“هوبي لوبي” تسرق “حلم كلكامش”.. و”الثقافة” متهمة بالتواطؤ

بدلاً من استرداد الآثار العراقية المهربة استنادا الى القوانين المحلية والدولية، تسعى وزارة الثقافة الى…

بدلاً من استرداد الآثار العراقية المهربة استنادا الى القوانين المحلية والدولية، تسعى وزارة الثقافة الى منح الإذن لشركة أمريكية مدانة من قبل واشنطن بتهريب الآثار عبر تجار إماراتيين وإسرائيليين، في التصرف بآلاف القطع المسروقة التي دخلت وستدخل في حوزتها، وفيما بين خبير آثاري أن نحو أربعة آلاف قطعة بما فيها لوح “حلم كلكامش” حسم أمر إعادته الى موطنه الأصلي، إلا أن الوزارة لم تتطرق اليه في بيانها الذي لم يكشف تفاصيل بنود العقد “المريب” والذي ينوي الوزير حسن ناظم توقيعه، ورفض مرات عدة في عهد الحكومتين السابقتين لأسباب وصفت بـ”المجحفة”.

مصدر مطلع بوزارة الثقافة يسرد لـ”العالم الجديد” تفاصيل العقد الذي ينوي وزير الثقافة إبرامه مع شركة هوبي لوبي الأمريكية، إذ يقول إن “الشركة تمتلك 12 ألف قطعة أثرية عراقية مهربة، وعرضت على وزارة الثقافة عقدا يسمح لها بالتصرف في هذه الاثار، من خلال عرضها بالمتاحف أو نسخها أو بيع صور منها مقابل 15 مليون دولار، إلا أن هيئة الاثار والتراث في عهود وزراء سابقين، رفضت بنود العقد المقترح من قبل الشركة أربع مرات متكررة بسبب إجحافه لحق العراق، لكنها أرسلت الى الشركة تعديلاتها على البنود، من دون أن تقوم الأخيرة بأي تعديل يذكر، بل أعادت إرسال ذات النسخة من العقد في كل مرة”.

ويعود ملف الشركة (التي تأسست في العام 1972 وتتخذ من ولاية أوكلاهوما الأمريكية مقراً لها)، مع آثار العراق الى العام 2010، حيث اشترت عبر الامارات وإسرائيل 5500 قطعة أثرية عراقية، وامتدت عمليات الشراء حتى العام 2017، وقبل عامين فقط أعادت 4 آلاف قطعة أثرية وما زال بحوزتها عدد مماثل، نظرا لاستمرارها بشراء الاثار المسروقة، كما تمتلك متحفا باسم “الكتاب المقدس” تعرض فيه جميع الاثار التي تشتريها، ويقع المتحف في العاصمة الامريكية واشنطن.

وبشأن العقد الجديد مع وزارة الثقافة، يوضح المصدر، أن “الوزير الحالي حسن ناظم، ظهر متحمسا لتوقيع العقد مع الشركة دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك، على الرغم من شبهات العقد التي من شأنها غبن حق العراق بامتلاك آثاره واستردادها”.

ويلفت الى أن “ناظم وقبل فترة وجيزة ذهب في زيارة غير معلنة لأمريكا والتقى بمسؤولي الشركة، وبحث معهم توقيع العقد، ومن المؤمل أن يوقع العقد بشكل رسمي مع الشركة قريبا، سواء خلال زيارة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الى واشنطن أوبعدها، كجزء من الاتفاقيات الثقافية الخاصة بالحوار العراقي الامريكي”، مشيرا الى أن “الوزير أجرى فور عودته لبغداد، اجتماعات عاجلة مع دوائر الوزارة المختصة، بهدف إنجاز الملف وتوقيعه مع الشركة، وإعداد الأمور القانونية الخاصة به”.

في حين، يؤشر خبير آثاري عراقي مقيم في واشنطن، رفض الإفصاح عن هويته، في حديث لـ”العالم الجديد”، الثغرات التي ترافق العقد بالقول، إن “أحد البنود ينص على حق الشركة في التصرف بأي قطعة أثرية تصلها مستقبلا، وليس بتلك التي في حوزتها فقط”.

وينبه الى “وجود أحكام قضائية في أميركا كانت قد حسمت الأمر لصالح إعادة كل الآثار المسروقة الى العراق”، متسائلا عن “جدوى المفاوضات المريبة مع شركة أمريكية يفترض أن تكون خاضعة لقانون الولايات المتحدة، واسترداد كل ما اشترته بطرق غير شرعية من آثار عراقية يتجاوز عددها الـ12 الف قطعة”.

ويردف أن “قانون الاثار العراقي المرقم 55 لسنة 2002 قد حرم التعامل مع سراق الاثار ولصوصها، وهذا يؤكد ضرورة الاحتكام الى دستور الدولة العراقية وقوانينها التي تبطل تفاصيل أية اتفاقية تعقد خارج إطاره، فكيف تتعامل الحكومة مع شركة تعاملت مع سراق الآثار وبعضهم من عناصر داعش لتمويل عملياتهم الارهابية”.

يشار الى أن الصحافة الدولية نشرت الكثير من التحقيقات والتقارير الرصينة حول شبكات تهريب الآثار والاتجار بها والمرتبطة بتنظيم الدولة الاسلامية “داعش” بهدف تمويل عملياته العسكرية.

وكانت وسائل اعلام عالمية بينها قناة “بي بي سي” البريطانية، قد كشفت في 2017 عن تورط شركة هوبي لوبي الامريكية للاثار والفنون بتهريب آلاف القطع الاثرية من العراق الى الولايات المتحدة لصالح متحف “الكتاب المقدس”.

ورفعت النيابة العامة الامريكية دعوى قضائية ضد الشركة في ذات العام، ما اضطرها للموافقة على تسليم القطع المهربة، ودفع مبلغ 3 ملايين دولار لتسوية القضية، بعد أن تم اتهامها من قبل المحامين الأمريكان بانتهاك القانون الفيدرالي بشأن استيراد الاف الألواح الطينية والرموز المكتوبة باللغة المسمارية وشحنها الى الولايات المتحدة وذلك عن طريق الامارات واسرائيل الى مكاتب الشركة في ولاية أوكلاهوما ومن خلال بطاقات شحن مزيفة تدعي أن القطع هي من بلاط السيراميك ذات المنشأ التركي والاسرائيلي.

ورجحت النيابة العامة الامريكية انذاك أن تكون تلك القطع الآثارية قد نهبت من المواقع الاثرية في العراق، متهمة الشركة بشراء 5000 لوح مسماري اثري على الرغم من التحذير بقيمة 1.6 مليون دولار.

وقال الادعاء العام الامريكي حينها، إن “عملية الشراء كانت محفوفة بالخطوط الحمراء، ولم تقابل الشركة التاجر مطلقا، بل تعاملت مع وسيط له بدلا عن ذلك، فيما تقوم بتسديد المدفوعات الى سبعة حسابات مصرفية مختلفة”.

ويلفت الخبير العراقي بشأن المفاوضات التي يقودها وزير الثقافة العراقي حسن ناظم مع شركة هوبي لوبي الى أن “مجرد جلوس الوفد العراقي مع الشركة الامريكية هو مكسب لها من أجل تحسين صورتها أمام الرأي العام، ويعد مكسبا لا تعادله ملايين الدولارات”، موصيا بـ”حصر المفاوضات حول القطع التي صرحت الشركة باعادتها (وهي 8200 قطعة فقط)، أما الـ3800 السابقة بما فيها لوح “حلم كلكامش”، فقد حُسم موضوعها سابقا باعادتها الى العراق ولا تحتاج إلى مفاوضات”.

وينوه الى أن “الشركة سعت لرفع التهم عن شركائها الذين وصفتهم بالمتبرعين، وعلى العراق أن يطالبها بتجهيزه بأسمائهم وعناوينهم وإرفاق الأوراق المتعلقة بالقطع الأثرية وتوصيفاتها ووثائق استيراد او شراء تلك القطع أو الإخراج الكمركي لها مع المستردات الجديدة”.

وفيما يخص الإعارة المتحفية، يشير الخبير الى أن “على العراق عدم إعطاء أي تعهد او إمضاء عقد أو اتفاق على إعارة ولو حبة رمل تسقط من رقيم طيني عراقي الى متحف مشبوه كمتحف الكتاب المقدس، سمعته الان في الحضيض بين الاوساط العلمية اميركيا وعالميا، ولو كانت مصلحة العراق العليا في ان يعرض بالإعارة قطعا اثارية او مخطوطات عراقية في اميركا، فهناك متاحف مشهود بعلميتها واهتمامها الاصيل بطريقة معقولة في الحفاظ وصيانة الاثر العراقي والتعامل مع الباحثين المختصين بآثار وتاريخ بلاد النهرين العريقة”.

وبشأن المتحف يؤكد أنه “لا خبرة لدى هذا المتحف بامور الصيانة والدراسة الرصينة البتة، فهو بالكاد ومنذ تأسيسه في 2017 يستطيع الحبو، وأول شيء تعلمه هو التعامل بالمسروقات وشراء العاديات من تجار ومهربين، ويتعامل مع باحثين لا احترام لهم في الاوساط الاثارية العالمية، واغلبهم لديه اجندات تخدم ايديولوجيات دينية او عرقية، كما ان أي اعارة لقطعة متحفية تجري عليها أحكام لها تشريعاتها في المتحف العراقي العريق (تأسس عام 1923)، ومنها ان الإعارة المتحفية او الدراسية”.

جدير بالذكر أن وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، أعلنت في 9 اب أغسطس الحالي، أن الوزير حسن ناظم، يبحث آليات اعادة الآثار العراقية المهربة بحوزة شركة هوبي لوبي، ومتحف الكتاب المقدس في مدينة واشنطن الامريكية والبالغ عددها 3817 قطعة آثارية، تعود لعصور مختلفة لحضارة وادي الرافدين.

وقال الوزير بحسب البيان “علينا العمل بشكل متسارع؛ لإعادة الآثار المهربة وفق آليات تضمن سلامة وصولها الى العراق، وفق مذكرة تفاهم بين الطرفين تضمن حقوق العراق في اعادة ممتلكاته الثقافية”، مضيفا أن “شركة هوبي لوبي أرسلت مذكرةً شرحت فيها آليات عمل استرجاع الآثار العراقية التي بحوزتها، متضمنةً عدداً من النقاط التي تخص السماح للشركة بعرض وطباعة صور القطع الآثارية، واجراء البحوث والدراسات حول القطع واخذ نسخ الكترونية منها وأشياء تخص النقل والتخزين والتغليف والتعاون مع العراق في اعادة آثاره المهربة داخل أمريكا والمشاركة مع العراق في الابحاث والاكتشافات الآثارية، ودفع تكاليف أجور المحامي والرسوم الخاصة بإعادة الآثار، وحقوق الملكية الثقافية، وفحص القطع الآثارية”.

وأضاف بالقول “طلبت شركة هوبي لوبي الحائزة للقطع الآثارية في مذكرتها من العراق أن يوقف إجراءاته القانونية بحق الشركة مقابل اعادة الآثار وتقديم المساعدة”.

ومما تقدم، فان الشبهات تسيطر على توقيع العقد، وتترك “العالم الجديد” الباب مفتوحا لرد الوزير بشأن سعيه لتوقيع عقد وصف بـ”المجحف” مع شركة متهمة بسرقة الاثار العراقية، بدلا من استردادها عبر الطرق القانونية ومنعها من التصرف بهذه الاثار.

 

إقرأ أيضا