انشقاق جديد في “الدعوة”.. لماذا فصل المالكي أشرس منتقديه داخل الحزب؟ (وثائق)

بعد أن أصدرت هيئة الانضباط داخل حزب الدعوة الاسلامية التي يرأسها الشيخ عامر الكفيشي، أحد…

بعد أن أصدرت هيئة الانضباط داخل حزب الدعوة الاسلامية التي يرأسها الشيخ عامر الكفيشي، أحد حلفاء الأمين العام للحزب ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، يوم السبت الماضي (12 كانون الاول 2020) قرارا بانهاء علاقة الشيخ مهند الساعدي من عضوية الحزب، أوضح مصدر من داخله، أسبابا مثيرة وراء القرار، أبرزها مطالبة الساعدي بالتحقيق في مصدر كسب المالكي مبلغا يقدر بـ50 مليون دولار، جراء إدارته لملف تصفية الممتلكات المنقولة التابعة للمعسكرات الامريكية بعد انسحاب القوات الأجنبية.

وجاء في نص قرار الفصل الذي حصلت “العالم الجديد” على نسخة منه، أن “الداعية مهند الساعدي لم يظهر التزاماً بسياقات العمل الدعوي وسلوك الداعية في ان يكون نقده بناءً ومثمراً لصالح الدعوة وقوتها”، مشيرا الى أن الساعدي تلقى قراراً سابقا من الهيئة الخاضعة لنفوذ المالكي بـ”عدم تكرار المخالفات مع أي داعية من الدعاة”، دون الاشارة الى الساعدي الذي عرف بشدة مواجهاته المالكي في اجتماعات ولقاءات ومواقع حزبية خاصة، بحسب مصدر من داخل الحزب.

وقال المصدر الذي رفض الكشف عن هويته في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قرار فصل الشيخ مهند الساعدي جاء بعد خروج حلفاء الأخير من الحزب مؤخرا، وهم حيدر العبادي (رئيس الوزراء الاسبق) وطارق نجم، والشيخ عبد الحليم الزهيري، بعد رفضهم لهيمنة المالكي على الحزب”.

وأضاف أن “المشكلة بدأت في صيف عام 2018 عندما خالف المالكي قرار قيادة الحزب وسجله بمفرده في ائتلاف دولة القانون الأمر الذي اثار خلافا عميقا كاد أن يشق الحزب الى حزبين، أحدهما يقع ضمن ائتلاف النصر الذي يتراسه حيدر العبادي”، لافتا الى أن “الساعدي كان متمسكا بمؤسسات الحزب وعرف برفضه لزعامة المالكي الفردية، وقاده هذا الموقف الى مشاجرات مباشرة مع المالكي، حتى أنه واجهه ذات مرة بالقول إنك الخائن العام ولست الامين العام للدعوة، وأن ما تقوم به عمل يحسدك عليه اللصوص، الأمر الذي جعل الأخير يكسب قرارا بالفات نظر الساعدي على هذا التجاوز، ووضع فيتو ضد حضوره المؤتمر العام الذي عقد في تموز (يوليو) 2019، قائلا: اما انا او هو”.

وأوضح المصدر أن “هذا القرار ليس الأول بحق الساعدي، بل أصدر رئيس لجنة انضباط الحزب، الشيخ عامر الكفيشي، قرارا سابقا بتجميد عضويته خمس سنوات بحجة انتقاده لجنة التحضير للمؤتمر”، مبينا “لكن فترة السنة الأولى للتجميد لم تفلح في ثني الساعدي عن توجيه النقد داخل الحزب لنهج المالكي واخطاء حكومته وشبهات الفساد التي رافقته ومحاباة الاقارب والاصهار”.

وتابع أن “الساعدي لم يظهر في أية وسيلة اعلام، واقتصرت مواجهاته مع المالكي على الأجواء الداخلية ومجموعات التواصل المغلقة الخاصة بحزب الدعوة”، موضحا أن “انتقاداته للمالكي تركزت في نقاط عدة أبرزها: الجمود وعدم التجديد الذي اعتبره تخلفاً عن الواقع السياسي، والاتجاه للزعامة الفردية والتخلي عن القيادة الجماعية التي عرف بها الحزب، فضلا عن انتقاده لسياسات المالكي التي ادخلت الحزب في خلافات هددت العلاقة مع التيار الصدري، انطلاقا من مساهمة الساعدي الشخصية في صياغة علاقات تاريخية مع التيار، منذ أن كان مبعوث الحزب الى الشهيد المرجع محمد الصدر (والد مقتدى الصدر) في العام ١٩٩٨، بالاضافة الى تحميله مسؤولية انشقاق الدعوة الى قائمتين حزبيتين هما النصر والقانون، ما ادى الى تراجع نتائج الحزب في انتخابات 2018، بسبب طموحات شخصية”.

ويظهر الخلاف عميقا بين تيارين داخل الحزب، بحسب المصدر، من خلال تأكيد الساعدي على تبني النظرية السياسية للمرجع السيستاني في الحكم ومحورية النجف ومرجعيتها العليا، ما يتعارض مع علاقة المالكي المتوترة مع النجف، ورفضه طلب المرجعية بتنحيته من ولاية ثالثة عام 2014.

ولفت الى أن “الساعدي طالب الحزب بالتحقيق في مبلغ ٥٠ مليون دولار يملكها نوري المالكي، ويديرها ابنه وصهره باعتبارها أموالاً مجهولة المصدر، مناشدا أكثر من مرة باجراء تحقيق في شبهات فساد أهمها ملف الممتلكات المنقولة التابعة للمعسكرات الامريكية بعد معاهدة انسحاب القوات، والذي سلمه المالكي الى لجنة برئاسة ولده أحمد لتصفية ممتلكات تعد بملايين الدولارات، بعيدا عن الاجهزة الرقابية للدولة، فضلا عن مطالبته بالتحقيق مع المالكي حزبياً في قضية سقوط الموصل وحادثة احتلال تلعفر وسبايكر وهروب السجناء من سجن ابو غريب”.

والساعدي رجل دين وخطيب وامام جمعة، لم يتول مناصب في الدولة، ويعتبر من مثقفي حزب الدعوة الساعين الى تطوير ونقد خطابه، ويحظى بشعبية واسعة داخل التنظيم، فضلا عن كونه من القادة الميدانيين في ما يسمى بالجناح الجهادي للحزب في منطقة الاهوار جنوبا ابان العمل المعارض للنظام السابق، كما نوه المصدر.

وكانت “العالم الجديد” قد نشرت في 29 كانون الاول 2019 تفاصيل الأزمة الداخلية للحزب، من خلال مقاطعة قياديين في الحزب لمجلس الشورى الذي تجاوزه المالكي بقرارات جاهزة، وكشفت عن أبرز المقاطعين وهم رئيس الوزراء السابق (حيدر العبادي)، ومدير مكتب رئيس الوزراء الأسبق (طارق نجم)، وعرّاب المفاوضات السياسية (الشيخ عبدالحليم الزهيري)، ومستشار رئيس الوزراء السابق (صادق الركابي)، ووزير التعليم العالي السابق (علي الاديب)، والنائب السابق (وليد الحلي)، والشيخ عبدالزهرة البندر، وعقيل الطريحي، وأما المستقيلون بشكل رسمي فهم كل من (محمود الميالي)، و(فاضل الشرع)، و(علي العطار).

وكانت “العالم الجديد” أول وسيلة إعلام تكشف عن كواليس ومخرجات المؤتمر العام لحزب الدعوة الذي عقد في كربلاء بتاريخ 12 تموز يوليو 2019، بعد سنوات طويلة على اخر مؤتمر جدد انتخاب المالكي أمينا عاما، وتطرقت فيه لتفاصيل الصراع الخفي بين المحورين الأشد خصومة في تاريخ الحزب: محور رئيس الوزراء الاسبق (نوري المالكي)، ومحور (القيادة) الذي ضم خلفه حيدر العبادي وغيره.

وعقد المؤتمر السابع عشر بحضور 400 عضو تقريباً، ثلثهم من الأعضاء الجدد، فيما تنافست داخله قائمتان للوصول الى مجلس شورى الحزب، الاولى مثلت محور الامين العام نوري المالكي، وضمت 31 مرشحاً، وخلت هذه القائمة من أسماء القيادة القديمة المنحلة في المؤتمر عدا المالكي، أما القائمة الثانية فهي محور القيادة وضمت 33 مرشحاً من ضمنهم أعضاء القيادة السابقة والمالكي نفسه.

يمكن قراءة التفاصيل بالنقر ( هنا )

انقر للمشاهدة بالحجم الكامل:

Image

Image

Image

 وكشفت “العالم الجديد” في 6 حزيران يونيو 2019 أيضا، عن معلومات حصرية، حول انضمام رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي لـ”محور القيادة” الذي ينتمي اليه جلّ قادة الحزب، باستثناء سلفه نوري المالكي الذي يقود محورا مختلفا يحظى بدعم طهران وحزب الله اللبناني، استعدادا للدخول في المؤتمر العام.

يذكر أن حزب الدعوة الاسلامية هو أعرق حزب سياسي شيعي تأسس في العام 1957، على أيدي النواة الأولى للحزب وأبرزهم المفكر الاسلامي محمد باقر الصدر الذي أعدمه نظام صدام في العام 1980 بدافع خلق حالة توازن فكري مع الشيوعية والعلمانية والقومية العربية وغيرها من الأفكار المادية التي كانت رائجة، ولكنه برز إلى سطح السياسة العراقية في سبعينيات القرن الماضي، حيث تعرض لقمع النظام السابق ما أدى الى مقتل وسجن وتشريد عدد كبير من قياداته.

ومع مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ولجوء عدد من قيادات الحزب الى ايران، قام بتشكيل علاقات متينة مع قيادات الثورة الإسلامية الإيرانية، ولكنها اصطدمت بعدم امتثاله لنظرية ولاية الفقيه التي قامت عليها ثورة روح الله الخميبي في ايران، ولكنه بعد 2003 قدم ثلاثة رؤساء حكومات متسيدا المشهد السياسي في عراق ما بعد صدام.

واتصلت “العالم الجديد” بالشيخ مهند الساعدي، الا انه رفض التعليق حول تلك المعلومات، دون أن ينفي ما ورد فيها، فيما تحتفظ بحق الرد والتعليق لجميع الأسماء التي وردت أعلاه.

إقرأ أيضا