نصف الأموال أنفقت بلا نتيجة.. “شبهات فساد” ترافق إعمار جامع النوري في الموصل

بعد هدم أغلب شواهد الموصل التراثية ومواقعها الأثرية من قبل تنظيم داعش، تعود “شبهات الفساد”…

بعد هدم أغلب شواهد الموصل التراثية ومواقعها الأثرية من قبل تنظيم داعش، تعود “شبهات الفساد” لتطوق حملة إحياء المدينة ومرافقها التراثية من قبل المنظمات والدول المانحة والمؤسسات العراقية، فبعد أن نال ملف إعادة إعمار تراث الموصل على اهتمام دولي، حصل بموجبه على منح دولية تحت رعاية منظمة اليونسكو، حيث تبرعت الامارات في 2018 بمبلغ 50.4 مليون دولار، إضافة إلى مبالغ أخرى من الاتحاد الأوروبي، لكن أمر ما تحقق منها وإنفاق تلك الأموال ودور المؤسسات الحكومية في الرقابة عليها، ظل غامضا طوال هذه الفترة.

وقال مصدر مطلع، يعمل خبيرا دوليا، رفض الكشف عن هويته، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “نصف المبلغ المخصص لمشروع الجامع النوري تم صرفه من دون أن يكون هناك منجز على الأرض يوازيه، ولم يجر تحديد جدول زمني لأعمال صيانة الجامع والمنارة والمصلى، رغم أن المشروع أطلق في بداية سنة 2019”.

وأوضح المصدر، أن “فريق اليونسكو– عراق، لا ينسق مع دائرة الآثار في الموصل، ويعتمد على الأوقاف السنية والمسيحية ومحافظة نينوى فقط، وأنه دائما ما يطرح أفكاراً غير واقعية وغير عملية في موضوع جامع النوري، بل ويصر عليها رغم اعتراض المعنيين من الجانب العراقي من آثاريين ومعماريين ومختصين بالتراث والعمارة”، لافتا الى أن “الوقف السني يدعم فكرة إنشاء جامع حديث بمواد بناء جديدة، لكي يضيفه الى ملكيته، بل ويود التعدي على مخطط البناء القديم من خلال توسعة المصلّى، الأمر الذي سيتسبب بهدم مبانٍ تراثية مجاورة للجامع، وأن فريق اليونسكو- عراق، يوافق على الأمر من دون العودة إلى هيئة الآثار في ذلك المسؤولية الرسمية قانونا”.

وبين، أن “الموضوع يتعلق بتراث العراق، ولا يمكن المغامرة به من قبل أشخاص أو مؤسسات قد يكون أولويتها النفع المادي أو ما شاكل”، مبينا أن “فريق اليونسكو- عراق كان ولا يزال مصرّا على إبقاء القبة الحالية للجامع مع أنها مهشمة ومتضررة، ولا يمكن التعامل معها، في حين يرفض مقترح المختصين بالعودة الى القبة الأصلية مخروطية الشكل والتي كانت قائمة منذ تأسيسه في القرن السابع الهجري حتى هدمها واستبدالها بالقبة الحالية في عام 1944”.

يُذكر أن المشروع، الذي دعمته دولة الإمارات يعنى بترميم وإعادة إعمار المعالم التاريخية البارزة للموصل، ولا سيما جامع النوري والمنارة الحدباء الشهيرة التي يبلغ ارتفاعها 55 متراً، والتي بنيت منذ أكثر من 840 عامًا.

وبحسب بيان الإعلان عن الاتفاق في نيسان 2018، فإنه سيجري التركيز في العام الأول على توثيق ومسح الموقع ورسم مخططات إعادة الإعمار، أما في السنوات الأربع التالية، فانه سيكون التركيز على ترميم وإعادة بناء المنارة الحدباء وجامع النوري والمبنى المجاور، مع الحفاظ على المعالم التاريخية، كما أن خطة إعادة الإعمار تشمل الحدائق التاريخية في المدينة ومساحات أخرى وبنى تحتية، بالإضافة إلى إنشاء نصب تذكاري ومتحف في الموقع.

كذلك الحال ذاته ينطبق على كنيستي الطاهرة والساعة، اذ حصل فريق اليونسكو بحسب المصدر على موافقة الوقف المسيحي فقط من دون أن يلتزم بالاتفاق، حيث لا يزال العمل متوقفا فيهما.

وكان تنظيم داعش قد سيطر على مدينة الموصل في التاسع من حزيران يونيو 2014، وقام بتفجير جامع النوري في حرب تحرير المدينة من سيطرته عام 2017 والتي قادتها القوات العراقية المسلحة بشتى صنوفها، مدعومة من قوات التحالف الدولي.

يُذكر أنه في السادس من كانون الأول 2020، استبعدت اليونسكو خلال اللقاء الذي عقدته في فناء جامع النوري، شخصيات مختصة بالآثار والتراث، بعد أن ألقوا بـ”الشكوك” على جدية الشعار الذي أطلقته اليونيسكو لمشروعها “إحياء روح الموصل”، ومنهم الدكتور أحمد قاسم الجمعة المختص بالآثار الاسلامية، الذي كان قد صرح بأن “مشروع جامع النوري لم يصل سوى إلى هيكلة القبة وبكلفة تجاوزت الـ20 مليون دولار، وبمستوى تنفيذ لا يليق بالطموح، وجرت إضافة شروط غير مدروسة، منها على سبيل المثال إنشاء مدرسة مختلطة في حرم الجامع وفرض شروط على العاملين من المهندسين قد لا تتوفر لدى أي عراقي، ثم أضيفت إلى المشروع مقترحات بإضافة إعمار كنيستي الطاهرة والدومنيكان (الساعة) بذات التخصيصات الأصلية”.

من جهته، يقول عامر عبدالله الجميلي، الأستاذ في كلية الآثار بجامعة الموصل، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “منظمة اليونسكو متلكئة، ولا يمكن القبول بمبرراتها، فالوقت يهدر والأموال أوشكت على النفاد، وليس هناك في الأفق ثمة إنجاز أو سقف زمني لإكمال المشروع، كما أنه ليس من المقبول بقاء أصحاب القرار في عمان وأربيل، والاكتفاء بإصدار الأوامر، ويفترض أن يكون تواجدهم موقعيًّا داخل الموصل”.

وأوضح الجميلي وهو ناشط في الحقل التراثي أيضا، أن “فريق اليونسكو- عراق، قد نكث بتعهده الذي اشترطه الممول (الإمارات العربية المتحدة)، بأن يكون الإعمار لفائدة المجتمع والشباب الموصلي العاطل عن العمل، وأن يكون بعضه مكرسا لتدريب خريجي كلية الآثار وقسم الهندسة المعمارية في جامعة الموصل على أعمال البناء ونقر الحجارة وتهذيبها وتشذيبها وأعمال الزخرفة البنائية وطريقة عمل الآجر وتوظيفه في بناء المئذنة الحدباء وغيرها، لكن شيئاً من هذا لم يحصل البتّة للأسف”.

في السياق، أرسل المعماري والخبير في الشأن التراثي العراقي د.احسان فتحي، برسالة مفتوحة تتعلق بالمسابقة الخاصة بجامع النوري، التي أعلنتها منظمة اليونسكو مؤخرًا، إلى كل من الأمين العام لمنظمة اليونسكو ووزيرة الثقافة والشباب في دولة الإمارات ووزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي، حيث ورد فيها “شعرت عند قراءة هذه المسابقة، عشرات المرات، أنها كتبت بنفس استعلائي وكأنه يستخف بقدرة العراقيين بكل شيء، فلماذا تصر المسابقة على اعتماد اللغة الانجليزية فقط، فيما تعد العربية هي اللغة الرسمية في العراق، ومعتمدة حتى في اليونسكو، ما يكشف عن الجهل الرهيب بالواقع العراقي، والبعد عن الموصل والعراق، بل وعن الحضارة الإسلامية”.

وشخص في رسالته التي نشرها على صفحته الشخصية في فيسبوك، وتابعتها “العالم الجديد”، عدة محاور لم تذكرها المسابقة، ومنها “إعادة بناء لجامع معاد بناؤه، استبعاد المنارة الحدباء من المسابقة، والمجاورات والبيئة المحيطة والتركيز على الجامع فقط، وغياب مواقف السيارات، مع التشخيص الخاطئ لقبر النوري (وهو نور الدين زنكي المتوفى عام 1174م والمدفون في المدرسة النورية في سوق الخياطين بدمشق القديمة، والأصل أن القبر الحالي يعود إلى محمد جرجيس القادري النوري الذي شارك في ترميم الجامع عام 1172م)، عدم شرعية تحويل القبر حتى لو كان لشخص آخر إلى مزار كما ذكرت المسابقة، تشييد مدرسة ثانوية مختلطة في حرم الجامع، اختيار أغلب أعضاء لجنة التحكيم من المعماريين الحداثويين، الذين ليست لهم أي معرفة بعمارة المساجد الإسلامية، في الوقت الذي ينبغي أن يكون الأغلبية من المعماريين العراقيين والعرب المعروفين باهتمامهم بالتراث المعماري الإسلامي”.

وفيما يخص المشروع الأوروبي، فإن فريق اليونسكو- عراق استحصل على مبلغ 22 مليون دولار لصيانة المباني التراثية في منطقة الموصل القديمة (الجانب الأيمن)، في مشروع ثانٍ، في وقت لم يقم بانجاز المشروع الأول، كما نوه المصدر.

وأردف، أن “فريق اليونسكو– عراق، يود استحصال موافقة الحكومة من أجل إدارة مشروع الاتحاد الأوروبي وإنفاق المبلغ في التدريب والتأهيل وبناء القدرات والإعلام، بدلاً من تأهيل وصيانة المباني التراثية”، مضيفا، أن “الفريق أخذ موافقة الوقف السني للحصول على مبلغ مالي لصيانة جامع الأغوات من دون الرجوع لهيئة الآثار، وهي محاولة أخرى للالتفاف على القوانين التي تعتبر أن المسجد يعود للهيئة وليس للوقف، إذ لم يقم فريق اليونسكو سوى بتسييج الجامع، بينما نفذت كوادر هيئة الآثار أعمال التوثيق وفرز قطع الأحجار القديمة مجانا”.

وأكد المصدر، أن “فريق اليونسكو-عراق قدم لمشروع آخر بمبلغ خمسة ملايين دولار لإعمار متحف الموصل، مع أن المتحف قد تبنّى صيانته متحف اللوفر الفرنسي، ومؤسسة السميثسونيان الأمريكية، وهو ما لم يجر لحد الآن”.

إقرأ أيضا