الانفتاح الفرنسي على العراق.. الأسباب والفرص

يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى بغداد، صباح غد الأربعاء، بعد سلسلة زيارات لمسؤولين فرنسيين…

يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى بغداد، صباح غد الأربعاء، بعد سلسلة زيارات لمسؤولين فرنسيين رفيعين، كانت آخرهم وزيرة الجيوش الفرنسية “فلورنس بارلي” الأسبوع الماضي، في خطوة تهدف الى انفتاح باريس على بغداد، لتعزيز دورها العسكري والاقتصادي في العراق، في ظل التجاذب الدولي والصراع الإقليمي بالمنطقة، ما يظهر أنها لم تعد تكتفي بدورها التقليدي المقتصر على دعم ورعاية الأقليات.

وحول الدور الفرنسي الجديد في العراق، يقول الصحفي العراقي المعتمد لدى الاتحاد الاوروبي حسين الوائلي، في حديث لـ”العالم الجديد”، اليوم الاثلاثاء، إن “التوجه الفرنسي نحو العراق، مهم لباريس وليس لبغداد”.

ويوضح الوائلي أن “باريس غارقة في أفريقيا وشرق المتوسط، وتحاول ان تحصل على متنفس لها لمنافسة تركيا، فوجدت منفذا فيما يخص التسليح”، متوقعا “تقوية العلاقة مع حزب العمال الكردستاني، ومحاولة الاستفادة من انحياز العراق تجاه هذا الملف”.

ويشير الى أن “الملف الاقليمي معقد جدا، وهناك ترتيبات في المنطقة بعد اعلان السلام بين الامارات واسرائيل، وعلى العراق ان يصطف مع من يريد، وفرنسا ارتأت ان يكون هناك اصطفاف فرنسي عراقي”.

ويضيف أن “فرنسا تريد ان تعلب دورا مهما في العراق على مستوى التسليح والاقتصاد، وتدفع باتجاه تسليح العراق، خاصة وانها باعت العراق رادارا في عهد الحكومة السابقة، إلا ان الصفقة لم تتم بضغط أمريكي، والان تحاول ان تستحوذ على صفقات تسليح القوات العراقية لتنافس امريكا وتركيا”.

ويستطرد “يمكن للعراق أن يستفيد من فرنسا كونها تملك مقعدا في مجلس الامن الدولي، بالاضافة الى قوة اقتصادية اوروبا، كما يمكنها ان تساعد العراق في رفع اسمه من اللائحة السوداء الخاصة بغسيل الاموال داخل الاتحاد الاوروبي”.

وبشأن التنافس بين فرنسا وتركيا في شرق المتوسط وعلاقة الأمر بالعراق، يوضح الوائلي أن “هناك رقعة مليئة بالغاز وترغب فرنسا في الاستحواذ عليها، وهي الان ترى أن المنفذ الوحيد الذي يمكنها من الضغط سياسيا وامنيا على تركيا هو العراق وتحديدا المناطق الشمالية التي تضم إقليم كردستان العراق”، موضحا أن “فرنسا لا تستطيع أن تضغط في إطار أوروبي على تركيا بسب ورقة المهاجرين التي تلوح بها انقرة للضغط على اوروبا، ولا تستطيع باريس ان تضغط على انقرة في اطار اطلسي لان كليهما عضو في حلف الناتو، وينطبق عليهما نفس البنود والمعايير، لهذا ترى باريس أن المنفذ الوحيد الذي تنافس به أنقرة هو الحدود الجنوبية التي تضايق أنقرة، كثيرا بسبب وجود حزب العمال الكردستاني المصنف على قائمة الارهاب الامريكية والاوروبية”.

ويدعو الوائلي، الحكومة العراقية الى “استثمار العلاقة مع باريس، خاصة وان فرنسا تمتاز ببعثاتها الدبلوماسية الكثيرة، إذ لديها 168 بعثة حول العالم، وتستطيع ان تفيد العراق بقضايا اقتصاية، وهو بحاجة الى اعادة ترميم اقتصادها، بالاضافة الى التعليم لكونها دولة متطورة في مجال إصلاح التعليم، ناهيك عن الملفات الامنية، كالارهابيين الموجودين في قبضة العراق، والذين تستطيع بغداد أن تلوح بهم كورقة للحصول على مصالح مهمة من باريس”.

من جهته، يؤكد مصدر سياسي مطلع أن “زيارة ماكرون الى بغداد التي سيلتقي خلالها المسؤولين العراقيين لبحث الملفات الامنية والاقتصادية، لن تستغرق سوى 4 ساعات فقط، لكنها ستمثل نقلة نوعية في طبيعة العلاقات بين البلدين”.

ويشير المصدر في حديث مع “العالم الجديد”، الى أن “ماكرون سوف لن يزور أربيل، تجنبا لاثارة حفيظة أنقرة التي تنظر بعين الريبة الى التحركات الفرنسية في شرق المتوسط، خلال هذه الفترة على أقل تقدير، لكنه سوف يلتقي رئيس إقليم كردستان العراق نجيرفان البارزاني في بغداد”.

الى ذلك، يؤكد مصدر حكومي في أربيل، أن “الدور الفرنسي في اقليم كردستان العراق، كان يصطدم دائما برفض أنقرة التي منعت حكومة كردستان من منح الاستثمارات لفرنسا، فضلا عن تقنين عملها في سهل نينوى، حيث تعتبره “مهددا لأمنها القومي”، وسبق وان اتهمتها بدعم عناصر حزب العمال الكردستاني، وأوصلت رسالة دولية بهذا الامر”.

وتأجج الخلاف الفرنسي التركي، بعد تدخل أنقرة في ليبيا، وهو ما رفضته فرنسا وادى الى انسحابها من حلف الناتو بصورة مؤقتة بعد الخلاف مع تركيا، الدولة العضو في الحلف أيضا.

وقالت وزارة الدفاع الفرنسية في تموز يوليو الماضي، إن فرنسا علقت دورها في عملية (حارس البحر)، متهمة تركيا بانتهاك حظر السلاح المفروض على ليبيا. كما أن أصل الخلاف يعود لمحاولة تركيا السيطرة على حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، وارسالها سفن التنقيب وسط غضب اوروبي، وخاصة فرنسا التي أرسلت سفنها إلى المنطقة دعما لليونان، ما دفع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للتحذير من أنه سيرد على أي هجوم، قائلا إن “المسألة لا تقتصر على القتال من أجل الحقوق (في المنطقة) فحسب، بل من أجل مستقبل تركيا”.  

ويلفت المصدر الى أن “التوجه الفرنسي نحو العراق يهدف الى الضغط على تركيا، بل و”تطويقها” من قبل فرنسا للحد من نفوذها، سيعتمد على ركائز عدة، أبرزها وضع حد لنفوذ أنقرة في اقليم كردستان، وهذا يتم عبر التعاون الرسمي بين باريس وبغداد، إضافة الى تسليح عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، وهذا سيؤدي الى ما تعتبره تركيا تهديدا لأمنها القومي”.

تحول الصراع الفرنسي التركي من شرق المتوسط وافريقيا الى العراق، من المفترض ان يعود بالفائدة على بغداد، التي تحاول ان تبني اقتصادا ومنظومة أمنية متطورة، خاصة وان هناك الكثير من الفروق بين القوتين في حلف الناتو (فرنسا وتركيا)، كما يشير المصدر.

وفيما يخص حزب العمال الكردستاني المعروف اختصارا بـ(بي كا كا) فيعتبر من أبرز القوى المعارضة للنظام التركي ويتخذ من شمال العراق مقرا لكافة عناصره ويشن هجمات داخل الاراضي التركية، فضلا عن قيام تركيا بقصف مناطق تواجده وشنها عمليات عسكرية برية وجوية داخل الاراضي العراقية لمطاردته، وتسفر دائما عن سقوط قتلى وجرحى من المواطنيين العراقيين، وسط صمت الحكومة العراقية التي تكتفي ببيانات الادانة فقط.

وهذا الامر كما يقول المصدر، دفع تركيا الى القيام بعملية عسكرية ايضا في سوريا، لإنشاء منطقة سمتها “المنطقة الامنة” قرب حدودها، لمطاردة ومحاصرة الاكراد السوريين لضمان “أمنها القومي”.

وبحسب مصدر اخر فقد كشف، عن أن “عناصر حزب العمال الكردستاني المتواجدين في سنجار بسهل نينوى، يحصلون على رواتب من قبل الحكومة العراقية، وذلك بضغط ايراني لاستمرار بقائهم ودعم وجودهم في تلك المنطقة، كون العراق غير قادر على ايقاف هذه الرواتب”.

ويعد التنافس العسكري الامريكي – الايراني في العراق، من ابزر الملفات التي عاشها البلد بعد 2003، وهذا التنافس خلق فرصا لبعض الدول في الدخول للساحة العراقية ايضا، حيث استغلته فرنسا وبصورة علنية، بحسب مسؤولين بوزارة الجيوش الفرنسية، خلال توجه الوزيرة الى بغداد، مؤكدين ان “باريس قلقة بسبب عودة ظهور التنظيم الذي يستفيد من الضبابية السياسية في العراق والتنافس بين إيران والولايات المتحدة في المنطقة”، كما نقل ذلك راديو “مونت كارلو الدولي” الفرنسي.

إقرأ أيضا