القنصلية العراقية في أسطنبول.. شكاوى بالجملة.. وخبير لـ”العالم الجديد”: مخالفة للقوانين ويمكن مقاضاتها 

كان يوم الخميس الماضي، الموعد المحدد لـ”دريد عزيز”، كي يذهب الى القنصلية العراقية في اسطنبول…

كان يوم الخميس الماضي، الموعد المحدد لـ”دريد عزيز”، كي يذهب الى القنصلية العراقية في اسطنبول بتركيا لاستلام جواز ابنه (9 أعوام)، الذي مضى على تقديم معاملته اكثر من 5 أشهر، لكنه فوجئ برفض الموظف تسليمه الجواز، قائلا له “انتم متظاهرون، البصمة ضاعت ويا (مع) التظاهرات”، رغم ان الجواز صادر من بغداد وكان الموظف يلوح له بيده.  

تحولت تركيا الى الوجهة المثالية للعراقيين الباحثين عن أمن أو بلد للجوء مع توفيره الخدمات بأسعار مناسبة، وفيها حسب آخر الاحصائيات لعام 2020 اكثر من 700 ألف مقيم عراقي، ليشكلوا اكبر جالية عربية بعد السورية التي تبلغ 3.6 ملايين شخص، لكن المعاملات الرسمية للمواطن العراقي باتت عقبة كبرى تهدد وجوده هناك، خاصة مع ارتباط تجديد الجواز بتجديد الإقامة في الدولة الجارة.

يروي عزيز خلال حديثه لمراسل “العالم الجديد” في تركيا، معاناته بتجديد جواز ابنه، كنموذج لما يتعرض له الاف العراقيين هناك، إذ يقول “قدمت معاملة لتجديد جواز ابني منذ 5 أشهر، كون إقامتنا مرتبطة بتجديد جوازه، وحين أكملت الاستمارة المطلوبة داخل القنصلية العراقية في اسطنبول، تم إبلاغي بمتابعة الصفحة الرسمية على موقع الفيسبوك، لأنها تنشر أسماء أصحاب الجوازات المكتملة تباعا“.

ويتابع في حديثه عبر الهاتف، الممزوج بالشتائم “قبل اسبوع، وبعد متابعتنا للصفحة طيلة الفترة الماضية، وقراءة كافة القوائم التي تنشر بحثا عن اسم ابني، وجدنا الاسم منشورا، وتم تحديد يوم الخميس الماضي، لاستلام الجواز”، وهنا يقول مستذكرا “عند ذهابي في المرة الاولى لتقديم المعاملة، أخذ الموظف في القنصلية بصمتي حتى استلم الجواز دون حضور الطفل، نظرا لارتفاع الاصابات بكورونا في تركيا، ووجود حظر على خروج الاطفال وسفرهم بين المدن“.

ويستطرد، فيما أخذ صوته يرتفع تدريجيا “وصلت القنصلية بعد رحلة في الطائرة استمرت نحو ساعة، كوني اسكن في محافظة تبعد 1000 كلم عن اسطنبول، وعند دخولي لاستلام الجواز، أخرجه الموظف من الصندوق وظل يلوح به، وقال لي: بصمتك ضاعت ويا التظاهرات، انتم مو تريدون تظاهرات.. ورفض تسليمه لي“.

الموظف استمر بالسخرية، وذهب واستنسخ الجواز وزودني بنسخة مصورة سيئة، وقال لي: خذ هذه النسخة للعائلة حتى يفرحوا بها”، هذا ما قاله دريد عزيز، مؤكدا حدوث مشادة بينه وبين الموظف، ومشاركة مواطن اخر بالمشادة بعد ان تعرض لذات الحالة “حدث لغط كبير داخل القنصلية، لكن الموظفين لم يهتموا، واكدوا: اشتكوا عند أي جهة تريدون، لن نسلم الجوازات، تعالوا بعد اسبوعين“.

وحول أسباب ما فعله الموظف مع المواطن، يؤكد عزيز، ان “اسم ابني يؤشر انحداري من مكون ديني معين، وهو ما دفع الموظف الى اعتباري متظاهرا، رغم اني اقيم في تركيا قبل أن تنطلق التظاهرات العراقية، وفي ذات الوقت فان المواطنين الذين يحملون أسماء مكون اخر، تم تسليمهم جوازاتهم دون أي إشكال”، في اشارة الى اظهار شيء من العنصرية في التعامل.

وتعمد القنصلية العراقية في اسطنبول، الى نشر قوائم بصورة مستمرة للجوازات المكتملة، او المعاملات الاخرى (شهادة حياة، وكالة عامة وخاصة) وغيرها من المعاملات، في صفحتها على الفيسبوك، وتضم القوائم الاسم الرباعي واللقب لمروج المعاملة مع رقم الجواز، وحول هذا الامر يقول الخبير القانوني علي التميمي في حديث لـ”العالم الجديد” إنه “لا يوجد في قانون الجوازات أي مادة تتيح نشر المعلومات الشخصية، والدستور يؤكد في أكثر من مادة على ان الاحوال الشخصية مصانة ولا يجوز المساس بها إلا بأمر قضائي“.

ويبين التميمي “عندما يكون النشر بهذه الطريقة، فهذا يعد تجاوزا على الدستور وقانون جوازات السفر”، مبينا أن “نشر القنصلية لمعلوماتنا الشخصية كمواطنين بشكل علني يعرضنا لمخاطر عدة، منها استخدام المعلومات والاسماء في التزوير او الجرائم الجنائية او الابتزاز“.

ويؤكد أن “من حق المواطنين العراقيين مقاضاة القنصلية أمام القضاء العراقي، ويتمثل هذا الأمر برفع دعوى قضائية ضد القنصل او السفير إضافة لوظيفته، لكن لا يمكن التحرك قضائيا داخل تركيا، كون السفارة ووفق اتفاقية فيينا، تتبع التراب الموجودة فيه، بمعنى أن أي جريمة او خرق يحدث فيها يكون من مسؤولية الدولة والقضاء المتواجدة فيه“.

ماذا جرى مع اكثر من 2500 مواطن؟

قصة دريد عزيز، تمثل نموذجا لقصص أخرى، تحولت الى كوابيس لدى بعض العائلات، كما هو الحال قصة محمد حامد، الذي صدم ايضا بتأخر صدور جوازه ابنه، إذ يتحدث لـ”العالم الجديد” بألم “انتهت فترة إقامتي في تركيا والجواز لم يصدر، رغم مرور أشهر على تقديمي المعاملة، الامر الذي اضطرني تقديم طلب تمديد مؤقت الى دائرة الإقامة“.

ويسرد قصته مع دائرة الهجرة التركية بسبب تأخر الجواز، قائلا “بعد مرور شهر، لم يصدر الجواز، وذهبت الى الدائرة لطلب التمديد وتكررت الحالة، واستنفدت كافة الحلول، ولم يصدر الجواز حتة الان رغم مرور ثلاثة اشهر، وما كان من دائرة الهجرة المسؤولة عن تجديد الإقامة إلا مطالبتي بمغادرة تركيا والدخول اليها مجددا، حتى أجدد الإقامة، فهل يعقل ان اغادر في ظروف تفشي الفيروس، لأعود مجددا بجواز منتهي الصلاحية، فضلا عن تكاليف السفر الباهظة، وكل هذا بسبب جواز طفل“.

الامر لم يتوقف هنا، فعادة ما تنشر صفحة القنصلية في موقع الفيسبوك، قوائم باسماء مواطنين، لتبلغهم بوجود نقص في معاملاتهم، ما يجعل من الضروري عودة المواطن الى القنصلية لاكمال المعاملة، حتى لوكانت المسافة بعيدة، في خطوة أثارت سخط الكثير من المواطنين الذين يتحملون عناء السفر الى اسطنبول ويسلمون معاملاتهم ليفاجأوا لاحقا بقرار إعادتها، وفي هذا الصدد يقول هيثم قاسم “كيف يستلم الموظف معاملتي إذا كانت غير مكتملة؟ ولماذا يستلمها وبعد ذلك ينشر اسمي ويطالبني بإعادتها من جديد؟“.

ويضيف قاسم، الذي يتكلم بصوت مرتفع من امام بوابة القنصلية في اسطنبول “هؤلاء يجب أن يعاقبوا”، وهو يؤشر على مبنى القنصلية، ويؤكد “تعاملهم مع المواطن العراقي سيء جدا، وكأنهم يتعاملون مع مواطنين من بلد اخر، هم هنا لخدمة الجالية العراقية ويتقاضون رواتب مرتفعة لأجل هذا، لكنهم باتوا يتلاعبون بالمواطنين وبأعصابهم“.

وفي 11 شباط فبراير الجاري، نشرت القنصلية العراقية باسطنبول بيانا جاء فيه “استمرارا للاجراءات التنظيمية في قسم الجوازات في القنصلية فيما يتعلق بتصفية كافة انواع معاملات الجوازات وحسب ما يرد من الجوازات العامة في بغداد، نرافق ادناه جداول المعاملات غير المنجزة لعامي  (2019 و 2020) وحسب اسباب عدم انجازها وبمجموع كلي (2585)”.

وبحسب البيان، فأن الاسباب تنوعت، منها، معاملات أرجعت بسبب الارشفة وعددها (1721)، وأرفقت القنصلية ما يلي “نرجوا من الجالية الكريمة متابعة سبب الارجاع واكمال النواقص لكي يتم اعادة ارشفتها وارسالها الى الجوازات العامة من جديد”، ومعاملات متوقفة في الجوازات العامة (القسم القانوني) وعددها (30)، ومعاملات ملغية وعددها (610)، ومعاملات متوقفة بسبب المنع وعددها (224).

وتضمن البيان ايضا “بالنسبة للذين لم ترد اسمائهم في هذه الجداول فمعاملاتهم مازالت قيد الانجاز في الجوازات العامة وفي حال تحديث المعلومات سنفوم بنشر جداول تتعلق بها“.

ماذا قال السفير السابق؟

السفير العراقي السابق في تركيا حسن الجنابي، اعلن في 19 كانون الثاني يناير الماضي، عن “توديعه” السفارة بعد إحالته على التقاعد، وكتب منشورا في صفحته على الفيسبوك: “وأنا أودع العمل الحكومي أقول بأني راضٍ جدا عن أدائي الوظيفي، ويمكن لمن عمل معي او عرفني عن قرب أثناء العمل قول ما يشاء عن الموضوع. وأعلن وبوضوح بأني لم انتفع من وظائفي إلا راتبي الشهري، ولم ينتفع مني فاسد او انتهازي او حزبوي او طائفي، بل لم يجرؤ اكبرهم نفوذا وسطوة على الاقتراب من مكتبي او منزلي بطلب غير مشروع في كل الوظائف التي شغلتها“.

وتابع “نعم اكتشفت لاحقاً ان نفراً ممن عمل معي خلال مسيرتي الوظيفية كان خسيساً ووضيعاً، ولكن مما يخفف من وطأة الإحساس بالألم حقيقتان: أولاهما انني لم أعين أياً منهم في موقعه، بل وجدتهم في تلك المراكز ولم أشأ تغييرهم وفق ما سمعته عنهم، والأمر الثاني  هو انهم لم يرتكبوا أفعالاً فاسدة خلال عملهم معي وربما برعوا في إخفاء سوء خلقهم أو نواياهم“.

والأهم في منشوره المطول “هنا في أنقرة عملت بكل ما أوتيت من قوة وفطنة وإصرار على تمثيل مصالح العراق العليا أمام السلطات التركية، وفي نفس الوقت سهرت على تقديم أفضل ما يمكن تقديمه للجالية العراقية الكبيرة في تركيا، فقد كنت أراقب العمل القنصلي في السفارة مراقبة مكثفة ويمكنني القول انه لم تسجل ولا حالة فساد واحدة ضد السفارة أثناء فترة عملي منذ حزيران 2019 حتى اليوم، بل تمكنا من إكتشاف وإيقاف مئات حالات التزوير المؤسفة في الوثائق العراقية، وإذا كان لابد من قول شيء لأبناء الجالية ولزملائي في السفارة فهو في المزيد من التعاون والصبر والإحترام المتبادل، فالسفارة هنا بالإضافة الى تمثيل مصالح العراق معنية أساساً أيضاً بخدمة الجالية رغم ظروف العمل الصعبة حاليا بسبب الجائحة”.

إقرأ أيضا