هل سيتحول الشباب المتظاهر الى حصان أسود في الانتخابات المقبلة؟

نشر موقع “المونيتور” الأمريكي تقريرا عن علاقة تظاهرات تشرين الأول 2019 بالانتخابات المبكرة التي من…

نشر موقع “المونيتور” الأمريكي تقريرا عن علاقة تظاهرات تشرين الأول 2019 بالانتخابات المبكرة التي من المقرر ان تجري في منتصف العام المقبل، فيما بين الموقع ان التظاهرات خلقت قاعدة انتخابية مترابطة وعابرة للحدود الدينية والطبقية والمناطقية التقليدية.

وجاء في التقرير المنشور باللغة الانكليزية، الذي أعده عمر النداوي لصالح المونيتور وترجمه مصطفى غازي لـ”العالم الجديد” إن “منزل الناشط العراقي رضا العكيلي في ميسان تعرض في الرابع من اب اغسطس الماضي، الى هجوم من قبل عناصر تابعة الى إحدى الفصائل، حيث اطلقوا صاروخا على منزل الناشط وامطروه بوابل من نيران اسلحتهم الرشاشة“.

وكانت هذه المحاولة الثانية التي تستهدف حياته خلال عام، بحسب الموقع الامريكي، لحسن حظ العكيلي وهو طالب صيدلة وعضو باتحاد طلبة ميسان لم يصب بأذى، كما ترددت انباء الهجوم بسرعة في وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يمر بعدها اكثر من اسبوعين قبل ان يتم اغتيال ناشطين اخرين هما رهام يعقوب و تحسين اسامة في البصرة.

وبحسب التقرير، فقد كانت “هذه الهجمات ذات الدم البارد الاخيرة ضمن موجة من الخطف والعنف الموجه من قبل مسلحين مجهولين في محاولة لاسكات المناصرين لحرية التعبير والذين تصدحُ اصواتهم ضد نظام المحاصصة الاثنوطائفي الفاسد، وقللت هذه الحملات من التفائل بأي اصلاح ينتج من اعلان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عن انتخابات مبكرة في يوليو المقبل“.

ونوه كاتب التقرير الى تحدثه “مؤخراً مع ناشطين عراقيين كانوا جزءاً من التظاهرات الداعمة للاصلاح التي انطلقت منذ تشرين الاول اكتوبر الماضي عن ارائهم في الانتخابات، حيث كانوا شجعان بشكل منتظم، اقل اهتماماً بموعد الانتخابات واكثر اهتماماً بالظروف التي سينظم المرشحون فيها حملاتهم، ويذهب المصوتون في ظلها الى صناديق الاقتراع“.

وأشار الى أن “قلق هؤلاء الشباب هناك ما يبرره، حيث قتلت القوات الامنية والمسلحين الذين يعتقد ارتباطهم بفصائل تابعة للاحزاب في غضون الاشهرالاربعة الاولى من التظاهرات حوالي ٦٠٠ متظاهر وجرحت الالاف وتعرض العشرات الى التعذيب والاختفاء القسري، وبالنسبة للمراقب الخارجي فان هذه الارقام هي محض احصاءات لكن بالنسبة للعديد من المتظاهرين العراقيين يمثل ضحايا العنف الحكومي مثل صفاء السراي وحسين عادل وسارة اصدقاءً اضحوا شهداء“.

وقال “تُلهم ذكرى تلك الايقونات “لثورة تشرين” الشباب العراقي المتظاهر وتدفعهم للاستمرار بالنضال سلمياً في سبيل الاصلاح الذي تمثل الانتخابات المبكرة بوابة له“.

واستطرد “سيشكل اجراء الانتخابات في يوليو قبل انتهاء دورة البرلمان الحالي تحديا، إذ تحتاج الحكومة الى الايفاء بالشروط الموضوعة من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات واستكمال الملحقات لقانون الانتخاب الجديد لتعريف الحدود المختلف عليها وعدد الدوائر الانتخابية، وستحتاج ايضا ان توفر ٣٠٠ مليون دولار من ميزانية البلد المستنزفة لتنظيم الاقتراع واتخاذ إجراءات تشريعية لتصحيح الوضع القانوني للمحكمة العليا في العراق (وهي في حالة مشكوك فيها بعد تعيين مثير للجدل لعضو جديد في المحكمة عام 2019) حتى تتمكن من التصديق على النتائج، سيكون هنالك تحديا اصعب يتمثل باقناع اعضاء البرلمان بحل البرلمان قبل شهر حزيران من العام ٢٠٢١ والتخلي عن اشهر من الرواتب والامتيازات والسلطة، حتى لو تغلب الكاظمي على هذه العقبات، فسيكون من الأصعب تهيئة الظروف لإجراء انتخابات حرة ونزيهة حقا لجميع العراقيين“.

وأوضح الكاتب أن “الناشطين الذين تحدثت معهم يريدون فرصاً متكافئة يستطيع فيها المرشحون غير المنتمين لاحزاب أو فصائل من التنافس للفوز“.

ونقل عن اكرم وصفي وهو متظاهر وطالب صيدلة قوله “لا نحتاج الى انتخابات مبكرة، فلتجر الانتخابات بعد ١٨ شهراً من الان، لكن على رئيس الوزراء ان يجمد مصادر تمويل الاحزاب، لكي لا يقوموا بشراء الاصوات“.

وبنفس القدر من الاهمية يريد هولاء الناشطون ان يسترجع المقاطعون للانتخابات الاخيرة في العام ٢٠١٨ (مما أدى إلى أقل نسبة مشاركة في أي انتخابات عراقية حتى الآن) الثقة في العملية الانتخابية ليذهبوا باعداد كبيرة الى صناديق الاقتراع، بحسب التقرير.

ويضع الناشطون ثلاثة شروط أساسية لتحقيق ذلك: نزاهة واستقلالية المفوضية المستقلة للانتخابات والتي لم تتخلص من وصمة ادعاءات التزوير التي لحقتها في الانتخابات الاخيرة، ومراقبة الموارد المالية للاحزاب وتطبيق القوانين التي تنظم الاحزاب السياسية للحد من قدرتها على استلام تمويل خارجي او استغلال الانفاق العام لشراء الاصوات، واخضاع الفصائل لسيطرة الدولة لكي لا تجرى الانتخابات تحت تهديد السلاح.

وبايفاء تلك الشروط أكد منظمو التظاهرات انهم سيمتلكون الفرصة لتثقيف وتحشيد الناخبين لاطلاق العنان لقدرات الناخبين العراقيين الشباب، وبما أن العمر الانتخابي ١٨ سنة، ونصف سكان العراق تحت عمر ٢١ سنة، سيشكل الشباب العراقي الاغلبية المطلقة للمتظاهرين ضد الحكومة وبناءً على ذلك ستكون لهم فرصة تكوين كتلة انتخابية غالبة، اذا قرر فقط نصف العشرين بالمئة من المصوتين العراقيين الذين لم يشاركوا في ٢٠١٨ ان تكون لهم كلمة في الانتخابات المقبلة، وهنا سيتخطى ممثلوهم الحزب الفائز باعلى المقاعد في انتخابات ٢٠١٨.

ولفت التقرير الى أن “هناك شبكات وقنوات جديدة للتحشيد لم تكن بمتناول منظمي التظاهرات قبل اكتوبر ٢٠١٩، من ضمن هذه القنوات اتحادات الطلبة الذي التي ظهرت للوجود في الخريف الماضي، وبالنسبة لليث حسين الطالب في كلية الطب والعضو المؤسس لاتحاد طلبة بغداد فيقول انتقل اتحاد الطلبة خلال أسابيع قليلة من تأسيسه من تمثيل ثماني كليات في اثنتين من جامعات بغداد، إلى ٩٢ كلية تشكل ٩٥ في المائة من جميع الكليات في العاصمة، وقد استخدم الاتحاد هذه الشبكة ليحول مسيرات كليات منفردة الى احداث اسبوعية كانت تجتذب اكثر من ٦٠ الف متظاهر في ذلك الوقت واصبحت العمود الفقري لحركة التظاهر“. 

ورأى كاتب التقرير، أن “الناشطين يبدو أنهم متفائلون أن الاحداث منذ تشرين الاول اكتوبر قد غيرت بشكل جوهري رؤية الشباب العراقي لدورهم في السياسة، كما قال المتظاهر، والطالب الجامعي حيدر فيصل (سيدفع الوعي الذي تكون حديثا الناسَ للذهاب الى التصويت.. لايوجد الان شخص يقول انني لست معنياً بالسياسة، وكثير من الناس سيفكرون قبل ان يعطوا اصواتهم للمرشحين، اعتقد ان الجميع سيدلون باصواتهم)، وردد الناشط والطالب في كلية الطب امير الحبوبي هذا التقييم مشدداً على هدف الحركة لنشر ثقافة الوعي الفردي التي تتحدى الناخب العراقي ليفكر ويختار بنفسه بدلاً من الاتباع الاعمى للديماغوجية الدينية والحزبية“.

ونبه الى ان “منظمي التظاهر يعتقدون أن بامكانهم أن يستفيدوا من شبكاتهم الجديدة لبناء ماكنة تثقيف وتحشيد على التصويت والتي يمكن أن تتفادى تكرار تجربة الاقبال الضعيف لانتخابات ٢٠١٨ عندما دفع فقدان الايمان بالعملية الانتخابية العديد من الناشطين للدعوة للمقاطعة، بصرف النظر عن عمليات التزوير لمناصري الاحزاب السياسية، التي سهلت هذه المقاطعة لهم الامر، رغم انهم يشكلون الاقلية نسبياً لكنهم يمثلون قاعدة سهلة التحشيد (وفي بعض الحالات اصواتا يتم شرائها) من ان يهيمنوا على نتائج الاقتراع“.

وقال احمد خلدون المتظاهر وطالب الطب والناشط في مجال حقوق الانسان انه وزملاءه الناشطين “متهيئون لتثقيف الشارع بضرورة التصويت وكيفية اختيار المرشحين، سنروج للمرشحين المستقلين.. نحن نعمل على هذا ونستطيع ان نحشد على عشرة الاف متطوع في محافظات التظاهر التسع وحتى ١٥،٠٠٠ في كل المحافظات“.

كما يعتقد الشباب المتظاهر أن “التجارب المريرة المشتركة في السنوات الاخيرة خلقت قاعدة انتخابية اكثر ترابطاً عابرة للحدود الدينية والطبقية والمناطقية التقليدية، وتكلم العديد بحماس عن تجربة التظاهر وكيف انها جمعت اناسا من شرائح المجتمع العراقي من الذين لا يمكن جمعهم في الظروف الاعتيادية، فيوضح وصفي ان “مواجهة عنف الحكومة والمليشيات سويةً جعلت الناس تراك من زاوية ما تقدمه لبلدك“.

وتوافق الاستاذة الجامعية والناشطة في بناء السلام نور قيس في قولها” انك تقوم بترك اختلافاتك مع الاخرين قبل ان تدخل الى ساحة التحرير” حيث ترى الاستاذة جانباً مشرقاً حتى في تجربة التهجير المروعة خلال سنوات الحرب مع داعش ٢٠١٤-٢٠١٧ لانها عرّفت العراقيين على بعضهم البعض بعد العنف الطائفي في العقد السابق والذي اقام جدرانا فيما بينهم، كما تقول الناشطة “الشباب الذين نزحوا من الانبار اضطروا ان يسكنوا اربيل والذين من نينوى اضطروا ايضاً على السكن في كربلاء وهذا ما فتح اعينهم على المشتركات بينهم وبين غيرهم من العراقيين“.

وجاء في التقرير ايضا “ممكن ان تترتب على هذه الامور تبعات انتخابية، اذا اصبح العراق دائرة انتخابية واحدة، سواءً في الانتخابات المقبلة او بعدها، ويعتقد بعض الناشطين ان تلك الصيغة ستقدم للمصوتين الداعمين للاصلاح خيارات اوسع من المرشحين الذين لن يتمكنوا من التصويت لهم في حال كونهم محددين بمدنهم ومحافظاتهم، ويقول احمد( نفضل ان يكون العراق دائرة انتخابية واحدة ليتمكن ابن الانبار من التصويت لابن البصرة والعكس بالعكس)“.

وتابع “مع ذلك يعلم هؤلاء الناشطين ان التغيير يجب ان يكون تدريجياً ويشيرون الى انهم سيرضون بنظام يتضمن مقعداً واحداً لكل منطقة مادام ذلك يسمح بالترشيح الفردي على حساب قوائم الاحزاب، بما يمنح المستقلين فرصة للمنافسة، مع ذلك فهم يأملون انه اذا تغلب الشباب والشابات على ترددهم تجاه المشاركة بالانتخابات وقرروا ان يصوتوا فسيكون بأمكانهم ان يكونوا قاعدة انتخابية قوية تتفوق عدديا على الكتل الانتخابية القائمة على المحسوبية والتابعة لأحزاب المؤسسة السياسية، وربما حتى تنافس مئات الآلاف من الذين يحتشدون خلف رجل الدين مقتدى الصدر.”

ولفت التقرير الى انه “في تعارض مع الصورة النمطية التي تقدم جيلهم على انه غير صبور ودائماً ما يبحث عن النتائج السريعة، يلعب هؤلاء الشبان لعبة طويلة الامد، انهم يدركون ان انهاء ثقافة الفساد والعنف السياسي هو امر يتطلب وقتاً، والقوة السياسية التي يحاول دعاة الاصلاح بناءها ليست معنية فقط بالانتخابات القادمة بل التي تليها وما بعدها ايضا، ويتحدث الناشطون عن “ثورتهم” كخطوة على طريق بدأ البعض بالمسير عليه في ٢٠١٥ بل وحتى في ٢٠١١ ويتوقع هؤلاء ان تكون هنالك مواجهات اخرى في المستقبل، لهذا الغرض هم يعتقدون ان اثبات موطئ قدم في البرلمان هو خطوة اولى نحو تغيير ميزان القوى السياسي وتحفيز التغيير من الداخل“.

وأوضح المتظاهر البصري الناجي من محنة الخطف في اكتوبر محمد الياسري “كان هنالك حركة تظاهر في ٢٠١١. وتلتها تظاهرات اكبر في ٢٠١٥ و ٢٠١٦، في تظاهرات ٢٠١٨ فقدت الحكومة السيطرة على البصرة، ثم اتسعت حركة التظاهر في تظاهرات ٢٠١٩ لتسع محافظات، بعد ما مر الناس بكل هذه التجارب والمصاعب اصبح الدافع لاجبار الطبقة السياسية للاصغاء اقوى“.

ونوه كاتب التقرير الى انه “خلال حوالي ٢٠ ساعة من المقابلات لاحظت ان احد اهم الاختلافات بين المتظاهرين الشباب والناشطين في منتصف العمر كان يتمثل في رد فعلهم لحملات الترهيب المخطط لها من قبل الحكومة والفصائل، بينما قلل العنف من عزم الناشطين الاكبر عمرا، فأن الاعمال الوحشية والدم الذي أريق اثناء التظاهرات تلهم الناشطين الشباب وتدفعهم للاستمرار بالرغم من فقدان الزخم والموارد منذ بدء الوباء، روابط الصداقة والتضحية والحلم المشترك بوطن يعامل ابناؤه بانصاف وكرامة هو السر الذي يديم حراكهم“.

ويعترف بعض المتظاهرين الذين التقاهم كاتب التقرير بـ”التقليل من اهمية التظاهرات في البداية معتقدين انها ستفقد زخمها بسرعة، لكنهم قرروا المشاركة بعد ان رأوا مقدارالقمع والتضحية، إذ قال الحبوبي ان القناصين استفزوه “القتل جعلني اشعر انه لا توجد طريقة لاسترجاع كرامتنا من دون التظاهر واخبار النظام السياسي ان الوضع اصبح لايطاق“.

وذهب اكرم وهو متطوع طبي حمل بشكل شخصي جثامين ١٣ متظاهراً تم قتلهم بواسطة الطلق الناري واسطوانات الغاز المسيل للدموع خلال احداث ٢٥ تشرين الاول اكتوبر ٢٠١٩، الى ان “التجربة جعلته يؤمن انه يجب ان يقوم بدوره لان الناس بدأوا بغرس البذرة، اخبرني اكرم “من ممكن اننا لن نحقق اهدافنا الان، ولكن ان لم ننجزها في هذه الثورة فسنفعلها في الثورة المقبلةً“.

واختتم التقرير بالقول “يستمر وصفي وزملاؤه في اتحاد الطلبة بتقوية صلاتهم مع الطلبة في كل المحافظات ومن ضمنها مدن كردستان والمناطق الغربية التي لم تشهد تظاهرات واسعة النطاق، ويتركز هدفهم في “فهم العوائق” التي تواجه نضرائهم، ولكي يتم اشراك هذه المحافظات في المرحلة المقبلة من التظاهرات والتي يعتقد العديد من الناشطين انها ستبدأ في وقت ما في اكتوبر تزامنا مع الذكرى السنوية الاولى للتظاهرات، وستستمر الحركة وتتسع كما يقول حسين “جمعنا ثروة من الخبرات في المفاوضات والحوار وصياغة المطالب ونبقى عازمين على خلق التغيير، قد لا يحدث التغيير في العام المقبل، لكن يبقى الهدف عراقا لكل العراقيين بفرص متساوية حقيقية، وان النمور الورقية (الفصائل والاحزاب السياسية التقليدية) تمتلك الاموال والسلاح، لكنها لاتملك قاعدة حقيقية، وكما قال صفاء السراي، في النهاية لا يبقى سوى العراق“.

إقرأ أيضا