الايزيديون يودعون أباهم الروحي.. “بابا الشيخ” من هو وكيف أبهر الجميع بتسامحه ومن سيخلفه؟

يعيش الايزيديون في العراق والعالم أسبوع حداد، بعد وداعهم الأب الروحي للديانة بابا الشيخ الذي…

يعيش الايزيديون في العراق والعالم أسبوع حداد، بعد وداعهم الأب الروحي للديانة بابا الشيخ الذي وافته المنية في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق يوم الخميس الماضي، عن عمر ناهز 87 عاما بعد صراع مع المرض، فمن هو بابا الشيخ، وما أهمية اللقب الذي يحمله ومن سيخلفه؟

بابا الشيخ هو لقب المرجع الديني الأعلى للديانة العراقية القديمة، ويمنح لرجل دين من طبقة الشيوخ الايزيديين، يكون قد كرس معظم حياته لخدمة الدين وحفظ الأقوال الدينية، ويكلف بالشؤون الدينية للإيزيديين، فيما تؤول الشؤون الدنيوية الى الأمير حصرا، ويكون من صلاحيته الإشراف على معبد لالش ذي الرمزية الكبيرة داخل الديانة.

وبابا الشيخ الراحل هو الشيخ خرتو حجي إسماعيل الذي ولد في قرية آيسيان بالقرب من قضاء الشيخان في محافظة نينوى شمال العراق عام 1933 وعمل كمعلم للدين الإيزيدي في المنطقة، وتزوج عام 1953 ولديه 6 آبناء و3 بنات، تسنم منصب “بابا الشيخ” كمرجع ديني أعلى للديانة الايزيدية عام 1995 وكرم عدة مرات كرجل وداعية سلام من قبل الأمم المتحدة والبرلمان العراقي.

وعن أهمية بابا الشيخ في تعزيز السلم الأهلي في العراق، يقول الباحث في شؤون التنوع الدكتور سعد سلوم في حديث لـ العالم الجديد “تسنى لي أن التقي بابا الشيخ عدة مرات قبل الإبادة الجماعية لتسجيل فلم وثائقي عن الديانة الإيزيدية، وحينما عرضت هذا الفلم في محافظات وسط وجنوب العراق لم يكن لدى المجتمع العراقي فكرة واضحة عن هذه الشخصية الدينية العظيمة أو مقدار ما تنطوي عليه من روحانية نقية، لكن كل ذلك تغير بعد الإبادة الجماعية 2014، التي وضعت المجتمع الإيزيدي تحت الاضواء”.

ويروي سلوم أحد لقائاته بالراحل بابا الشيخ “زرته في إطار مشروع لإعادة بناء الثقة بين الإيزيديين والمسلمين بعد الإبادة الجماعية، فبهرني بقدرته على الصفح والغفران، تلك كانت رسالة يجب ان يعرف بها العالم الاسلامي بآسره عن قدرة الإيزيديين على الغفران وخطوتهم التي كانت تنتظر رسالة ايجابية من المجتمع المسلم بالمثل، أو على الاقل الاعتراف والاعتذار عن ما حل بالإيزيديين من إبادة، لكن كان من الواضح أنه كرجل سلام لا يستطيع أن يكون وصيا على مشاعر عشرات الالاف من الإيزيديين الذين تعرضت أسرهم للقتل الجماعي والاغتصاب والسبي. ولا يستطيع تغيير الواقع الثقافي الاعتراف والاعتذار ليست متجذرة في المجتمع العراقي والشرق أوسطي بشكل عام”.

ويعتقد بأن “الرسالة الأخرى التي وجهها بابا شيخ في فتواه بقبول الناجيات الإيزيديات بعد تحررهن من أسر تنظيم داعش، تعد خطوة عظيمة لتغيير التقاليد السائدة في الشرق الاوسط، وتبين استعداد المجتمع الإيزيدي لتعزيز مركز المرأة في التقاليد الدينية وامكانية اصلاح المؤسسات التقليدية، فالمجتمع الإيزيدي بعد الابادة الجماعية ليس هو المجتمع المغلق قبلها. وما كان هذا ليتحقق لولا وجود هذه الشخصية  الروحانية العظيمة ودورها”.

من جهته، يقول الناشط المدني ميرزا دنايي، إن “بابا الشيخ وعلى مدى ربع قرن من تسنمه منصبه الديني، باعتباره أعلى سلطة دينية وثاني شخصية في المجلس الروحاني الأعلى بعد الأمير، لعب دورا حيويا في المجتمع الايزيدي، فقد كان شخصا خيرا يدعو الى السلام والتصالح الاجتماعي، وكان متواضعا الى درجة أننا كنا نراه في بعض الحالات الاجتماعية يرجو المتخاصمين تى من غير الايزيديين، ولمرات عدة ودون كلل أو ملل أن يصالح بعضهم البعض”.

ويردف دنايي الذي ينحدر من المكون الإيزيدي، أن “الاب الروحي للديانة الايزيدية كان يعتز بالشباب ويشجعنا جميعا سواء في المهجر او الوطن”، ناقلا عنه قوله “أنا رجل دين لا أتعاطى السياسة، ولكن اذا كانت لديكم مطالب أفعلها لخدمة المجتمع، فلا تترددوا”.

ويشير الى أن “وسائل التواصل كانت مفقودة بيننا كإيزيديين في المهجر وداخل العراق، خاصة في ظل النظام السابق، لكن بابا الشيخ كان يزور أوروبا أحيانا، فيقول لنا نظرا لصعوبة التواصل مع العراق لا يستطيع ان يتابع معنا كل ما يجري حول العالم. فمنحنا ثقته بالتحدث باسمه في مختلف المحافل إذا كان الموضوع متعلقا بالشأن الايزيدي العام، شرط أن لا ندخله في السياسة، ولا صراعات الاحزاب، ولا تكون هذه التصريحات معادية لأي شعب أو دين”.

ويوضح دنايي أن “المرجع الديني الاعلى للايزيديين، وعلى الرغم من كبر سنه كان متجاوبا مع النخبة الايزيدية في ايصال أصواتهم الى كل العالم بعد الإبادة الإيزيدية، ولم يتردد في حضور أي نشاط رتبنا له سواء كان في الخارج او الداخل”، لافتا الى أن “أعظم موقف له كان حين أصدر فتواه الشهيرة باستقبال الناجيات والناجين، وقبولهم واعادة دمجهم داخل المجتمع، ونحن حين قمنا بتنفيذ البرنامج الالماني لنقل ١١٠٠ من الضحايا، كان في كل وجبة نأخذ النساء والاطفال الى المعبد، وهو يقوم شخصيا باستقبالهم وتعميدهم في معبد لالش الشهير، لكي يودعهم، ويطمئنهم ويطمئن عليهم”.

وبشأن الفراغ الذي يتركه بابا الشيخ، ترجح مصادر إيزيدية خاصة في أحاديث مختلفة لـ”العالم الجديد” ان “المرشح لخلافته هو نجله (فرهاد) الذي كان مرافقا لوالده خلال رحلاته وأثناء حضوره المناسبات الدينية، حيث تعلم على يد والده التقاليد والأقوال الدينية”.

وتضيف المصادر أنه “تم تحضير فرهاد لهذا الغرض خلال فترة معاناة والده الطويلة من أمراض الكلى القلب”.

وكانت الناشطة العراقية الإيزيدية نادية مراد سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة والحائزة على جائزة نوبل للسلام، قالت في تغريدة لها أن “الايزيديين فقدوا منارة النور التي تنير طريقهم، بعد أن قدم كل الدعم الممكن للناجين والناجيات من الإبادة الأخيرة بحقهم في سنجار غرب محافظة نينوى شمال العراق”.

وترى مراد أن مواقف “بابا الشيخ” تجاه الايزيديين والاخرين ستبقى خالدة في التاريخ، فقد كان داعيا للسلام ورمزاً للتعايش السلمي في المنطقة، وكان رجلاً ذا حكمة وصاحب مواقف تاريخية نبيلة لا تنسى، لقد استقبل الناجيات والناجين الإيزيديين وعاملهم بالحب والاحترام.

إقرأ أيضا