تعطيل معملين حكوميين في الناصرية لإنتاجه.. “العالم الجديد” تكشف التفاصيل الكاملة لأزمة الأوكسجين

لم تكن مريم (32 عاما) تعلم أن صباح الأربعاء الماضي، (24 حزيران يونيو 2020)، سيكون…

لم تكن مريم (32 عاما) تعلم أن صباح الأربعاء الماضي، (24 حزيران يونيو 2020)، سيكون يوما أسود في حياتها، حيث فقدت والدها بسبب شحة الأوكسجين الطبي في مستشفى الحسين التعليمي بمحافظة ذي قار، والتي يرقد فيها بسبب إصابته بفيروس كورونا.

وتشرح مريم بعينين دامعتين ما مرت به لمراسل “العالم الجديد”، بالقول “فجر الأربعاء الماضي، شهد تعطل المنظومة العامة للاوكسجين بمستشفى الحسين التعليمي، وفجأة حدث سباق بين مرافقي المرضى من أجل الحصول على اسطوانة خاصة للاوكسجين تنقذ مريضهم من الموت”، لافتة الى أن “الصراع بين الجميع داخل المشفى كان مرعبا، وفي تلك اللحظات شهد المشفى انفلاتا امنيا كبيرا، حتى صار القوي يأكل الضعيف، فمن كان معه مرافقون أقوياء استطاع، وحجز أكثر اسطوانات الأوكسجين لمريضه”.

أما شقيقها الصغير ذو الـ13 عاما، فقد ذهب هو الآخر من أجل الحصول على اسطوانة اوكسجين لإنقاذ حياة والدها، لكن محاولاته (بحسب مريم) باءت بالفشل، بسبب عدم استطاعته مواجهة من هم اكبر منه سنا وأقوى منه”، مبينة ان والدها “لم يمهله الوباء سوى ساعات محددة، فارق بعدها الحياة”.

وكان مستشفى الحسين التعليمي في محافظة ذي قار قد عانى من نفاد الأوكسجين، ما تسبب بموت عدة مصابين بفيروس كورونا، وأصاب الأهالي بالهلع، فيما نشر مواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر تسليم الأهالي عبوات الأوكسجين إلى المستشفى الحكومي المخصص للمصابين بكورونا، وتظهر المقاطع المنشورة زحاماً من أهالي المصابين أمام باب المستشفى لإيصال الأوكسجين إلى المرضى.

وبعد تلك الضجة التي تسببت بوفاة ما لا يقل عن خمسة أشخاص في ساعاتها الاولى، تفقد قائد شرطة محافظة ذي قار، العميد حازم الوائلي، مساء اليوم نفسه، المستشفى، للاطلاع على الواقع الامني في المشفى واصدر أربعة قرارات فورية من ضمنها التوجيه بـ”انتشار فوج حفظ النظام بالتعاون مع مركز شرطة المستشفى، ومنع دخول وخروج اي مراجع إلا من خلال الاستعلامات، ووفق سياقات المراجعة والتعاون مع الحالات الحرجة وتنظيم حركة المرافقين للمصابين داخل المستشفى”.

ويقول شاهد عيان داخل مستشفى الحسين التعليمي لمراسل “العالم الجديد”، رافضا الكشف عن هويته، ان “خطوة قائد الشرطة، وكذلك تدخل المتظاهرين في ساحة الحبوبي بالدخول الى المستشفى المكون من ستة طوابق كبيرة، مكّنت قوات الشرطة من إحكام قبضتها على المستشفى بشكل كامل، عقب يوم من الانفلات الامني فيه”.

ويضيف أن “18 مريضا فقدوا أرواحهم بسبب ذلك الارباك الذي حدث بسبب نقص الأوكسجين الطبي في المنظومة، والاستحواذ على الاسطوانات من قبل بعض المرافقين”، لافتا الى أن “القوات الامنية اعتقلت حتى الان شخصين منذ فرض العملية داخل المستشفى بتهمة الاعتداء على الكوادر الطبية، واحالتهما الى الجهات القضائية المختصة”.

من جهته، يقول المدير العام لصحة ذي قار، عبدالحسين الجابري لـ”العالم الجديد”، إن “المحافظة تلقت دفعة جديدة من الأوكسجين الطبي تبلغ 39 طنا سيتم تمريرها عبر منظومة المستشفى للمرضى المصابين”، لافتا الى ان “هذه الكمية ستفي بالغرض لمدة 72 ساعة فقط”.

ويضيف الجابري أن “المشفى بات يملك ايضاً 800 اسطوانة اوكسجين طبي”، نافيا “تعطل المنظومة الخاصة بالاوكسجين في المشفى، بل كل ما في الامر أن الاوكسجين السائل نفذ منها، وتم الانتقال الى الاسطوانات المعبأة بالأوكسجين”.

ويوضح أن “الاوكسجين يصل لمستشفى الحسين التعليمي من خلال، مجهزين اثنين، الاول حكومي ويمثل وزارة الصناعة، والثاني محلي من قبل احد المتعهدين، وعن طريق الشراء المباشر والاتفاقات الشفوية معه”، مبينا أن “عدم توقيع العقد مع طرفي التجهيز هو بسبب عدم وجود موازنة لهذا العام، وكذلك قلة السيولة المالية”.

وعن مبلغ مليار و500 مليون دينار الذي تسلمته صحة ذي قار منذ بدء الجائحة، يبين الجابري، أن “الدائرة قامت بشراء مراقبة مرضى واجهزة تنفس، فضلا عن وجبات الغذاء للمرضى والمنتسبين يوميا، وأيضا يتم شراء سائل أوكسجين، حيث يبلغ سعر الطن الواحد 550 الف دينار (460 دولارا)”، مضيفا ان “الدائرة تصرف يوميا للمرضى قرابة الـ10 أطنان من الاوكسجين السائل”.

ويتابع الجابري “المبلغ كذلك تضمن شراء المواد المختبرية التي تجرى بها الفحوصات الطبية اليومية للمصابين بفيروس كورونا، إضافة الى دعم القطاعات الصحية المنتشرة في عموم المحافظة”.

الى ذلك، يقول مسؤول محلي سابق في ذي قار، إن “المحافظة تتعامل مع ستة معامل خاصة بصناعة الاوكسجين السائل، بعضها حكومي والبعض الاخر اهلي.

ويذكر المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، في حديثه لـ”العالم الجديد”، ان “دائرة صحة ذي قار تملك معملين اثنين خاصين بصناعة الأوكسجين السائل، الأول تابع لمستشفى الحسين التعليمي، والثاني لمستشفى بنت الهدى للولادة”، لافتا الى أن “المعملين قادران على سد الحاجة المحلية من الأوكسجين دون الحاجة الى الشراء”.

وينبه الى أن “معمل مستشفى بنت الهدى التعليمي معطل بشكل كامل منذ عدة سنوات لأسباب وغايات مجهولة، أما معمل مستشفى الحسين فيتم اللجوء الى تشغيله وبنسبة 10 بالمئة فقط لسد حاجة معينة في أوقات محددة”.

ويشير الى أن “المعمل الخاص بمستشفى الحسين التعليمي، فيه خطان للانتاج في حال تعطل احدهما يتم العمل بالخط الاخر ولحين اصلاح الخط المعطل”، منوها الى ان “المعمل ليس فقط مهمته شحن اسطوانات الاوكسجين، بل هو مرتبط بمنظومة المستشفى مباشرة، والتي تضخ الاوكسجين الى المرضى المحتاجين لهذه المادة”.

ويردف أن “المنظومة لم تدخلها يد التصليح إطلاقا، وان المادة التي تتم تعبئتها في اسطوانات صغيرة غادرها العالم منذ ستينات القرن الماضي”، مشيرا الى أن “المستشفى يحوي كذلك خزانين عملاقين يتم اللجوء اليهما في حال تعطل منافذ الخطوط الانتاجية الخاصة بمعمل الاوكسجين داخل المشفى”.

ويواصل المصدر، حديثه قائلا إن “ذي قار تضم أربعة معامل من المجموع الكلي، 3 منها داخل مدينة الناصرية، وواحد بقضاء الرفاعي شمالي المحافظة، وكل هذه المعامل قادرة على سد الحاجة المحلية لدائرة صحة المحافظة من الاوكسجين، دون الحاجة الى اللجوء للمجهزين أو غيرهم لشراء الاوكسجين لمرضانا”.

ويبين أن “هنالك نوعين من معامل الأوكسجين فيها الثابت والمتحرك على مركبة، وأسعار المعامل الثابت تبدأ من 50 ألف الى 350 ألف دولار، وجميع دول الجوار قادرة على تصنيعه وارساله خلال 72 ساعة الى المحافظة”.

وفيما طالب النائب عن تحالف سائرون، صادق السليطي، رئيس الوزراء ووزيري الصناعة والنفط بتجهيز وتشغيل كل معامل النتروجين وتوفير الأوكسجين الطبي، انتقد في بيان حصلت “العالم الجديد” على نسخة منه، “حصول نقص بكميات الأوكسجين الطبي بمستشفيات العزل في ذي قار وواسط وغيرها من المحافظات ومن المؤسف أن يتم الاعتماد على الأوكسجين من مجهزي السوق الخاص او من الاستيراد الخارجي وهي من ابسط الصناعات”، مذكرا بتعهد رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي خلال برنامجه الحكومي بتسخير كل إمكانيات الدولة لمحاربة جائحة كورونا ووضع أسس نظام صحي حديث.

وناشد رئيس مجلس الوزراء ووزيري الصناعة والنفط تجهيز وتشغيل كل معامل النتروجين كونها موجودة في أغلب المصافي الحكومية والمعامل، عبر استخدام الهواء الطبيعي وفصل الأوكسجين والنتروجين ثم معالجة الأوكسجين وتحويله إلى اوكسجين طبي.

يذكر أن وزير الصناعة والمعادن، منهل عزيز الخباز، وجه هو الاخر، أمس الخميس، بتجهيز مستشفى الحسين التعليمي في محافظة ذي قار بالأوكسجين الطبي.

وأعلنت وزارة الصحة العراقية، اليوم الجمعة، (26 حزيران 2020)، تسجيل 2054 إصابة جديدة بفيروس كورونا، و122 حالة وفاة في البلاد.

*يعد هذا المحتوى جزءا من مشروع قريب الذي يهدف إلى تعزيز التماسك الاجتماعي وتقريب وسائل الإعلام من المواطنين في منطقة الشرق الأوسط. تم إنتاجه بدعم من الوكالة الفرنسية لتطويرالإعلام والوكالة الفرنسية للتنمية.

Image

إقرأ أيضا