انتفاضة تشرين بعد عام.. الى أين؟

فيما تتزين ساحات الاحتجاج استعدادا لاستقبال الذكرى السنوية الاولى لانتفاضة تشرين الأول، تطلق “العالم الجديد”…

فيما تتزين ساحات الاحتجاج استعدادا لاستقبال الذكرى السنوية الاولى لانتفاضة تشرين الأول، تطلق “العالم الجديد” ملفا خاصا في حلقات تسلط من خلاله الضوء على كافة جوانب الانتفاضة عبر رصد آراء الناشطين من كافة الأعراق والطوائف، وتوثيق شهادات المقربين من ضحاياها ممن سقطوا في عمليات الاغتيال والقمع الذي جرى خلال أيام الانتفاضة. 

قبل عام من الان، وفي الاول من تشرين الاول أكتوبر 2019، انطلقت تظاهرات شعبية للمطالبة بتوفير الخدمات وإبعاد الفاسدين عن سدة الحكم، ووضع حد لنفوذ وسطوة الأحزاب على مقدرات البلد، لكن سرعان ما تحولت هذه التظاهرات الى انتفاضة شعبية بدأت من بغداد وصولا الى البصرة في أقصى جنوبي العراق.

شكلت هذه الانتفاضة نقطة فارقة في تاريخ العملية السياسية بعد عام 2003، وأصبحت أيقونة عراقية جمعت كل أطياف المجتمع ووحدت مطالبهم، خاصة بعد القمع الذي حدث خلالها، والذي ادى الى مقتل اكثر من 600 متظاهر واصابة 26 الفا آخرين. 

جوبهت الانتفاضة مبكرا بقمع مفرط، حيث استخدمت كافة الأسلحة التي كانت كافية لقتل العشرات، فتبعه هدوء نسبي استمر لنحو ثلاثة أسابيع حتى الـ25 من تشرين الاول أكتوبر، وهو اليوم الذي انطلقت فيه شرارة الانتفاضة مرة أخرى، واستمرت حتى اليوم، حيث عمد المتظاهرون الى تحويلها لاعتصام مفتوح حتى تحقيق المطالب، وهذا ما جرى في 10 محافظات عراقية بما فيها العاصمة، حيث تحولت الساحات الرئيسة فيها الى اماكن اعتصام ونصبت فيها الخيام.

من مخرجات هذه الانتفاضة، هي إقالة حكومة عادل عبد المهدي، بناء على دعوة المرجعية الدينية العليا في النجف، التي ساندت الشعب في تظاهراته. واليوم، بعد مرور عام، تم خلاله تكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل حكومة مؤقتة هدفها الاعداد لانتخابات مبكرة، استطلعت “العالم الجديد” آراء الناشطين حول استمرار التظاهرة من عدمها.

إذ يرى الناشط صفاء رشيد من محافظة واسط، أن “التظاھرات في العراق لن تنتھي طالما ھنالك أزمات متراكمة وفساد یتوغل بكل مؤسسات الدولة، تشرین كانت نتیجة مكملة لسلسلة من الاحتجاجات الشعبیة المطالبة بالإصلاح منذ عام 2011 والى الان”.

ويبين رشيد “طالما یوجد خطر یھدد حیاة الشعب، وطالما يستوطن الفساد في مؤسسات الدولة بكل تأكید للتظاھرات عودة لیست ببعیدة، وبالأخص اصبح الوعي الجمعي في الاحتجاجات الشعبیة مختلفا، فكل ما قبل تشرین شيء وما بعده شيء اخر تماما”.

ويشير الى أن “للتجارب أثرا كبیرا في نفوس المحتجین، فكل تجربة یمر بها الحراك الشعبي تولد أفكارا وتحدد الأخطاء التي مر بھا، وواحدة من ھذا الأخطاء التي وقعت في تشرین، ھي انخفاض مستوى التنظیم والتنسیق بین ساحات الاحتجاج، ولم یكن بالمستوى المطلوب، وكان درسا مثمرا للمحتجین، ونلاحظ الیوم اصبحوا أكثر اھتماما وتركیزا في موضوعیة التنظیم والتنسیق بین سوح الاحتجاج، ومد جسور التواصل، وھذا یؤكد بأن سیكون ھناك تنسیق وتنظیم في قادم الأیام”.

خفت بريق “الانتفاضة” نسبيا بعد تفشي وباء كورونا في العراق في شهر اذار مارس الماضي، إلا ان خيام الاعتصام بقيت شاخصة في الساحات دون المساس بها من قبل القوات الامنية، وبقي عدد قليل من المعتصمين متواجدين داخلها، كما انها تتعرض بين وآخر، لاستهداف مجهول، يتمثل بتفجير او حرق، الأمر الذي أدى الى إحراق المتظاهرين لمقار الاحزاب من جديد، بعد حرقها في ذروة التظاهرات.

لكن، الناشط غیث محمد من العاصمة بغداد، له وجهة نظر مختلفة، فيقول “لا احد یمكن ان یفھم خوارزمیة الشعب العراقي ومعاییره اتجاه الاحتجاجات”، مبينا “بعد 2015 عندما سلم الشیوعیون قناعاتھم للتيار الصدري وانتھت الاعتصامات بوقت قیاسي، قلنا ھذا البلد لن تجدي فيه أية طریقة للاحتجاج مثل التظاھر والاعتصام، وان العراق لن تقوم له قائمة”.

ويتابع محمد “لكن جاءت تشرین بشكل مفاجئ وغیر محسوب، وبالتالي فلا احد یمكن يمكنه التكهن بأن تشرین المقبل قد يعود اقوى من قبل او قد تكون التظاهرات فيه مجرد وقوف على أطلال انتفاضة تشرین السابقة”.

ويؤكد “إذ عادت تشرین مثل السابق، فبلا ریب ھناك عدة تنظیمات رغم عشوائیة الشباب وعدم وجود ارادة حقیقیة في التنظیم، وھذا الحال الطبیعي لكل الثورات في العالم، لكن ھناك من یسعى للتنظیم، فضلا عن من نظم نفسه منذ انطلاق الإحتجاجات الأولى وإذ عادت فسیكون التنظیم اكبر وبشكل محكم”.

ومن ذي قار، التي تحولت الى مركز للانتفاضة في الجنوب، نظرا لما شهدته من أحداث، يوضح الناشط ازھر كریم، أن “الحركة الاحتجاجیة في العراق لم تتوقف حتى تعود”.

ويضيف كريم “فیما یخص المحافظة فأن الناصریة كسائر المحافظات الاخرى قائمة باحتجاجھا، ولم تتوقف حتى تنفیذ جمیع المطالب، فمازالت عملیات الخطف والاغتیالات مستمرة یضاف لھا عدم الكشف عن قتلة المتظاھرین، ھذه الاشیاء لم توقف ابناء تشرین ولم تقلل من عزیمتھم ازاء واجب الوطن والفرد العراقي”.

ويلفت الى ان “هناك تنسيقا بین الناصریة وبقیة المحافظات، وهناك تواصل مستمر مع المحافظات المحتجة لتقریب وجھات النظر وكل ھذا یصب بمصلحة الوطن”.

وكان الكاظمي، وعد خلال تسنمه منصبه في ايار الماضي، بالكشف عن قتلة المتظاهرين وتلبية مطالبهم، اضافة الى تشكيل مجالس شبابية مرتبطة بالحكومة، إلا أن أي وعد منها لم ينفذ، وهذا ما تناولته “العالم الجديد” في تقرير منفصل عن وعود الكاظمي تحت عنوان “الكاظمي ميتر” ونشر بعد مرور نحو 100 يوم على وجوده في سدة الحكم. 

Image

ما مصير المطالب؟

أما ما یخص طبیعة المطالب في التظاھرات المقبلة في حال انطلاقها، فيوضح رشيد ان “مطالب المتظاھرین ھي ذاتھا مطالب تشرین وھي مطالب مشروعة، محاسبة قتلة المتظاھرین وإقرار قانون الانتخابات وتھیئة الظروف المناسبة لإقامة انتخابات مبكرة عادلة ونزیھة وتحت إشراف أممي، ولا ننسى ان الحكومة الحالیة وضعت لأجل ھذا المطالب بعد اقالة المدان عادل عبد المھدي”. 

فیما يشير غيث محمد إلى ان “طبیعة المطالب في ھذه التظاھرات قد تكون مختلفة بلا شك، لم یكن لتشرین ضحایا قبل انطلاق الثورة ولم یكن المطلب الاساس محاسبة القتلة اما تشرین المقبلة فان المطلب الاساس ھو محاسبة قتلة المتظاھرین وتقدیمھم للعدالة”.

المشاركة بالانتخابات
في سياق المشاركة بالانتخابات، فان الناشط رشيد يقول ان “الطموح السیاسي حق لكل فرد والعملیة السیاسیة في العراق بحاجة إلى دماء جدیدة، وبحاجة إلى وعي شبابي یزیح صقور الفساد، ستكون ھنالك تنظیمات وحراكات سیاسیة جدیده لكنھا لیست ممثلة عن تشرین، وھذه نقطة مھمة یجب ان یركز علیھا الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح فقط، فهو لیس حراك باحث عن السلطة ولیس من أھدافھ الدخول في السلطة، لكنھا قد تكون السبب في ازاحة الفاسدین وفتح المجال إلى الكفاءات والراغبین في العمل السیاسي، لكن وجود حراك او تنظیم یمثل تشرین لا أبدًا ولن یسمح التشرینین في ذلك”.

لكن، محمد يرى من وجهة نظره أنه “في الوقت الحالي جمیع العراقیین ومن فیھم المحتجین یمرون بأزمة ثقة، وھذا من یثبط من معنویات الشباب كما ایضا طرح كیان سیاسي یحتاج الكثیر من الدعم المادي فضلا عن المعنوي، ولا احد یمكن ان یتبنى مشروعا وطنیا دون شروط مسبقة”.

ويستطرد “الامر معقد والسیاسة بحد ذاتھا لعبة خاسرة، یخوضھا من له القدرة على ان یكون ثعلبا، وھذا لا ینفي جھود بعض الشباب في طرح كیان سیاسي ینافس ویثبت نفسه في المرحلة المقبلة”. 

بعد عام
“بعد مرور عام على تشرین، ونظرا لحجم التأثیر والتغيير التي احدثته، مقابل الھجمات الكبیرة من حملات التسقیط والتخوین والترھیب وكل أسالیب القمع التي أتخذتھا أحزاب السلطة اتجاه المحتجین، وكانت غایتھا تقلیل زخم الاحتجاج، لكن كل ھذا الأسالیب حالة دون ذلك”، هذا ما قاله رشيد عن هذه الذكرى.

ويتابع “كل یوم یمر من عمر الحكومة دون تحقیق مطالب التشرینین یولد ضغطا متراكما عند الشارع، ونتیجة ھذا الضغط انفجار قد یوازي الخامس والعشرون من تشرین، التظاھرات ھي ولیدة الشارع وطالما أھدافھا مشروعة وحق من حقوق الشعب، فبكل تاكید الشارع العراقي والوطني داعم لھذه الحقوق”.

محمد، من جهته، يرى أن “جمھور الأحزاب لا احد یمكن ان ینكر كثرته ومحاولاته في زج أنفسهم مع المحتجین، الإحتجاجات شعبیة ومجانیة للجمیع، أي یمكن لأي احتجاج ان یخترق بسھولة لكن الشباب اصبح لدیھم من تشرین تجربة كبیرة یمكن ان تُفشل اي مشروع غیر وطني داخل ساحات الإحتجاج”.

إقرأ أيضا