انتفاضة تشرين في عيون أبناء المكونات العراقية

في ثاني تقاريرها حول ذكرى انتفاضة تشرين، تتناول “العالم الجديد” رؤية أبناء المكونات الدينية والطوائف…

في ثاني تقاريرها حول ذكرى انتفاضة تشرين، تتناول “العالم الجديد” رؤية أبناء المكونات الدينية والطوائف المختلفة (الأقليات) في البلاد حول هذه الانتفاضة التي ضمت كافة الأطياف العراقية وجمعت كافة شرائح المجتمع تحت راية الوطن.

لم تشهد انتفاضة تشرين أية نعرات طائفية او مذهبية، ضمت في صفوفها الجميع تحت مطالب موحدة، ولم ترفع أية رايات مختلفة فيها، وفي هذا الصدد يقول المدون سلطان كاريص، وهو من أبناء المكون الإيزيدي، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ثورة تشرين تعتبر صرخة معبرة عن معاناة وآلام الجيل الجديد في العراق، جيل باحث عن مستقبل زاهر وحياة كريمة فيها أبسط متطلبات الحياة“.

ويوضح كاريص “بعد سقوط الطاغية صدام حسين، توقع الجميع أن يتحسن الوضع، ويتجه البلد نحو بناء دولة ديمقراطية تحفظ كرامة المواطن وتوفر له الحرية والمساواة، لكن وبعد 17 عاما رأينا أنفسنا في مستنقع من الفساد وتكميم الافواه والاغتيالات ودولة تتحكم بها دولة ثانية ومليشيات خارج اطار الدولة تعمل لصالح دولة ثانية، وهذه الأسباب كانت السبب في اندلاع اعظم ثورة في تاريخ العراق، ثورة جيل يعتبر الاكثر وعيآ وجرأة في تاريخ العراق“.

ويستطرد “شباب وشابات زينوا شوارع بغداد والناصرية والبصرة والنجف وكربلاء وبقية المحافظات باعلام العراق، وجعلوا من الجدران لوحات برسومات تدعو الى الحرية والوطنية وبدأوا بتنظيف الشوارع، وخلال فترة قصيرة تمكنوا بابسط الامكانيات ان يغيروا من ملامح ساحات الاعتصام، هذه جميعها كانت دلائل على الرغبة الشديدة لديهم في تغيير واقع الحياة في العراق والحصول على القليل من الحرية بعيدا عن التدخلات السياسية والدينية المتجذرة في الحياة المجتمعية العراقية“.

ويشير الى أن “ثورة تشرين كانت بمثابة رسالة وفكرة وطنية لعدد كبير جدا من الشعب العراقي، فبعضهم كان يظن ان الاهداف المذهبية او القومية هي الاهم والعراق يجب ان يكون تحت سيطرة طائفة دينية معينة، وهذا كان الخطأ الذي وقع فيه الغالبية بعد 2003، والذي بلغ ذروته بين عامي 2006 لغاية 2008، ولكن ثورة تشرين كسرت جميع هذه الحواجز وأوصلت فكرة ان الشيعي والسني والايزيدي والمسيحي والكردي، عبارة عن مزيج، يكل كل منهم الاخر، وقوة العراق الوطنية تكمن في تجمع هذه الاديان والطوائف وفي اختلاف ثقافاتهم“.

وقد شهدت الانتفاضة مشاركة ابناء الديانات الاخرى، وحظيت بدعمهم المعنوي ايضا، ومنها طائفة الصابئة المندائيين، حيث اعلن رئيس الطائفة في العراق والعالم الشيخ ستار جبار الحلو، في تشرين الثاني نوفمبر 2019، عن الغاء الاحتفال بالعيد الصغير للطائفة، احتراما لدماء المتظاهرين والقتلى الذين سقطوا جراء اعمال العنف.

من جهته، يقول الناشط عماد الخدادي، وينتمي الى المكون المندائي الصابئي، ومشارك بالوقفات الاحتجاجية التي جرت في السويد لدعم الانتفاضة، إن “ثورة تشرين فتحت افاقا جديدة في العراق، ورسخت مفهوم المواطنة بعد ان كان المفهوم الطائفي هو السائد، ان هذه الثورة ولدت لدينا الامل بعراق كنا نحلم به“.

ويتابع الخدادي أن “شباب الثورة غيروا الصورة النمطية عن البلد، وهذا ما لمسناه هنا في اوروبا، خاصة في الوقفات الاحتجاجية المساندة لهم، إذ خرج الآلاف من العراقيين من منازلهم وهتفوا باسم العراق، وبعضهم عاد الى بغداد ليشارك مع الشباب الاخرين“.

ويضيف ان “القضاء على الفساد وتصحيح مسار الدولة ومؤسساتها، وإبعاد شبح الاحزاب عنها بات من المطالب الاساسية، ومتى ما تم ذلك، فان كافة المطالب الاخرى ستنفذ بصورة تلقائية، لأن سطوة الاحزاب والفساد هي ما تعيق أي حركة تغيير أو تصحيح في البلد، سواء بقانون الانتخابات أو فرض قوانين حقوق الانسان او توفير فرص العمل، فجميع هذه الامور مرتبطة بوجود هذه الثلة الفاسدة في سدة الحكم“.

وليس بعيدا عن الصابئة، فالمسيحيون أيضا ألغوا في كانون الاول ديسمبر الاحتفال باعياد الميلاد ورأس السنة، احتراما لضحايا التظاهرات، ومساندة للمتظاهرين الذين كانوا يتعرضون لابشع انواع العنف في تلك الفترة، فضلا عن جمع بعض الكناس لتبرعات لامداد المتظاهرين بالمستلزمات الاساسية والطبية.

وتقول الناشطة المسيحية ايفون ادوارد، إن “ثورة تشرين، هي الخطوة الأكبر منذ 17 عاما من قبل الشعب، نعم يمكن اعتبارها مسارا لتحقيق الوطنية وتماسك الشعب بالاصلاح وتغيير المفاهيم التي دخلت الى المجتمع وأخذت تفتك به، كذلك برأي الشخصي انها كانت الخطوة او الحجر الاساسي لبناء التعايش السلمي ونبذ الطائفية والتعافي منها“.

وتشير الى أن “مفهوم الوطن توسع مع ثورة تشرين، هي كانت شعلة للشعب لكي يبدأ بالتغيير حول مفاهيم مختلفة وكثيرة، منها الوطن وكيف ينظر اليه على انه ليس فقط رقعة جغرافية، بل يجب العمل من اجله وعدم قبول الظلم الذي يقع عليه“.

وترى أن “ثورة تشرين ساهمت في تعريف العراقيين الاخرين، نحن كمكونات اصيلة لهذا البلد، أصبح لنا صوت مثل بقية المكونات الأخرى“.

وكحال المكونات الاخرى، كان للشبك دور في الدعم المعنوي لهذه الانتفاضة، خاصة وهم ما زالوا يعانون من التهجير الذين تعرضوا له من قبل تنظيم داعش عام 2014، واغلب العوائل ما تزال تسكن في مخيمات النزوح مع فقدان أولادها.

الناشطة يسرى علي، التي تنتمي الى المكون الشبكي، تبين في حديث لـ”العالم الجديد”، انه “بمجرد نزول المواطنين الى الشارع، كان بحد ذاته مطلب موجه الى الحكومة في تصحيح المسار، والحكومة تعرف ذلك جيدا، لكنها تستخدم المماطلة ولا نعرف لماذا لا تلجأ الى الحلول الحقيقية التي تُمسك المشكلة من جذورها وتُقلعها، كي يلاحظ الناس وجود فرق باتجاه تصحيح المسارات الخاطئة، لذا نتساءل هل الحكومة العراقية متورطة في خراب العراق؟ أم أنها غير جديرة بالحكم وأسئلة عديدة تراودنا نتيجة سوء الوضع“.

وتضيف “لم تتحقق المواطنة عن طريق التظاهرات ما لم تؤمن الحكومة بذلك اولاً، فالمشكلة الحقيقية هي مشكلة حكم ومشكلة إدارة الدولة وليست مشكلة نقص في الخدمات او ما شابه، فالوضع أضخم من ذلك بكثير، فمنذ عام 2003 وحتى الوقت الحاضر جميع الحكومات التي جاءت الى السلطة لم تحل المشاكل بشكل فعلي، مما ولدت الكثير من التراكمات التي أثقلت كاهل الحكومات المتعاقبة في حلها، فضلا عن إهمال الحلول وزيادة تراكم المشاكل، حتى وصلت الى ذروتها فانفجرت ثورة تشرين لتوجه رساله الى السلطة الحاكمة بعدم الرضى“.

وتستدرك “لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل تعتبر التظاهرات فعلا وسيلة كافية لإنجاب وطن؟ أرى من الصعب جدا ذلك، فأي شيء وحده لا يكفي والتظاهرات وحدها غير كافية لمعالجة مشاكل أثقل من الجبال، فهي أضعف من أن تشكل وسيلة ضغط على حكومة، فقد يرتفع سقف المطالب فوق قدرتها على الاستجابة، فالحكومة غير جدية بحل الأزمات، وقد تكون متورطة في خراب العراق، وفشلت في تحقيق حكم صالح للعراق وتركت الإرهاب يوسع دائرته والسلاح المنفلت ينتشر خارج إرادتها“.

وتختم حديثها بـ”بوجود هذا الكم الهائل من الفوضى وحكومة بهذا الضعف، لا يمكن لها ان تحقق مطالب او تعيد بناء وطن قبل القضاء على كل النقاط التي ذكرت“.

إقرأ أيضا