“مواجهة صعبة”.. هل تنجح الحكومة بالقضاء على “عصابات” التسول؟

“اعمل في الصباح وليلا اذهب الى نادي الدمبلة”، هذه الكلمات ليست لكاسب اعتيادي، بل هي…

اعمل في الصباح وليلا اذهب الى نادي الدمبلة”، هذه الكلمات ليست لكاسب اعتيادي، بل هي لاحد المتسولين في العاصمة بغداد، وذلك بالتزامن مع حملة رئيس الوزراء للقضاء على ظاهرة التسول، وعند التقصي حول إمكانية الحكومة لتنفيذ هذه الحملة، اكد مصدر في الاستخبارات ان “المواجهة ستكون صعبة”، لوجود جهات متنفذة وتجار مخدرات مشتركين فيها، لكن من جانب آخر، هناك متسولون غير مرتبطين بهذه “المافيات” وهؤلاء من ركزت عليهم مفوضية حقوق الانسان وحذرت من تعرضهم للمخاطر.   

وتعج طرقات وتقاطعات العاصمة بغداد بمئات المتسولين، بينهم اطفال ونساء ورجال كبار في السن، واعدادهم ترتفع بصورة مستمرة، وخاصة الاطفال والفتيات باعمار المراهقة، من دون أن يكون هناك أي رد فعل حكومي تجاه تنامي هذه الظاهرة.

يقول عضو مفوضية حقوق الانسان علي البياتي في حديث لـ”العالم الجديد” حول هذه الظاهرة، إن “الأرقام تشير إلى وجود من 25 إلى 30 بالمائة من العوائل العراقية ضمن خط الفقر، اضافة الى ان 3 ملايين ممن لديهم مشاكل في توفير الطعام اليومي، وهذا دليل واضح على وجود ازمة اقتصادية وطبقية تقدر بان 25 بالمائة من سكان العراق يعانون من هذه الازمة“.

ويضيف البياتي ان “التسول هو الباب الوحيد امامهم للحصول على العيش، وهذا يشكل مخاطر بالنسبة للنساء والاطفال من العصابات التي تدير ساحات التسول، اضافة الى جرهم لمجالات أخرى منها الاستغلال الجنسي وتجارة الأعضاء البشرية”، مبينا ان “الحكومة لديها مسؤولية لحماية هؤلاء وتوفير مصادر رزق لهم، سواء عبر المنح المالية او دعم بسلات غذائية“.

ويتابع، أن “الوعود موجودة والمشاريع تطرح بكثرة، لكننا لم نر الجدية خاصة بعد حرب داعش التي تسببت بصعود نسبة الفقر إلى أكثر من 26 بالمائة، كما لم نر شيئا على ارض الواقع بالرغم من كثرة المبادرات والدعم الدولي، ونذكر هنا مبادرة مدعومة من البنك الدولي بمليار دولار، لكن واقع الحال يقول إن المواطن غير مستفيد حتى من قضية البطاقة التموينية التي هي من الاليات القديمة، ولكنها لا تفيد المواطن بشيء كون ان النظام مهمل“.

وينوه إلى أن “الأطفال والمرأة عند نزولهم للشارع، فهم فاقدون للسكن وبحاجة الى سقف لحمايتهم من الدوافع التي تدفعهم لهذا الشيء”، مؤكداً بانه “لا توجد لدينا اي إجراءات جدية من قبل الحكومة لمعالجة هذا الامر، بل حتى عندما تقوم وزارة الداخلية باعتقالهم فإنهم يخرجون ومن ثم يعودون لمهنهم السابقة بالتسول لعدم توفر البديل“.

وكان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي قال في 23 اذار مارس الحالي، “شخّصنا عصابات تستغل قضايا إنسانية أبشع استغلال من خلال التسوّل ووجهنا وزارة الداخلية متابعة الموضوع ومعالجتها وملاحقة هذه العصابات وتقديمها أمام القانون”، وفي ذات اليوم أصدر مجلس الوزراء توصية لوزارتي الداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية لمعالجة الظاهرة.

وزارة العمل من جانبها، اعلنت عقب التوصية مباشرة، عن استعدادها لتنفيذ مقررات مجلس الوزراء بخصوص الحد من ظاهرة التسول بالتعاون مع الداخلية، فيما اعلنت الداخلية من جانبها ان الكاظمي أكد على تكثيف الجهود لمحاربة عصابات التسول

وتأتي هذه الخطوات في خطوة لا تقل خطوة عن مواجهة أي “مافيا” في البلد، سواء على صعيد المخدرات او الفساد، وتأكيدا لما أورده عضو مفوضية حقوق الانسان، يكشف مصدر في الاستخبارات رفض الكشف عن اسمه، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “الحكومة لديها معلومات حساسة وخطيرة بشان ما يجري في العراق من عمليات خاصة بالتسول والمتسولين والتجارة بهذا الامر“.

ويؤكد المصدر، ان “بعض العوائل في شارع البتاوين وسط بغداد، التي تشتهر بتجارة الممنوعات، تقوم بتاجير ابنائها بمبالغ من 15 الى 25 الف دينار (نحو 17 دولار) باليوم الواحد لجهات مسؤولة عن المتسولين، حيث يقوم هؤلاء بتوزيع هؤلاء الاطفال على التقاطعات في العاصمة، وايضا هي من تقوم بجمعهم بعد انتهاء دوامهم الذي عادة ما ينتهي في ساعات المساء“.

ويلفت الى ان “الحكومة عازمة على محاربة هذه الظاهرة والتخلص منها من خلال الوصول الى الشخصيات الرئيسية في هذه السلسلة الغامضة”، متابعا أن “اغلب الاطفال الذين يتم القاء القبض عليهم، يتبين لنا وبعد التحري والبحث بانهم مخطوفون من عوائلهم في محافظات العراق او بداخل العاصمة بغداد، اما باقي الاشخاص من الكبار فلدى الحكومة برامج خاصة من اجل ارشادهم وتوعيتهم بالمخاطر المترتبة على ما يقومون به وبالاشخاص الذين يعملون معهم“.

وحول خطة الحكومة للقضاء على الظاهرة، يبين المصدر، ان “المواجهة ستكون صعبة بالنسبة للحكومة، والمباردة التي اطلقها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، كون ان هؤلاء تقف خلفهم جهات متنفذة وخطيرة ولم تنجح جميع الحكومات السابقة بفتح هذا الملف او التعمق به“.

وخلال رحلة البحث عن واقع المتسولين، التقت “العالم الجديد” بأحدهم بصورة عشوائية في منطقة الكرادة وسط بغداد، ويدعى (محمد كريم)، وبعد تبادل الحديث معه قليلا، قال “بصراحة امتلك سيارة موديل 2017، ان التسول عمل مربح ولا يكلفني أي مجهود، مثل الجهود المبذولة في اعمال البناء او غيرها“.

ويضيف “عندما انتهي من عملي اليومي، الذي غالبا ما أجمع فيه اكثر من 150 الف دينار (نحو 100 دولار)، اذهب ليلا الى نادي لعبة الدمبلة، وهكذا ينتهي يومي، حيث اعود صباحا للتسول“.

لكن كريم، اكد وجود نوعين من المتسولين، قائلا “بصورة عامة هناك نوعان من المتسولين، احدهما محتاج بشكل فعلي لهذه الاموال لتمشية أموره الحياتية اليومية، وخاصة الذين يأتون من المحافظات الى بغداد لاجل التسول، وهم الاكثر شعبية، وهناك من يشبه وضعي، الذي يتسول لكونها مهنة مربحة ولا تحتاج الى تعب، رغم لديه ان وضعه الاقتصادي جيد نوعا ما“.

وبالعودة لمدى إمكانية الحكومة لمحاربة هذه الظاهرة، تبين رئيس لجنة الرعاية الاجتماعية في مجلس محافظة بغداد السابق هدى جليل، في حديثها لـ”العالم الجديد” إن “هناك عصابات وجهات متنفذة تقف خلف هذا الموضوع، اضافة الى متاجرتها بالأعضاء البشرية، وان الحكومة تستطيع ان تكافح هذا الملف بالارادة الحقيقي“.

وتوضح ان “ظاهرة التسول وانتشارها بشكل ملفت بالعراق تسيء للذوق العام، والملفت للنظر ايضا ان اغلب المتسولين من جنسيات عربية، ومنها السورية”، متابعة ان “الحكومة بكل تصنيفاتها ممكن ان تقضي على هذه الظاهرة عبر تظافر الجهود، حيث اننا عملنا سابقا العديد من الورش والبرامج وتوصلنا إلى حلول ناجعة على الحكومة الاخذ بها كلا حسب تصنيفاتها، مثلا توفير بيئة حاضنة للمتسولين حيث ان بعضهم ياخذها بشكل مهنة وبعضهم بحاجة إلى هذا الامر بشكل حقيقي، بالاضافة الى وجود المافيات التي تتاجر بهذا الامر“.

وبهذا الصدد، يرى الباحث الاجتماعي داود الغزي في حديثه لـ”العالم الجديد” أن “الكثير من الناس يعانون الفقر، إلا انهم يمتلكون التعفف الذي يمنعهم من سلوك مثل هذه الامور، التي تعتبر اهانة لمن يقوم بها وبالتالي فهي تخص الإنسان بذاته قبل ان تكون مسألة مادية“.

ويشير الى ان “الكثير من هؤلاء يتخذ التسول مهنة وبعضهم يعمل لجهات منتفعة ويتقاضى راتبه الخاص مقابل عمله”، متابعا ان “علاج التسول ضروري وعلى الدولة ان تضع بصمتها في هذا الامر، كأن تقوم باخذ عينات من هؤلاء المنتشرين بالشارع ودراستهم والوقوف على العلل والأسباب التي دفعهتم، ولكن بشكل عام فان اغلب المتسولين عادة ما يكونون هاربين من اهلهم والبعض الاخر يمتهن الكذب عبر الأمراض وكتابة العبارات لكسب استعطاف الناس من اجل التصدق عليه“.

ويشدد على “ضرورة ان يكون هناك رادع من السلطة من خلال الرعاية الاجتماعية والمؤسسات الخيرية لاحتواء هؤلاء، وتوفير ما تستلزمه حياتهم اليومية وعلى الحكومة ان توفر الارادة القوية من اجل مكافحة هذا المرض الذي انتشر بشكل كبير بالعراق“.

وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، كشف في 26 اذار مارس الحالي، عن وجود ثلاثة أنواع من المتسولين: النوع الأول هم المتسولون المحتاجون، وهم الأشخاص الذين يكونون تحت خط الفقر، ويقومون بالتسول لتوفير أدنى مستوى من احتياجاتهم الفعلية، أما النوع الثاني فهم الأشخاص من الجنسيات غير العراقية ومن بينهم الهنود والسوريون، والنوع الثالث وهو متعلق بعصابات الجريمة المنظمة، التي تستغل المتسولين.

إقرأ أيضا