بروفيسور إنكليزي يستذكر صديقه الهاشمي.. ويتساءل: ما مصير العراق؟

يكتب الباحث السياسي الإنكليزي المختص بقضايا العراق والشرق الأوسط توبي دودج، عن حادثة اغتيال صديقه…

يكتب الباحث السياسي الإنكليزي المختص بقضايا العراق والشرق الأوسط توبي دودج، عن حادثة اغتيال صديقه الباحث في الشأن الأمني هشام الهاشمي في بغداد، مستذكرا بعض مآثر الفقيد وذكرياته معه خلال زيارته العراق قبل نحو عام، متسائلا عن مصير البلاد التي اختص بدراسة نشأتها الحديثة وتحولاتها الحادة، وإذ تترجم “العالم الجديد” نص المقال فانها لا تتبنى أيا من الأحكام والأوصاف التي يطلقها:

قُتل صديقي وزميلي الدكتور هشام الهاشمي بوحشية قرب منزله ببغداد مساء يوم الاثنين الموافق 6 تموز يوليو الحالي. من البديهي أن الحادث شكل مأساة عميقة لزوجته وأطفاله الصغار، لكنه كان ضربة قوية لكل الباحثين في الشأن العراقي حول العالم، ممن وجدوا في هشام صديقًا ودليلًا مضيافا جدًا، فقد كان سعيدًا لمشاركة معرفته الموسوعية بالبلد مع كل من يهتم، ويمكن اعتبار القتل بمثابة ضربة قاتلة للشعب العراقي نفسه، لأن هشام كان يعمل بجد ونشاط من أجل إصلاح النظام السياسي الغارق حاليًا في الفساد والعنف، ومن أجل التزامه بهذا النهج، قتل.

تذكرت هشام كمضيف كريم، من خلال تدخين السيجار على شرفة فندق بابل أو تناول السمك المسقوف في المطعم المفضل لديه وسط بغداد، كان محبا للحياة، يستمتع بالطعام اللذيذ وللصحبة الجيدة، ودائما ما يكسر الرتابة بالنكات، ويجامل الناس ويشرح كل ما يجري في بغداد الحبيبة.

تمكن هشام من خلال عمله في العراق من الجمع بين ثلاثة أدوار متميزة ومؤثرة، الأول أنه كان محللا بارعا، يشرح العراق للعراقيين في الظهور التلفزيوني المتكرر، وكتابة الأعمدة الصحفية، والنشر على “تويتر” و”فيسبوك”، حتى أنك حين تستمع لتحليلاته حول أي مكان في العراق، ستشعر بدفء وحنان حقيقيين بنبرة صوته، استقبلهما المتلقون العراقيون بتقدير عال لدوره التحليلي الشجاع، وسط فشل النخب الحاكمة في العراق .

والأمر الاخر أن هشام كان أيضا باحثا جادا، حيث بنى في هذا الإطار شبكة علاقات انتشرت في جميع أنحاء البلاد، مع أحزاب سياسية وجماعات عميقة تسيطر على مؤسسات الدولة. ومن خلال هذا كله، أنتج تحليلا ثريا تجريبيا وثقافيا قويا استنادا إلى ساعات من المقابلات، كما أصبح مطلبا للباحثين الدوليين والدبلوماسيين الذين يصلون إلى العراق. وفي هذا المجال نشر كتبا ومقالات تحتوي على مناقشات أكاديمية وسياسية حول العراق، كما قدم أجيالًا متتالية من الصحفيين والباحثين، موضحا خلالها بصبر تعقيدات المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

وأخيرا، كان هشام ملتزما بشدة في إصلاح النظام السياسي داخل بلاده. وقد دفعه ذلك إلى العمل مع رئيس الجمهورية برهم صالح كمستشار، والتحالف مع رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي وفريقه من الإصلاحيين الليبراليين، حيث بات من المؤكد أن هذا الدور هو ما أدى لمقتله، إذ يواجه العراق أزمة مالية هي الأشد في تاريخه، في حين لا يعمل حكم القانون بسلاسة داخله، حيث أعقبت هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سيطرة مجموعة كبيرة من الميليشيات غير الخاضعة لسلطة الحكومة، والتي اتخذت العنف نهجا للدفاع عن مصالحها ومكتسباتها، وكان هذا محور تركيز عمل هشام.

لقد قتلت تلك المليشيات هشام، وهي بذلك ألقت تحديا اخر للفريق الجديد في مكتب رئيس الوزراء، لقد قتلوا أحد مستشاريهم الرئيسيين ليوضحوا أنه لا يوجد أحد بعيدا عن متناول أيديهم، مهما كان معروفًا ومحميا ومعروفا في العراق والعالم. إن الرسالة واضحة في الصراع على من يسيطر على الشارع العراقي. فهل ستفرض القوات المسلحة والشرطة العراقية قبضتها على البلاد أم أن الميليشيات هي من ستشكل مستقبله؟ ردة فعل الحكومة العراقية على هذا القتل الوحشي هي التي ستقرر الجواب.

باحث بريطاني مختص بشؤون العراق والشرق الأوسط، حصل على الدكتوراه من خلال البحث عن تحول النظام الدولي في أعقاب الحرب العالمية الأولى وإنشاء الدولة العراقية الحديثة من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، بجامعة لندن، وهو بروفيسور بقسم العلاقات الدولية، شغل منصب مدير أبحاث العراق لبرنامج أبحاث النزاعات، كما تولى منصب مدير مركز الشرق الأوسط من 2013 إلى 2018، وعمل أستاذا بجامعة الكويت ومديرا لبرنامج الكويت في مركز الشرق الأوسط.

لقراءة المقال باللغة الأصلية:

انقر هنا

إقرأ أيضا