قانون العجز المالي.. خفايا وتداعيات

لم يكن بالأمر الهين، فقد استمرت جولات المفاوضات بشأن التصويت على قانون تمويل العجز المالي،…

ساعات وتتدفق الأموال في حسابات الموظفين المنتظرين لاستلام رواتبهم، لكن الأمر لم يكن بالهين، فقد استمرت جولات المفاوضات بشأن التصويت على قانون تمويل العجز المالي، حتى فجر أمس الخميس، وانتهت بتمريره، دون موافقة الكتل السياسية الكردية، التي شهدت انقاسما فيما بعد حول الفقرة الخاصة بحصة الإقليم.

هذا القانون، كان حديث القوى السياسية حلال الشهر الماضي، بعد ان رهنت وزارة المالية توزيع الرواتب بإقراره من قبل مجلس النواب، لكنه وصل الى المجلس من قبل الحكومة، بقيمة اقتراض 41 ترليون دينار، ما دعا اللجنة المالية النيابية الى إجراء تعديلات عدة لغرض تخفيضه.

إقرار القانون، لم يتأخر بسبب تعديلات اللجنة المالية فقط، بل بسبب معارضة الكتل الكردية لفقراته، وهذا الاعتراض استمر حتى ليلة التصويت وبسببه جرت اجتماعات مكثفة داخل أروقة المجلس، لغرض التوصل لنتيجة توافقية، لكن نهايتها كانت انسحاب هذه الكتل ورفضها التصويت على القانون.

ما علاقة الكاظمي بالـ41 ترليون؟

القانون الذي أرسل من الحكومة الاتحادية للبرلمان لغرض التصويت عليه، لسد العجز المالي ولكي تتمكن وزارة المالية من إطلاق الرواتب ومبالغ المشاريع، كان بشكل مختلف عن الذي أقر، فقد وصل بقيمة اقتراض 41 ترليون دينار، وبحسب مصدر برلماني كشف في حديث لـ”العالم الجديد” فان “قيمة الاقتراض التي أرسلت من الحكومة كانت لاهداف اخرى بعيدة عن سد العجز المالي في الدولة، ووفق المخطط فانها ستذهب لاستحداث درجات وظيفية جديدة، وقد تستغل للدعاية الانتخابية الخاصة برئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الذي يخطط لانشاء حزب والدخول في الانتخابات المقبلة”.

وأضاف المصدر، أن “اللجنة المالية النيابية، رفضت قيمة الاقتراض البالغة 41 ترليون دينار، وخفضتها الى 30 ترليون في بداية الأمر، وقد أكد أحد اعضائها ان حاجة البلد الفعلية هي 8 ترليونات فقط”، مستطردا ان “تخفيضا اخر جرى على القانون، إذ بلغ 23 ترليون، وبعد ان تم احتساب قيمة بنود الايرادات والنفقات، تم التوصل الى الرقم النهائي وهو 12 ترليون دينار”.

وفور إعلان التصويت على القانون، وجه الكاظمي، دوائر المالية والمحاسبين في جميع الوزرات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات كافة، بالدوام الرسمي يومي الجمعة والسبت، من أجل العمل على صرف رواتب الموظفين، لشهري تشرين الأول وتشرين الثاني 2020.

وتضمن القانون فقرة تقضي بالغاء الاستثناء والاعفاءات الممنوحة في جانب الضرائب والكمارك وتدقيق الرواتب ومنع مزدوجي الرواتب والهدر في الرواتب، ومعالجة الاستحقاقات المالية للمحاضرين المجانيين والعاملين في قطاع التربية والاطباء والكوادر الصحية والعقود والاجراء اليوميين وحشد الدفاع.

الغضب الكردي

القانون تضمن تأجيل الفقرة الخاصة بمنح حصة إقليم كردستان، وهذا كان شرارة الصراع واللغط، وهو ما دفع الكتل الكردية الى الانسحاب من الجلسة.

ويقول الكاتب والصحفي سامان نوح في حديث لـ”العالم الجديد” إن “حكومة اقليم كردستان تعتمد منذ سنوات، وخاصة في السنة الاخيرة، بشكل رئيسي على الأموال التي تصلها من بغداد”.

ويضيف أن “حكومة الاقليم لن تستطيع دفع الرواتب في حال عدم حصولها على أموال من بغداد، وهذا التمويل انخفض خلال العام الماضي الى 320 مليار دينار، ووفق قانون الاقتراض الجديد لا تستطيع الحكومة الاتحادية عمليا دفع اموال الاقليم، المحددة بـ320 مليار دينار”.

ويتابع أن “عجز بغداد عن دفع اموال الاقليم، سيؤدي الى عدم قدرة الاقليم على دفع رواتب موظفيه”، موضحا ان “نسبة ما تدفعه بغداد للاقليم يشكل 50 بالمائة من قيمة رواتب موظفي الإقليم”.

ويلفت الى ان “الاقليم الان سيواجه وضعا عصيبا، فعمليا تم الغاء الاتفاق بين الكرد والكاظمي، وهذا ما سبب أزمة وسيحرج الكاظمي امام شركائه الكرد، لذلك انسحبت الاحزاب الكردية من الجلسة ورفضت التصويت على القانون، في محاولة لاحداث خلل في النصاب القانوني”.

ويردف “في نهاية المطاف، تم تمرير القانون، مع الفقرة الخاصة بالكرد التي جاءت بشروط، وهي على حكومة الاقليم تسليم واردات النفط وجزء من الايرادات الكمركمية الى بغداد، مقابل حصولها على حصتها من قانون تمويل العجز المالي”.

ويشير الى ان “الكرد حاولوا ترحيل هاتين الفقرتين الى موازنة 2021، لكن الأمر فرض عليهم، لعدم قدرة بغداد على 320 مليار دينار لهم، لتغطية نفقات الاشهر الثلاثة المقبلة”.

ردود الفعل الكردية

أبرز ردود الفعل، جاءت من قبل زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، الذي دخل على خط الأزمة، قائلا “بأسف بالغ تطعن الجهات السياسية من المكونين الشيعي والسني في مجلس النواب العراقي مرة أخرى ظهر شعب كردستان، حيث لجأوا الى استخدام موازنة وقوت شعب كردستان كورقة للضغط على اقليم كردستان”.

واضاف ان “هذا الامر يحدث بينما أبرمت العديد من الاتفاقيات في الفترات الماضية بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية ولم يتم تنفيذها”، مشيرا الى ان “القانون الذي شرعه مجلس النواب دون اخذ الشراكة والاتفاقيات المبرمة بنظر الاعتبار نعتبره ورقة سياسية وضغطا على الاقليم ومعاقبة لشعب كردستان، وتجاوزا على مبادئ الشراكة والتوافق والتوازن بين مكونات العراق، كما نعتبره تضييقا للخناق على شعب كردستان ومحاربته”.

وتابع انه “من الجلي بأنهم قد اتخذوا قرارهم المسبق بمحاربة الاقليم وشعب كردستان، وبهذا المنطق يتعاملون مع الدستور والاتفاقيات وحقوق ومطالب شعب كردستان”، مثمنا موقف “ممثلي كردستان في بغداد الذين دافعوا وبموقف موحد عن حقوق شعب كردستان ووقفوا ضد السياسية المحاربة لشعب كردستان والتي ظهرت داخل مجلس النواب العراقي”.

ودعا بارزاني “رئاسات الإقليم والبرلمان والحكومة إلى “عقد اجتماع مع ممثلي كردستان في بغداد والأحزاب السياسية للاقليم للوصول إلى قرار مشترك بهذا الشأن”، مشددا على ضرورة “اتخاذ قرار يكون على مستوى المسؤولية لمعالجة المشاكل ويحفظ فيه كرامة شعبنا ويضع حدا للسياسات والتصرفات التي تهدف إلى معاقبة شعب كردستان”.

وفي وجهة نظر مختلفة عن بارزاني، علق الرئيس المشترك للاتحاد الوطني الكردستاني لاهور شيخ جنكي على تمرير القانون، قائلا في تغريدة بصفحته الرسمية على موقع تويتر إن “دغدغة المشاعر القومية لن تعالج الازمة المالية”.

واشار الى انه “يجب الا نسمح بان تضع الاخطاء السابقة المتراكمة مستقبل شعبنا امام المخاطر”، مبينا أن “الاوضاع المعيشية لأية عائلة في اقليم كردسان مقدسة ويجب علينا حمايتها”.

ونوه الى انه “لايجوز ان تضعنا الانفعالات على طريق اخطاء اخرى، قيادة كردستان تحتاج الى هدوء ومراجعة جذرية لانقاذ ما يمكن انقاذه في الاقليم، ويجب ان يكون الحل عندنا وليس الازمات”.

وفي ذات الوقت، كان موقف النائب الاتحاد الوطني الكردستاني، آلا طالباني معارضا لموقف القوى الكردية الأخرى، حيث قالت في منشور على صفحتها بموقع الفيسبوك إن “ما حصل فجر اليوم في مجلس النواب ليس بمؤامرة طائفية أو عرقية على الكرد، بل هو نتيجة السياسة غير الشفافة لإدارة موارد الإقليم تجاه الشركاء”، متابعة “لا حل دون الجلوس مع الشركاء للوصول لحل جذري لجميع الملفات العالقة”.

ولم تستقر العلاقة بين الحكومات الاتحادية وحكومة الاقليم، وظلت بين مد وجزر، رغم تولي حلفاء للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يهيمن على أربيل، حكومات بغداد، أمثال عادل عبدالمهدي، ومصطفى الكاظمي.

إقرأ أيضا