“مقتل مرتضى”.. من يتحمل وزر السلاح المنفلت في جنوب العراق؟

لم يقض في الحياة سوى 17 عاما، وغادرها برصاصة استقرت في جسده، وتركت جثته ملقاة…

لم يقض في الحياة سوى 17 عاما، وغادرها برصاصة استقرت في جسده، وتركت جثته ملقاة في طريق عام ليلة كاملة دون أن يعلم أهله بمقتله، هذا الشاب الذي قضى ليلة الجمعة الماضية في ميسان، أعاد فتح ملف السلاح المنفلت وتجددت الدعوات لحصره بيد الدولة والحد من النزاعات العشائرية.

مرتضى، شاب لم يصل لسن الرشد بعد، أردته رصاصة مجهولة، خلال وجوده في منطقة تشهد نزاعا عشائريا حادا بمحافظة ميسان، لكن هناك حديث وروايات تشير الى انه قتل نتيجة ثأر عشائري، وليس بسقوط رصاصة طائشة نتيجة النزاع، إذ يقول الحاج فلاح، الذي يسكن قرب منزل مرتضى أن “أهل الشاب عثروا على جثته ظهيرة يوم السبت، حيث كان مقتولا برصاصة استقرت في جسده”.

ويضيف في حديثه لـ”العالم الجديد” أن “مرتضى يبلغ من العمر 17 عاماً، وقتل بنزاع عشائري بين افراد من قبيلة السواعد مساء الجمعة الماضية، حيث تلقى رصاصة نتيجة حدة الاشتباك بالنزاع، في حي المعلمين وسط المحافظة”.

ويبين أن “الجثة تم نقلها الى الطب العدلي، وسيتم نقلها الى بغداد، لان ذويه يعتقدون ان مكان الرصاصة في جسد ولدهم، تشير الى انها صدرت من موقع قريب وليس بعيدا، أي ربما يكون الحادث جنائيا ومتعمدا”.

وكانت قيادة العمليات المشتركة، اعلنت في 7 أيلول سبتمبر الماضي، عن انطلاق عملية أمنية لتطويق وتفتيش قضاء المجر الكبير بمحافظة ميسان 400 كلم جنوب شرق بغداد.

وبحسب القيادة فان قوات في فرقة الرد السريع ولواء مغاوير قيادة عمليات سومر وأفواج طواريء شرطة ميسان، اشتركت في العملية.

الى ذلك، يشير معاون محافظ ميسان للشؤون الامنية، قاسم عيسى، إلى ان “طبيعة المجتمع الجنوبي لن تتغير بين ليلة وضحاها، وتتجه نحو الحد من النزاعات العشائرية الحاصلة”.

ويؤكد في حديثه لـ”العالم الجديد” ان “هناك تطورا في نوعية السلاح المستخدم في هذه النزاعات”، متابعا أن “التحقيقات الأولية التي نملكها تؤكد ان مرتضى قتل بحادث جنائي نتيجة ثأر عشائري سابق، ولا علاقة للنزاع الحاصل بموقع مقتله بالأمر”.

ويدعو عيسى إلى “عدم التعجيل باعطاء القرار لحين اكمال كافة نتائج التحقيق حول الحادثة”، مبينا ان “المحافظة بحاجة الى ضبط السلاح والسيطرة من خلال قوة اكثر ومركزية قرار وتكاتف العشائر لنبذ هذه المشكلة”.

ويلفت الى ان “القوات الامنية تبذل جهودا كبيرة للقضاء على هذه النزاعات، لكن تدخلها دائما ما يحصل بعد انتهاء مثل هذه الحوادث، لان بعضها ينشب خلال دقائق”.

وفي 10 أيلول سبتمبر الماضي، زار وزير الداخلية عثمان الغانمي محافظة ميسان، للاشراف على العمليات الأمنية فيها، وعقد لقاءات مع القيادات الأمنية والحكومة المحلية، وخلال وجود الغانمي، شهدت المحافظة انفلاتا امنيا، تمثل بنزاع عشائري في قضاء الكحلاء أدى الى مقتل شخص وإصابة آخر، فضلا عن مقتل ضابط برتبة نقيب خلال اشتباك مسلح مع عصابة تهريب مخدرات.

وبهذا الشأن، يتساءل الناشط المدني في المحافظة علي كاظم، عن “جدية المؤتمرات التي تعقد حاليا والعمليات الامنية الجارية ضد الخارجين عن القانون من رجالات العشائر في المحافظة”.

وينوه في حديثه لـ”العالم الجديد” الى أن “عمليات القتل تحدث يوميا في المحافظة، ولا يكاد نتجاوز يوما إلا ونسمع عن حالة قتل لاحد الشباب والسبب هو الثأر العشائري، رغم ان هناك عمليات عسكرية ومؤتمرات امنية مقامة”، متابعا ان “مرتضى قتل نتيجة مواجهة عشائرية بين طرفي النزاع والقوات الامنية، التي تدخلت لفض النزاع”.

ويطالب كاظم بـ”تغيير القيادات الامنية في المحافظة، وسحب السلاح بالقوة من هؤلاء الاشخاص”.

وكان رئيس مجلس قضاء الكحلاء ميثم الغنام، قال في 10 أيلول سبتمبر لـ”العالم الجديد” إن، الحكومة المركزية قادرة على القضاء على النزاعات العشائرية وسحب السلاح من العشائر والمواطنين والمتمردين، إلا انه لا توجد رغبة جدية من الدولة باستخدام صلاحياتها في فرض هيبتها على الجميع.

وتشهد أغلب مناطق الجنوب في العراق، نزاعات عشائرية مستمرة، في وقت تكاد تنعدم في مناطق العراق الأخرى، ولتسليط الضوء على تركز النزاعات وعمليات الثأر في جنوبي العراق، يلخص الباحث الاجتماعي عبد الواحد مشعل الاسباب بـ3 نقاط.

ويقول مشعل في حديث لـ”العالم الجديد” إن “المنطقة الجنوبية، هي منطقة زراعية وسهل رسوبي، وتمتاز بالزراعة، لذلك فان غالبية النزاعات تنتج بشأن الحدود للمناطق الزراعية”.

ويتابع ان “النقطة الثانية، هي أن كل عشيرة تشعر انها اقوى من الاخرى، خاصة وان اغلب العشائر باتت تمتلك السلاح الثقيل، وغادرت منطقة السلاح المتوسط والخفيف، للك تحدث النزاعات لفرض كل عشيرة هيبتها على الجميع”.

وينوه الى ان “النقطة الثالثة، هي الموروث والتقاليد، فهذه النزاعات هي امتداد لتاريخ طويل، ومحاولة لفرض كل شخص او عشيرة لرأيها على الاخر، وعند محاولة الاعتراض يتطور الامر سريعا الى حمل السلاح”.

في ذي قار، التي تعد واحدة من المحافظات التي تنشط فيها النزاعات وانتشار السلاح بشكل كبير، يكشف مصدر امني فيها أن “قيادة شرطة ذي قار، شكلت لجنة عليا من كافة الصنوف الامنية المتواجدة في المحافظة، بما فيها الاستخبارات والمخابرات لحصر السلاح بيد الدولة”.

ويبين أن “اللجنة سيكون عملها خلال الفترة المقبلة على مرحلتين، الأولى ستكون بعقد الندوات وتنظيم الزيارات لكافة شيوخ العشائر في المحافظة للتوعية بضرورة حصر السلاح بيد الدولة وعدم امتلاك اسحلة ثقيلة”، موضحا أن “الدولة لا يمكن أن تقوم بعملية مباشرة ضد الاشخاص الذين يملكون هذا السلاح، وذلك بسبب نفوذهم في الدولة، ويرتبطون بجهات سياسية”.

وإلى البصرة، التي تؤثر نزاعاتها العشائرية على اغلب المحافظات، لكونها تتركز عند مداخل المحافظة الشمالية، يقول رئيس مجلس عشائر المحافظة الشيخ رائد الفريجي، إن “العمليات العسكرية التي انطلقت مؤخرا في البصرة لم تستطع إنهاء النزاعات العشائرية فيها”.

وينوه في حديث لـ”العالم الجديد” إلى أن “العمليات استطاعت الحد منها فقط”، مؤكدا أن “هناك عشائر متمسكة بالحصول على ثأرها بحجة الدماء التي سالت مع خصومها، ولا يمكن السماح او التنازل عن هذه الدماء”.

ويردف ان “هناك نزاعات عشائرية تدخل فيها رئيس الوزراء ولم يستطع وضع حل لها”، مبينا أن “هذا الأمر كله بسبب ضعف السلطة المركزية والمحلية في الدولة”.

ويؤكد أن “العمليات التي جرت سابقا والتي تجري حاليا، هي جميعها عمليات تفتيش ومداهمة وليست ضبط حدود ومواجهة للخارجين  عن القانون”.

يشار الى ان مجلس القضاء الأعلى أصدر في تشرين الثاني نوفمبر 2018 قرارا يقضي بتوجيه تهمة الإرهاب ضد الأشخاص المتورطين ما يعرف بـ”الدكة العشائرية” وهي اطلاق الرصاص الحي على طرف النزاع الاخر، إلا أن النزاعات العشائرية شهدت، رغم صدور القرار ارتفاعا لافتاً، خصوصاً في الأطراف الشرقية للعاصمة بغداد وفي محافظات ميسان وذي قار والبصرة جنوب العراق.

إقرأ أيضا