كورونا: شبح عنيد يلتهم قوت العراقيين

في العقد الخامس من عمره، يلتهم ابراهيم غني بقايا الخبز من النفايات ويسكن في إحدى…

في العقد الخامس من عمره، يلتهم ابراهيم غني بقايا الخبز من النفايات ويسكن في إحدى الخيام قرب ساحة التحرير وسط بغداد، بعد ان كان يعمل في مطعم ويسكن مع العمال الاجانب فيه بغرفة واحدة، لكن توقف العمل أجبره على العيش في هذه الخيمة لكونه لا يملك منزلا ولا عائلة.

يقول ابراهيم “اقضي جميع احتياجاتي في هذه الخيمة، وباتت رائحتها لا تطاق، وقد لجأت اليها بعد ان كنت اعمل بغسيل الصحون في احدى مطاعم بغداد الذي كان يوفر لي المسكن مع العمال الاجانب بغرفة واحدة”.

ويتابع في حديثه لـ”العالم الجديد”، إن “الموت غيب والدي وأخوتي الثلاثة، والان لا املك ثمن علاج مرض السكي”، مضيفا “كنت اعمل قبل جائحة كورونا، لكن تفشي الفيروس جعلني اعيش بالشارع، بعد ان اضطر المطعم ان يغلق ابوابه بقرارٍ من الحكومة العراقية  وقاموا بتسريحي ولم يبق امامي سوى العيش على الرصيف”.

ابراهيم الذي بدأ عليه الألم والشحوب، اكد انه فكر كثيرا بالانتحار وقام بشراء سم الفئران، قائلا “قمت بمناشدة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتوفير راتب للعاطلين عن العمل والذين لايملكون مأوى لكن دون جدوى، وبحثت عن عمل مقابل سكن لي ولم اطرق باباً إلا وكانت جميعها موصدة امامي”.

معاناة إبراهيم واحدة من القصص الكثيرة للمتأثرين بالوضع الاقتصادي الصعب الذي خلقه تفشي فيروس كورونا في العراق، وفي غمرة الصراع مع فيروس كورونا الذي يُثير انتشاره رعباً عالمياً، تتعدد القصص المأساوية لضحاياه وذويهم، والوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه البعض.

من جانبه، يبين جعفر، وهو صاحب احدى المطاعم في بغداد في حديث لـ”العالم الجديد” انه “لدي 28 عاملا، نصفهم اجانب وبعد قرار اغلاق المطاعم، بقيت شهرين أقوم بدفع رواتب وإيجارات سكن للعمال الاجانب ولم تتحمل ميزانيتي اكثر من ذلك فقمت بترحيلهم الى بلدانهم وتسريح جمع العاملين العراقيين”.

ويضيف “بعد قرار العودة بفتح المطاعم، كانت هناك خدمة التوصيل الى المنازل فقد، ولم استطع جمع العمال لان الغالبية هم من دول اخرى وايضا كان الدخل محدود جدا لا يكفي لسد رواتب الموظفين”.

وكانت الحكومة العراقية قد قررت في السابع عشر من اذار مارس الماضي غلق جميع المطاعم ومراكز التسوق والمحال التجارية وغيرها من الموسسات الخدمية، مما اثر سلبا على الوضع الاقتصادي وعلى رأسهم الاف العمال الذين خسروا قوت يومهم بسبب قرار الحكومة.

وذكرت وثيقة صادرة عن تجمع اصحاب مطاعم بغداد، أن إغلاق هذه المطاعم تسبب ببطالة لأكثر من 90 ألف عامل، مما سينعكس تأثيرها سلبيا على الواقع الاقتصادي لكون المطاعم هي أنشط المرافق الاقتصادية في البلد.

بعد المطالبات باعادة فتح المطاعم والمولات، قررت الحكومة العراقية فتحها بشكل جزئي وبشروط محددة وضعتها وزارة الصحة وخصوصا على المطاعم التي قامت بتوصيل الطعام الى المنازل (الدلفري) مما لم يتح الفرصة للعاملين بالعودة الى عملهم.

Image

اجراءات الاغلاق يراها البعض مجحفة بعد مساسها بمعيشة المواطنين من ذوي الدخل المحدود، وقطاع المطاعم هو الاكثر تضررا من هذا الفيروس، رغم تداعيات المرض الخطيرة واقتراح متخصصون بان تتبع الحكومة اجراءات وقائية من شانها تحقيق تدابير صحية ايجابية تقلل من تأثيراتها السلبية على المواطنين.

أناس كثيرون قاموا باخفاء المرض خشيةً فقدان عملهم، اعتبرها البعض وصمة عار خصوصا لدى النساء، وخير دليل على ذلك المواطنة (ش.ح) البالغة من العمر 43 عاما، حيث شعرت باعراض اسهال شديد في الاسبوع الاول من شهر حزيران يونيو وذهبت الى المستشفى وادخلوها الى الطوارئ ليشخصوها تشخيص خاطىء، حيث قالوا بانها تعاني من تسمم في المعدة واعطوها علاج خاص بالتسمم.

وتقول (ش.ح) في حديثها لـ”العالم الجديد” انه “استمر الم المعدة لمدة ثلاثة ايام اُخر ومن ثم شعرت بالم شديد في قدمي وبعدها عدت الى المستشفى واصريت على اجراء المسحة وظهرت النتيجة بعد ثلاثة ايام، واذا هي تكشف انني مصابة بكورونا، وابلغوني بنتيجة الفحص يوم السبت المصادف 13 من ذات الشهر فقمت بابلاغ المكان الذي اعمل فيه ليتسنى لي حجر نفسي في المنزل خوفا من نقل العدوى”.

وتبين “بعض العاملين في ذلك المكان كانوا يلومونني ووصلتني رسائل بانني بهذا العمل الشنيع باخفاء اصابتي بكورونا انني اقدمت على الشروع بالقتل، حينها شعرت بالفيروس يأكل جسدي لانهم اشعروني بأنني قمت بقتل شخص ما وكان الوضع النفسي لي متأزم جدا”. 

وهي تذرف الدموع بشدة وتقول “بعد حجري لنفسي لمدة ما يقارب 20 يوما والايام المظلمة في غرفتي وشعوري بالموت القريب رغم انني كنت اشعر بتحسن حالتي بعد سبعة ايام فقط من تحديد الاصابة، لتدفعني بعدها نظرة الناس الى اجراء مسحة اخرى واتضحت انها سالبة وانني تشافيت من الفيروس اللعين”.

وتستطرد بالقول “اتصلت على ادارة المكان الذي كنت اعمل فيه لابلغهم على انه تم شفائي من فيروس كورونا وأود العودة للعمل مجددا، لكنني تفاجئت بانهم قاموا بانهاء خدماتي في يوم ظهور المسحة ومن دون سابق انذار”.

وتشير الى انه “شعرت بحياة سوداء تنتظرني لانني اقوم برعاية اولادي الثلاثة الايتام والراتب الذي كنت اتقاضاه من المكان قليل جدا لا يكفيني اكثر من شهر، وانا اليوم بلا عمل بلا معيل ووضعي الاقتصادي صعب جدا”.

Image

وفي وقت سابق كشف وزير العمل والشؤون الاجتماعية عادل الركابي أن معدلات الفقر في البلاد شهدت تزايدا كبيرا بسبب تفشي فيروس كورونا، موضحا ان نسبة الفقر ارتفعت من 22% إلى 34%، مؤكدا الوقت نفسه ان العراق يسعى إلى تجاوز الأزمة من خلال التعاون مع مختلف الجهات الدولية لإيجاد حلول سريعة لزيادة معدلات الفقر والبطالة .

حتى أصحاب الأعمال لم يسلموا من الأثر السلبي الناتج عن وصمة المرض مثل حالة مهند الذي اُصيب هو الاخر بكورونا وكان يعمل حلاقا باحدى احياء العاصمة بغداد قائلا “بقيت اكثر من 20 يوما ارقد في المستشفى وبعدها تشافيت من فيروس كورونا، وعند عودتي الى العمل وسماح الاطباء لي بممارسة عملي مجددا لم يدخل اي شخص لمحل الحلاقة خوفا من اصابتهم بالعدوى”.

ويردف مهند “اصبت بالشلل الاقتصادي لانني مجبر على دفع ايجار المحل ولدي اطفال مسؤول عن رعايتهم”.

لم يكن هؤلاء الحالة الوحيدة الذين فقدوا عملهم في البلد، بل كان هنالك المئات مما اضطرت اماكن عملهم الى الاغلاق وتسريح كواردها.

قصي خلف (35 عاما)، يوقف “التوك توك” الخاص به (وهي مركبة نارية ذات ثلات عجلات، تستخدم غالبا لنقل الاشخاص الى أماكن قريبة) والذي يعد مصدر رزقه الوحيد، إذ كان يعمل سائق أجرة في بغداد منذ خمسة اعوام، لم يعر اية اهمية لفيروس كورونا، كان همه الوحيد توفير لقمة العيش لعائلته المتكونة من ثلاثة اطفال وزوجته.

يقول قصي لـ”العالم الجديد” انه “لم ارتد الكمامة مطلقاً ولم اعرف ماهو فيروس كورونا لغاية صدور قرار حظر التجوال، فلم اتوقع يوما ان يتوقف عملي”، حاول بشتى الطرق الخروج للعمل لكن كانت المحال مغلقة والشوارع فارغة في بداية الامر، مستطردا “عانيت من توفير الطعام لاولادي لانني لم اتوقع انه سيأتي مثل هذا اليوم”.

وغيب فيروس كورونا العديد من الشخصيات، فمن بين المتوفيين جراء الفيروس كان هناك رياضيون وإعلاميون وفنانون وأعضاء في البرلمان، والنجم الدولي الأكثر شهرة في العراق احمد راضي الذي فجع العراقيين بمختلف مستوياتهم، واصاب اكثر من 400 صُحفي بحسب تغريدة لنقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي.

يذكر ان الاصابات المؤكدة بفيروس كورونا وصلت الى 353 ألفا و566 اصابة، فيما بلغت الوفيات 9052 حالة، وفي المقابل يُعتقد أن الأعداد أكبر من ذلك بكثير، وما يثير القلق أن المستشفيات في البلاد غير قادرة على التعامل مع أزمة صحية كبيرة، فضلا عن أن العديد من المواطنين لا يحترمون حظر التجول الذي فرضته الحكومة.

ووعدت الحكومة ذوي الدخل المحدود بمنحة مالية قدرها 30 الف دينار عراقي اي ما يقارب 25 دولار، في 8 من نيسان أبريل الماضي، ولمدة شهرين، ومن المفترض انها تشمل نحو عشرة ملايين مواطن أو مليوني رب أسرة، لكنها لهذه اللحظة لم تفي بوعدها.

إقرأ أيضا