الصحف القليلة التي لا تسير في ركب الحكومة المالكية.

 

لنعتبر جريمة قتل الأستاذ محمد بديوي الشمري مناسبة للكشف عن جبل الإجرام الذي يجلس عليه المسؤولون العراقيون ونتخذ منها انطلاقة لتقنين سلطة السلاح وسوء استخدام السلطة والقوة. إذا كان المسؤول مرعوبا إلى هذه الدرجة من الناس, حتى يشكل جيشا جرارا لحمايته ولا يتوانى جيشه عن قتل كل من يختلف معهم أو يعترض طريقهم حتى, إذن لماذا وكيف يريد المسؤول أن يخدم الناس أو يكون قريبا منهم ومن مشاكلهم العويصة؟!

 

أجد أن الوقت الآن قد حان لوضع قانون بخصوص الحمايات وعددها ونوع سلاحها وطريقة تدريبها, وتعليمها. من المفترض أن الدولة هي التي توفر الحماية للشعب بمن فيهم المسؤول, إذ لا يصح أن ينشئ كل مسؤول جيشه الخاص. تصوروا لو أن كل مواطن حمل السلاح للحماية الشخصية، أو أن بعض الموسورين يؤجر شركة حماية خاصة، وشيوخ العشائر يجندون أبناءهم الذين لا شغل لهم ولا عمل في أفواج الحمايات الخاصة.. بهذا سوف نجعل المسؤول متساو مع المواطن، والجميع يملك السلاح، والكل لديه دوافعه وأسبابه لإطلاق النار وقتل كل من يعترض.

 

كلمة أخيرة/ أتمنى مثل ملايين العراقيين أن تكون الحكومة جادة وعادلة في محاسبة المجرم, وفتح ملفات القتل المشابهة مثل مقتل المفكر العراقي كامل شياع والسيد عبد المجيد الخوئي والسيد هادي المهدي وآخرين، ربما لا تغطية إعلامية على قتلهم، فقتلوا ودفنوا بالظلام ولا يدري عنهم أحد حتى ذويهم. 

 

أعتقد أن جريمة قتل الصديق محمد بديوي الشمري هي جريمة لا دوافع قومية أو دينية أو عشائرية خلفها. لذا أرى أن المطلوب من الجميع ألا يوظف هذه الحادثة لأغراض دعائية انتخابية أو عنصرية. الجريمة مسؤولية المجرم القاتل أولا، وبعدها النظام الهش الذي يشجع إنشاء الميليشيات والجيوش الجرارة باسم الحماية.

* كاتب عراقي

إقرأ أيضا