الحكومة “تتفرج”.. هل تندلع حرب بين واشنطن والفصائل المسلحة داخل العراق؟

“حرب مصغرة”، تجسدت بتبادل القصف واستهداف المواقع العسكرية لطرفيها: الولايات المتحدة الأمريكية والجماعات المسلحة داخل…

“حرب مصغرة”، تجسدت بتبادل القصف واستهداف المواقع العسكرية لطرفيها: الولايات المتحدة الأمريكية والجماعات المسلحة داخل العراق، في ظل عدم وجود “إعلان رسمي” عراقي بشن الحرب على واشنطن، كما يرى قيادي في تحالف الفتح، والذي شدد ايضا على ضرورة انهاء “الاستفزاز” من قبل الطرفين، واعتبر وجود الفصائل “أداة ضغط” لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، كما هو حال وجود القواعد الامريكية، لكن مصادر دبلوماسية كشفت عن خفايا الرد العسكري لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على الفصائل وأسبابه، ورسالته لايران، كونها “راعية” لهذه الفصائل.

إطلاق صواريخ الكاتيوشا نحو السفارة الامريكية في بغداد، كان الأمر السائد طيلة عام 2020، لكن في 15 شباط فبراير الحالي، وبعد فترة من تسنم جو بايدن منصبه رئيسا للولايات المتحدة الامريكية، جرى استهداف قاعدة حرير الامريكية في محافظة اربيل باقليم كردستان بنحو 14 صاروخا، أدت الى مقتل متعاقد مع القوات الامريكية، هذا الحدث تبعه فترة صمت من قبل واشنطن امتدت لنحو 10 ايام، حتى استهدفت في 26 شباط فبراير موقعا لكتائب حزب الله، وحسب الرواية الامريكية فانه داخل العمق السوري، وان القصف جاء ردا على استهداف القاعدة في اربيل، ومن ثم جرت فترة صمت من قبل هيئة الحشد الشعبي، تركت المجال مفتوحا امام التكهنات حتى اعلنت بعد ايام ان القصف استهدف قوات تابعة للهيئة.  

 

الى ذلك، تعرضت صبيحة اليوم 3 اذار مارس، قاعدة عين الاسد في محافظة الانبار، الى قصف بعشرة صواريخ، ادت الى اضرار مادية، فيما لم يجري تأكيد على إصابات بشرية، لكن هذا الاستهداف لم يتم بصواريخ الكاتيوشا، لكن رسميا اعلن ان الصواريخ نوع “غراد”، وبحسب الصور فان منصة اطلاقها عبارة عن سيارة حمل كبيرة “لوري” وليس عجلة حمل “كيا” صغيرة كما كان جرى سابقا.

 

ويقول القيادي في تحالف الفتح غضنفر البطيخ في حديث لـ”العالم الجديد” حول فترة الصمت التي تبعت قصف اربيل، وفترة الصمت من قبل الحشد الشعبي الذي لم يؤكد مباشرة تعرض فصائله الى قصف امريكي، إن “حكومتي بغداد واربيل، لم تصدرا أي شيء رسمي حول الجهة التي استهدفت القاعدة الامريكية في اربيل”.

 

ويبين ان “واشنطن لديها معطيات حول الجهة المنفذة، وتأخر ردها بناء على جمع المعلومات، والحشد الشعبي في المقابل، فانه اخذ وقته للتاكد بان الضربة جرت داخل الأراضي العراقية، بعد ان اعلنت واشنطن انها نفذت الضربة داخل سوريا”.

 

ويؤكد أن “العراق يعيش حاليا صراع امريكي ايراني على مصالحهما، بالمقابل فان العراقي يرغب ان يكون بلده مستقل وغير خاضع لاي تدخلات”، موضحا ان “الحكومة موقفها ضعيف تجاه امريكا وايران وتركيا، ولا تمتلك اي موقف رسمي لتوضيح الحقائق بشأن الجهات التي تستهدف سفارة واشنطن وقواعدها، وايضا لا تستطيع مطالبة واشنطن بجدولة خروجها من العراق”.

 

ويتابع أن “الضربة يجب أن تدان، لكونها تمس جهات منتمية للدولة والقائد العام للقوات المسلحة، فيجب أن يكون هناك استنكار، اما اذا كانت الجهات تسمي نفسها مقاومة، فهنا يجب أن تكون دولة بقواتها المسلحة لحماية الحدود، وان لا تسمح لفصائل خارج إطارها او للقوات الامريكية بتبادل القصف”.

 

ويستطرد “الكل يطمح الى اقامة علاقات مشتركة وطيبة مع الولايات المتحدة، والعراق لم يعلن عن الحرب رسميا مع الولايات المتحدة، لكن قضية القواعد الامريكية فهي ورقة ضغط على السياسيين العراقية، والفصائل الموجود خارج اطار الدولة، هي أيضا ورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية”، متابعا “نريد التخلص من القواعد الامريكية والفصائل المسلحة خارج الدولة، وهذا الامر بدأ يؤثر على الاقتصاد العراقي وأرزاق المواطنين”.

 

ويشير الى ان “العراق يملك اجهزة امنية كبيرة وتصرف لها رواتب ومكتسبات، وعليه يجب أن تعطي هذه الاجهزة عمل واضح، فليس من المعقول أن تجري داخل الاراضي العراقية عمليات قصف متبادل دون ردع، فهذا يشكل تهديدا مشتركا للامن العراقي”.

 

ماذا جرى في البيت الأبيض؟ 

 

عقب استهداف اربيل، وبيانات الادانة والاستنكار الدولية، كان البيت الأبيض يدرس خيارات الرد على الضربة، وبحسب السياقات الامريكية فان بايدن طلب الخيارات من القادة العسكريين، ووصلته الكثير من الخيارات.

 

وتشير مصادر دبلوماسية في حديثها لـ”العالم الجديد” ان “خيارات الرد الامريكي، تتجسد بداية بطلب من الرئيس الامريكي، الذي يطلع على الخيارات التي تصله من القادة العسكريين ليحدد بعد ذلك طبيعة الرد ونوعه، وهذا ما جرى مع الضربة الأخيرة التي وجهت لكتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء”.   

 

وتوضح ان “بايدن اختار هذه الضربة المحدودة لمواقع الفصائل في الشريط الحدودي العراقي السوري، وابتعد عن خيارات اوسع طرحت عليه”، متابعة ان “الرد الامريكي، او خيار بايدن حمل رسائل عدة لايران، كونها راعية لهذه الفصائل”.

 

وتشير الى ان “رسائل الرد الامريكي، تجسدت بعدم نية واشنطن التصعيد ضد طهران او الدخول بحرب معها او مع الفصائل الموالية لها، وبذات الوقت فان الضربة، رد لا بد منه على استهداف قاعدة حرير”، موضحة ان “رد بايدن، حمل هذين الشقين، وأكد على ان واشنطن يجب ان ترد على اي استهداف وبذات الوقت لا تريد التصعيد، وبإمكانها ان توسع الرد، لكنها لم تتخذ هذا الخيار حتى الان”.

 

 

تضارب الروايات

 

وزارة الدفاع الأميركية، كشفت من جانبها، ان الضربة الجوية جرت في سوريا، واستهدفت 11 موقعا وادت الى تدمير 9 منها بالكامل، بناء على ملعومات وبمساعدة من حكومتي بغداد واربيل.

 

وبحسب المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، الذي قال في مؤتمر صحفي عقب يوم من الاستهداف إن طائرتي أف 15 ألقتا 7 قنابل خلال الضربة “ولدينا تصور حول وقوع ضحايا ولا نزال نقيم الوضع”، مؤكدا ان الضربات نفذت بأمر الرئيس الأميركي جو بايدن، وان “الغارات كانت دفاعية وتم تحديدها بعناية من أجل تقويض قدرة المليشيات على شن هجمات جديدة وتأكيد إصرارنا على حماية قواتنا وحلفائنا”.

ومضى بالقول إن “الغارات طالت المسؤولين عن الهجمات على قواتنا ومنهم المسؤولين عن الهجوم الأخير في أربيل، والتي لديها صلات وثيقة بإيران”، مبيناً أن تنفيذ الهجوم جاء “بعدما تبين لنا من هم منفذي الهجمات خلال الأيام الماضية”. 

وبعد يومين من الاستهداف، بعث بايدن، رسالة إلى رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، والرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ باتريك ليهي، برر فيها قراره بتنفيذ الضربة، بأنه رد على الهجمات الصاروخية الأخيرة التي استهدفت مواقع أميركية في العراق، وذلك من دون إخطار الكونغرس.

وجاءت الرسالة رداً على انتقادات ديمقراطيين في الكونغرس بغرفتين، لقرار بايدن استخدام القوة العسكرية بعد خمسة أسابيع فقط من تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، وفقاً لوكالة بلومبرغ الأميركية.

وقال بايدن إنه أمر بالضربة العسكرية، من أجل “الحماية والدفاع عن أفرادنا وشركائنا ضد هذه الهجمات، وهجمات مماثلة في المستقبل”، وذلك “بموجب السلطات التي يمنحها له الدستور”، مبينا ان “هذه الميليشيات غير الحكومية، كانت متورطة في الهجمات الأخيرة ضد الولايات المتحدة، وأفراد التحالف في العراق”.

 

وبعد مرور ايام على الضربة، وفي 28 شباط فبراير الماضي، أصدرت هيئة الحشد الشعبي بيانا حولها، وفيه “قبل أيام تعرضت قواتنا لاعتداء آثم من قبل القوات الأمريكية أسفر عن استشهاد أحد مقاتلينا، ولخطورة هذا الموضوع وانعكاسه على سيادة وأمن واستقرار العراق، انتظرت هيئة الحشد الشعبي مدة من الزمن حتى اكتمال الرواية حول الاعتداء والتحقق من أن مقاتلينا لم يكونوا متواجدين في عمق الأراضي السورية عكس ما قالته رواية القوات الأمريكية”.

 

وبينت أن “مقاتلينا كانوا ضمن الشريط الحدودي بين البلدين لحماية الأرض العراقية من الإرهاب، وبعد هذا التأكد، نعلن رسميا أن قواتنا كانت ضمن خط الدفاع العراقي وأن هذا الاعتداء ينبئ بتطورات مستقبلية خطيرة لا بد من الوقوف دون حصولها”، داعية الجهات المختصة والمعنية لـ”القيام بواجبها تجاه أبناء الحشد الذين ضحوا وما يزالوا في سبيل أمن العراق”.

 

بيان الحشد الشعبي، اعلن صراحة عن ان القصف استهدف قوة تابعة للهيئة، أي قوة رسمية ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، وفي ظل هذا الاعلان، التزمت الجهات الرسمية العراقية على كافة المستويات الصمت تجاه الضربة، ولم تعلن عن أي اجراء او إدانة للقصف.

 

ماذا جرى اليوم؟

 

بعد 10 ايام من الرد الامريكي، وتضارب الروايات بشأن موقعه، تعرضت قاعدة عين الاسد في محافظة الانبار، التي تتمركز قوات التحالف الدولي في جزء منها، الى قصف بعشرة صواريخ، وحسب بيان خلية الاعلام الامني فان “10 صواريخ نوع غراد سقطت على قاعدة عين الأسد الجوية صباح اليوم، دون خسائر تذكر، حيث عثرت القوات الأمنية على منصة إطلاق هذه الصواريخ”.

 

وبحسب مصادر امنية، فان الصواريخ أطلقت من منطقة “البيادر”، وهي منطقة زراعية تقع على الطريق العام بين مدينتي هيت والبغدادي في المحافظة، فيما نقلت وكالة فرانس برس عن مصادر أمنية قولها إن متعاقدا مدنيا يعمل مع التحالف توفي جراء أزمة قلبية إثر الهجوم الصاروخي، ولم تؤكد المصادر الأمنية العراقية والغربية للوكالة جنسية المتعاقد الذي قضى إثر الهجوم.

 

إلى ذلك، حصلت “العالم الجديد” على معلومات تشير إلى أن “استهداف قاعدة عين الاسد، جرى من قبل فصائل مسلحة، وانه ادى الى سقوط جرحى من قوات التحالف الدولي”.

 

وبينت المصادر في حديثها لـ”العالم الجديد” أن “الفصائل المسلحة، استهدفت القاعدة ردا على القصف الأخير الذي طال مواقعها في الشريط الحدودي”.  

 

وتأتي هذه التطورات السريعة والقصف المتبادل، في وقت كشفت “العالم الجديد” في وقت سابق، عن وجود “صفقة سياسية دولية” بشأن زيادة عدد قوات حلف شمال الأطلسي “الناتو” في العراق من 500 الى 4 الاف عنصر، وتتمثل الصفقة بـ”التهدئة” بين واشنطن وطهران وايقاف عمليات الاستهداف مقابل رفع العقوبات الاميركية عن ايران.

 

ومن ضمن الصفقة، فإن واشنطن ستبتعد عن الواجهة في العراق، ويكون دورها ضمن حلف الناتو وليس بصورة مفردة، كما هو الحال الان، اضافة الى ان العراق بالنسبة للناتو منطقة نفوذ استراتيجية جديدة، ستقربه من المحور الروسي، الذي يعتبر ندا له. 

إقرأ أيضا