المزارع العراقي.. الدائنون يطاردونه والدولة تتجاهله 

قضية تتجدد في كل موسم زراعي، يدفع ثمنها المزارع العراقي ويتعرض لأنواع الضغط القضائي والعشائري…

قضية تتجدد في كل موسم زراعي، يدفع ثمنها المزارع العراقي ويتعرض لأنواع الضغط القضائي والعشائري بسببها، إلا وهي تأخير صرف مستحقاته من قبل وزارتي التجارة والزراعة، بعد تسويق المحاصيل وانتهاء الموسم الزراعي.

جاسم طخاخ، مزارع من محافظة واسط، علق آمالة وتطلعاته على موسم حصاد هذا العام، واقترض مبالغ مالية كبيرة بـ”الفائدة” لتجهيز لشراء السماد والبذور، فضلا عن تجهيز الاليات الزراعية، لكن بدلا من جني الارباح اصبح مطاردا عشائريا وقضائيا، بعد تعثره بتسديد ما بذمته من ديون، نظرا لعدم صرف مستحقاته التي بذمة الدولة.

قضية هذا المزارع لا تختلف عن الاخرين، فاغلبهم باتوا متخفين خشية من العثور عليهم من قبل افراد عشيرة الدائنين او القوات الامنية.

يقول طخاخ في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ما حصل معي يشبه الكابوس، فبعد شهر من تسويق محصولي الى وزارة التجارة، بدأ الدائنون بمضايقتي، فالتاريخ الذي يفترض ان اسدد خلاله ما بذمتي من اموال، قد مضى عليه فترة، حينها قمت باغلاق هاتفي وتغيير مكان سكني انا وعائلتي، ثم ابلغ احد الدائنين اقاربي انه قد أقام ضدي دعوى قضائية، ثم هددني على الطريقة العشائرية (كوامة)، ومن وقتها وانا متخف عنهم خشية ان يجدني احدهم”.

ويضيف “ندمت على ما فعلت حينما سوقت محصولي الى الدولة، فقد كان من المفترض ان اقوم ببيعه الى تاجر (سوق تجارية) على الرغم من وجود فرق في السعر، لكن كان من الافضل بيعه واستلام الاموال وتسديد الدائنين، وان لا يحل ما حل بي”، محملا الحكومة مسؤولية ما حصل وما قد يحصل له “لأنها السبب الرئيس في المشكلة”.

من جهته، يوضح مدير زراعة واسط اركان الشمري في حديث لـ”العالم الجديد” أن “من حق المزارعين المطالبة بالمستحقات المالية التي في ذمة الدولة لانهم مقبلون على موسم زراعي جديد، خاصة وان اغلب المزارعين يعتمدون على المحاصيل الزراعية كقوت يومي وأي  تأخر في المستحقات يسبب مشكلة اقتصادية للفلاح”.

ويتابع ان “وزارتي التجارة والزراعة تتحملان المسؤولية، لانهما مسؤولتان عن هذه الاخفاقات”.

وعن دور المديرية بهذا الأمر، اشار بالقول “عقدنا اجتماعا للجنة الزراعية العليا في المحافظة بإدارة المحافظ حول تأخر المستحقات المالية للمزارعين، وتمت مفاتحة امانة مجلس الوزراء و وزارتي التجارة والزراعة للإسراع بصرف مستحقات الفلاحين”.

وينوه الى أن “الخطة الزراعية تبلغ مساحتها مليون و250 الف دونم، حيث تم انتاج 800 الف طن من محصولي القمح والشعير، وتعتبر محافظة واسط الأولى في العراق من ناحية الانتاج”، مضيفا “على الرغم من مرور 4 اشهر على بداية التسويق، إلا ان 90 بالمائة من مزارعي واسط لم يستلموا مستحقاتهم”.

وكانت وزارة التجارة، اعلنت في منتصف شهر آب (اغسطس) ان كمية الحنطة المسوقة للوزارة قد بلغت 5 ملايين طن،  وان هذه الكمية ستسهم بتأمين مادة الطحين وستكون عنصر اساسي في رفد مفردات البطاقة التموينية.

بدورها، دعت جمعية مزارعي وفلاحي واسط، وهي جمعية مستقلة، الى تظاهرات احتجاجية أمام سايلو الرصافة جنوبي بغداد للمطالبة بصرف مستحقات الفلاحين من قبل وزارتي الزراعة والتجارة، اضافة الى تأجيل دفع اقساط القروض والغاء ديون الكهرباء.

وفي محافظتي ميسان وذي قار الجنوبيتين، ظهرت دعوات مماثلة للتظاهر امام سايلو الرفاعي شمال الناصرية في مطلع ايلول (ستمبر) المقبل.

من جانبه، يروي الفلاح مالك سمير، لـ”العالم الجديد” قصته مع تأخير المستحقات قائلا “تأخر المستحقات تتكرر في كل عام، إذ نقوم بتسويق جميع ما نملك من المحاصيل الزراعية الى سايلوات الدولة ووزارتي (التجارة والزراعة)، ثم تمارس الدولة ضدنا التسويف والمماطلة والحجة هي عدم وجود سيولة مالية”.  

ويؤكد على أن “الفلاحين ناشدوا جميع الجهات المعنية بدءاً من الحكومة المحلية حتى الحكومة المركزية، لكن لم نلمس تجاوب او حلول لمشكلتنا، كما هناك العديد من المشاكل الزراعية وليست مشكلة تأخر المستحقات فقط”.

ويتساءل سمير “ماذا لو كانت المستحقات المالية تأخرت عن الموظفين او السياسيين اربعة أشهر؟ ماذا سيحدث حينها، سيكون الشغل الشاغل للجميع، أما الامر عن الفلاحين فالوضع مختلف تماما، إذ يمارس التجاهل من قبل الحكومة والإعلام”.

ويتابع “أرى من المناسب ان على المزارعين أن لا يقوموا بزراعة اراضيهم في الموسم المقبل، كي تعرف الحكومة ما قيمة ما يقدمه المزارع، وهي  فئة لا تقل اهمية عن باقي فئات المجتمع”.

أما المزارع كريم التميمي، من ذي قار، فيقول إن “الفلاح قدم الكثير للدولة، لكنه لم يلاقِ أي اهتمام أو رد يناسب ما قدمة، فالدولة تبيعنا البذور بأسعار مرتفعة جداً كما يبيعها التاجر بالضبط، لكن الأخير يمهلنا بعض الوقت، وليس كما تفعل الدولة التي تطالبنا بالدفع المباشر”.

ويضيف “أما الوقود فيتم بيعه للفلاح بأسعار مرتفعة جدا تصل الى 100 الف (83 دولارا تقريبا)، بينما تبيع الدولة الجرارات بالاقساط، لكن بنسبة فائدة كبيرة وفترة سداد قصيرة الامد، وايضا تبيع الدولة المبيدات والسماد وغيرها بأسعار غير منصفة وتثقل كاهل  المزارع”.

ويلفت الى انه “في بعض الاحيان توفر الزراعة المبيدات والسماد بأسعار مدعومة، لكن الكميات قليلة، وتذهب الى المتنفذين، ما يدفع المزارعين الى اللجوء للسوق السوداء أو التجارية، وشراء الاسمدة بالدفع الاجل وباسعار مرتفعة، وكل ما تأخر الدفع تضاعف السعر، وان تأخر صرف المستحقات من قبل الحكومة يسبب خسارة للفلاح”.

فيما يرى الخبير الاقتصادي محمد صاحب ان “اعداء الزراعة كثيرون في داخل وخارج البلد، وهناك أياد تحاول العبث بالأمن الغذائي في البلد وجهات تحاول تحطيم الزراعة بهدف تصدير محاصيلها الى البلد”.

ويشير صاحب في حديثه لـ”العالم الجديد” الى أن “كل ما اعلن العراق قرب اعلان الاكتفاء الذاتي من محصول زراعي او انتاج غذائي، يتعرض هذا المحصول الى تلف او حرق او نفوق، فما ان اعلن العراق قربه من الاكتفاء الذاتي للثروة السمكية تعرضت عشرات الاطنان من الثروة السمكية الى الهلاك، وما ان اقترب من إعلان الاكتفاء الذاتي من القمح تعرضت الاف الدوانم الى حرق متعمد”.

ويتابع “بعض اجراءات الدولة في المنافذ الحدودية غير مجدية، فيتم ادخال المحاصيل باسعار اقل من المحصول العراقي، وهذا ما يعرض المنتج العراقي الى الكساد ويجعل المزارع العراقي غير قادر على بيع انتاجه، وأن سوقه للدولة سيكون نصيبه الانتظار، كل هذه مؤشرات الى انه هناك من يحاول تدمير الاقتصاد العراقي”.

وتتعرض الكثير من المحاصيل الزراعية وخصوصا الستراتيجية الى الاحتراق لأسباب مختلفة، من دون معرفة الفاعل.

إقرأ أيضا