هل تقف صفقة دولية وراء تعزيز وجود “الناتو” في العراق؟

بين الرفض والموافقة، ما زال قرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزيادة عدد قواته في العراق…

بين الرفض والموافقة، ما زال قرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزيادة عدد قواته في العراق غير مستوف لجميع أركانه، المتمثلة بموافقة الحكومة العراقية، لكن بذات الوقت، تكشف مصادر عن الإعداد لـ”صفقة سياسية دولية” تضمن مصالح جميع الاطراف “المتصارعة” داخل العراق وأبرزها واشنطن وطهران، فضلا عن اعتبار الناتو تمركزه في بلد النهرين “نقلة ستراتيجية” من شأنها ان تقربه من “المحور الروسي”، وهنا يرى محلل سياسي ان وجود الناتو سيمنح العراق “قوة سياسية وامنية” ويحد من “السلاح المنفلت”، وبمقابل هذا الرأي وصف نائب عن تحالف الفتح زيادة قوات الناتو بــ”الفوضى”.

ويقول مركز التفكير السياسي احسان الشمري في حديث لـ”العالم الجديد” إن “حلف الناتو سيعطي قوة سياسية وامنية للعراق، وسيكون دوره مهما في التدريب وعلى المستوى الامني، لكونه قوة دولية متكاملة”.

وفيما يخص رفض الجهات السياسية والفصائل المسلحة المرتبطة بايران لزيادة قوات الناتو في العراق، يضيف أن “هذا الرفض يعود الى ان الناتو سيكون ندا للمحور الروسي الصيني، بالتالي ايران جزءا من هذا المحور، ولا تريد ان تتضرر مصالحها”، مؤكدا ان “وجود الناتو يعني بصورة من الصور، تحجيم دور السلاح المنفلت والصواريخ التي تطلق باستمرار، اضافة الى ان الفصائل المسلحة تعتبره عنوان جديد لعودة القوات الامريكية الى العراق، وهذا ما يدفعها الى رفض وجوده”.

وبشأن الإصرار التركي على دخول الناتو للعراق، في محاولة للتغطية على عملياتها في شمالي العراق وخاصة سنجار، يوضح ان “الناتو لن يحول العراق الى منطقة تقاسم نفوذ دولية، وهذا لن يحصل بأي شكل من الاشكال”.

وقد حصلت “العالم الجديد” على معلومات من مصادر دبلوماسية، حول “الصفقة” التي يجري إعدادها بشأن زيادة اعداد قوات حلف الناتو في العراق من 500 الى 400 عنصر، وبحسب المصادر فأن “قرار الناتو بزيادة عدد قواته في العراق، يشتمل على صفقة سياسية دولية كبيرة، تتمثل بأن هذه القوات سيكون بديلا عن التواجد الامريكي فيه، ومساعدا له، فواشنطن تحاول ان تقلل حجم خسائرها في بغداد، وبذات الوقت لا تريد ان تنسحب بصورة كاملة، ما سيشكل خسارة تاريخية واخلاقية بالنسبة لها”، مبينة أن “حلف الناتو سيحل محل القوات الامريكية، فضلا عن مشاركتها معه، لكنها لن تكون في الواجهة”.

وفي مطلع كانون الثاني يناير 2020، دعا الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب حلف شمال الأطلسي الناتو، الى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط، وهو ما حظي بموافقة الناتو الذي أعلن عن اتفاقه على المساهمة بالحضور في الشرق الأوسط بشكل أكبر من دوره الحالي، وذلك بعد تعرض قاعدة عين الاسد في الانبار الى قصف صاروخي ايراني ردا على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

وتتابع المصادر أن “الصفقة تنص ايضا على كسب موافقة طهران، التي ترتبط بعلاقات تعتبر جيدة مع دول الاتحاد الاوروبي، وهنا جرى الاتفاق على رفع العقوبات الامريكية عنها فضلا عن تهدئتا للتوتر في العراق، الخاص بتواجد القوات الامريكية والاجنبية عموما، مقابل تمركز قوات الناتو في الاراضي العراقية”، مشيرة الى ان “هذا العرض حظي بترحيب إيراني، لكونه سينقذ اقتصادها وبالتالي ستكون لها صلة وصل أقوى مع الاتحاد الأوروبي عبر تواجد الناتو”.

وتشير الى ان “الدول الأوروبية، تحاول ان تحافظ على أمنها وذلك عبر فرض الأمن في العراق، وذلك لانها تعتبر أن إرباك في الامن العراقي سيؤثر عليها بصورة مباشرة، وهذا جزء من أهداف وجود الناتو في العراق”.

وتستطرد أن “النقطة الثالثة من الاتفاق تخص حلف الناتو، إذ يعتبر تواجده في العراق خطوة ستراتيجية بالنسبة له، وحضوره فيه سيمثل تطورا كبيرا في تقربه من القوات الروسية المنتشرة في سوريا”، موضحة ان “الناتو سيكون ندا قويا للتواجد الروسي بالمنطقة، عبر انتشاره في العراق، الذي يملك حدودا مشتركة مع سوريا، أي سيكون محاذ بشكل قريب للتواجد الروسي”.

وفي 16 شباط فبراير الجاري، نشر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، في تغريدة على حسابه بموقع تويتر “اتصال جيد مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ناقشنا مهمتنا التدريبية، وان الناتو يتطلع إلى تكثيف دعمه للعراق في حربه ضد الإرهاب”.

وفي 18 شباط فبراير الجاري، أعلن ستولتنبيرغ، عن قرار زيادة تعداد أفراد بعثته في العراق بثمانية أضعاف، قائلا خلال مؤتمر صحفي عقده في ختام اليوم الثاني من اجتماع وزراء دفاع الناتو المنعقد في بروكسل، إن “القرار يقضي بزيادة عدد أفراد بعثة حلف شمال الأطلسي في العراق من 500 حتى أربعة آلاف شخصا”.

 وأكد في وقتها، قائد بعثة حلف شمال الأطلسي في العراق، الفريق الركن بيير أوسلن، أن “أي زيادة في تواجد البعثة في هذا البلد ممكنة فقط بموافقة حكومته”.

ويوم 19 من الشهر الحالي، نشر مستشار الأمن الوطني قاسم الاعرجي تغريدة في حسابه الشخصي بموقع تويتر قال فيها “حلف الناتو يعمل مع العراق وبموافقة الحكومة العراقية بالتنسيق معها، ومهمته استشارية تدريبية وليست قتالية.. نتعاون مع دول العالم، ونستفيد من خبراتها في المشورة والتدريب، لتعزيز الأمن والاستقرار ولا اتفاق عن اعداد المدربين”.

الدور التركي

بدأت تركيا في العاشر من شباط فبراير الحالي، بدعوة الناتو الى مساندتها في عمليتها التي انطلقت في شمالي العراق، وتحديدا سنجار لملاحقة عنصار حزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة ارهابية بالنسبة لها وللاتحاد الاوروبي ايضا.

وكانت “العالم الجديد” كشفت في تقرير سابق، أن الكاظمي أبلغ أردوغان خلال لقائهما في أنقرة في 17 كانون الأول ديسمبر الماضي، بعجزه عن تنفيذ اتفاق بغداد– أربيل للسيطرة على سنجار وطرد عناصر حزب العمال الكردستاني منها، ومنح الضوء الأخضر لأردوغان بالدخول الى سنجار، تحت مظلة تحالف الناتو، تحسبا لردود أفعال سلبية من قبل الفصائل المسلحة، في حال دخول تركيا بمفردها لسنجار، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية كانت حاضرة للقاء الذي جرى في أنقرة، وتخللته مأدبة فاخرة على أنغام الطرب العراقي التراثي.

بذات الوقت تشير مصادر مطلعة الى ان “الموقف التركي لدى اوروبا كان يشهد إرباكا كبيرا، نتيجة للتوتر بينها وبين فرنسا، على خلفية تنقيب تركيا عن الغاز في البحر المتوسط ودخولها الى ليبيا، فضلا عن التوترات مع اليونان بشأن التنقيب ايضا، ما دفع الناتو الى قيادة وساطة بين البلدين لتهدئة التوتر، خاصة وان الطرفين سيشتركان في التواجد داخل العراق”.

وتسعى تركيا الى التواجد داخل الاراضي العراقية بصورة دائمة، وهذا ما تجسد في تصريحات اردوغان، حيث قال “نحن متفقون مع حكومتي بغداد وإقليم شمال العراق على اجتثاث المنظمة الإرهابية من جذورها، ولتفادي أي اعتداء إرهابي مماثل (لمجزرة غارا) سنبقى في المناطق التي دخلناها وحققنا فيها الأمن وفق ما تقتضيه الضرورة”، وذلك بعد ان أعلنت يوم 14 شباط فبراير الحالي، أن عناصر حزب العمال الكردستاني، أعدموا 13 مخطوفا تركيا، منهم عسكريون وأفراد شرطة، داخل كهف في جبل غارا شمالي العراق، وذلك بالتزامن مع اعلان انتهاء عملية “مخلب النسر 2”.

وكان الصحفي المعتمد لدى الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي (الناتو) حسين الوائلي كشف لـ”العالم الجديد” في 18 شباط فبراير الحالي، عن المبررات التي  دفعت الناتو الى زيادة عدد قواته في العراق، ولخصها بـ3 مرتكزات وهي: الاولى هي داخلية، فأي خلل في الوضع العراقي الداخلي سيؤثر على الوضع الأمني الأوروبي، فالحلف يريد تقوية المؤسسة من الناحية التعليمية والتدريبية، والثانية، هي وجود توغل إقليمي في الداخل العراقي، يقوض المصالح الغربية والاوروبية، فهناك فصائل مسلحة وقصف للبعثات الدبلوماسية.

وبين ان :الثالثة، هي دولية وتتعلق بالوجود الروسي في سوريا، فالناتو ند حقيقي لروسيا، واينما تواجد الروس تواجد الناتو، لدينا الان عمليات للناتو في ايطاليا، مقاربة الى ليبيا التي فيها وجود روسي.

ويشير الوائلي ايضا الى أن، هذه المرتكزات، هي بدفع امريكي، لانه واشنطن أصبحت على قناعة أن دورها في العراق لم يعد ينفع على جميع المستويات، بالتالي سيكون الوجود العسكري للناتو بديلا عن الوجود العسكري الأمريكي، كما انه لأول مرة يرفع الناتو سقف عدد قواته في العراق من 500 الى 4 الاف، وهذه مقاربة جديدة، فان الناتو سيبعث جنود ومستشارين وخبراء، على الارض العراقية، ما سيمثل ستراتيجية جديدة، ومحاولة لإيجاد توازن للوجود الإيراني والروسي في سوريا.

موقف الفصائل العراقية والصراع الايراني – التركي

في ذات الوقت، الذي تجري فيه “صفقة الناتو”، تجري بجانب آخر تحركات مغايرة نوعا ما لنص الاتفاق مع طهران، وتمثلت بتحشيد الفصائل المسلحة لقواتها في سنجار منعا لدخول القوات التركية، وذلك بالتزامن مع تغريدة لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، الذي  أعلن رفض بلاده لوجود تركيا في سوريا والعراق، واصفا سياستها بـ”الخاطئة”.

ويقول النائب عن تحالف الفتح ناصر تركي في حديث لـ”العالم الجديد” إن “هناك الكثر من الكلام المتناقض حول ملف قوات حلف الناتو، وحكومة العراق ملزمة بتنفيذ قرار مجلس النواب الخاص بإخراج القوات الاجنبية من البلاد، حيث اننا لا نرغب بزيادتها تحت غطاء قوات التحالف في الناتو”.

ويبين “نحن ضد زيادة اعداد قوات حلف الناتو في الوقت الحالي ونعتبر هذا الأمر لا مبرر له  غير الفوضى، التي تعاني منها الحكومة في كافة أشكالها ومفاضلها الحدودية البرية والجوية والمائية”.

وخلال الايام الماضية، وصلت الى سنجار العديد من قوات الحشد الشعبي، وتمركزت في اغلب المناطق الصحراوية والحدودية للقضاء، الذي يقع غربي محافظة نينوى، في خطوة لصد التوغل التركي، وذلك بعد ان اعلنت بعض الفصائل عن رفضها الرسمي لاتفاق اربيل – بغداد، الذي قضى بإخراج كافة القوات من سنجار، بما فيها الفصائل المسلحة وعناصر حزب العمال الكردستاني، ومنها زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الذي وصف الاتفاق بأنه “إخراج للحشد الشعبي الذي حرر سنجار، وهو مُجاملة سياسية ومُكافأة انتخابية على حساب الإيزيديين الذين عانوا ما عانوا من الوضع السابق ويُراد أن تستمر مُعاناتهم بهذا الإتفاق الجديد”.

ودعا الخزعلي القوى الوطنية، آنذاك لـ”إبداء رأيها في هذا الموضوع، وعدم المجاملة فيه، وإلى ضرورة أن يكون هُناك موقف يتناسب مع أهمية وخطورة هذا الاتفاق”.

تحرك الفصائل الاخير نحو سنجار، والموقف الايراني، يتعاضد مع وجود عناصر من العمال الكردستاني منتمين الى هيئة الحشد الشعبي منذ سنوات، ولغاية اليوم يستلمون رواتبهم من الهيئة، إضافة الى اشراف العمال الكردستاني على فصيل إيزيدي مسلح ينتسب للحشد الشعبي، وهو بدوره مرتبط بعلاقات مع الحرس الثوري الايراني.

وحول هذا الأمر، صرحت كارولين روز، في المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية، لواسلئ اعلام امريكية، أن “المعضلة التي تواجه بغداد، هي اندماج عناصر حزب العمال الكردستاني مع وحدات مقاومة سنجار التي تندرج تحت الحشد الشعبي منذ عام 2015”.

وتبين أن “ايران لا تسيطر على الجماعات التابعة لحزب العمال الكردستاني، مقارنة بنفوذها الكبير على الفصائل المسلحة التي تتعاون مع هذه الجماعات في سنجار”.

وعن تأثير التوتر الايراني – التركي، على علاقة البلدين في سوريا، يقول سام هيلر المحلل المستقل لشؤون سوريا والمستشار السابق بمجموعة الأزمات “في كثير من الأحيان، يبدو أن إيران وتركيا تتقسمان النفوذ فيما بينهما في دول عربية، ففي سوريا، يوجد لدى كل من إيران وتركيا شركاء سوريون ووكلاء محليون يعتبرون الدولة الأخرى عدوا”.

وفي أكتوبر 2019، شنت تركيا هجوما عبر الحدود في الشمال، مما دفع القوات الأميركية إلى الانسحاب من معظم الأراضي في “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” التي يسيطر عليها الأكراد.

وتسيطر الفصائل المسلحة العراقية على معظم الحدود الشرقية لسوريا، التي تقع في الجانب العراقي منذ عام 2017، عندما فقدت حكومة إقليم كردستان سيطرتها على الأراضي المتنازع عليها بين كركوك وسنجار، فيما تسيطر تركيا على الجزء الشمالي من سوريا، بمواجهة سيطرة حزب الله على جزء كبير من الاراضي السورية.

وحسب هيلر، فأن “إيران وتركيا يبدو انهما لا تهتمان بالصراع المباشر في سوريا، بل على العكس من ذلك، هما يجتمعان بانتظام كجزء من محادثات آستانا، إلى جانب روسيا، حيث تفكك الدول الثلاثة خططهم المتعارضة في سوريا”.

وكانت روسيا وإيران وتركيا بدأت إجراء محادثات منتظمة بشأن الصراع الدائر في سوريا في آستانة، عاصمة كازاخستان، بداية عام 2017.

إقرأ أيضا