لأول مرة منذ عقود.. “الشلل” يضرب موانئ العراق ومصادر تكشف الأسباب

في خضم الحديث عن إكمال مشروع ميناء الفاو الكبير، الذي يفترض أن يحول العراق الى…

في خضم الحديث عن إكمال مشروع ميناء الفاو الكبير، الذي يفترض أن يحول العراق الى محطة تجارة دولية، تكاد موانئه الحالية تخلو من أي نشاط بحري لأول مرة في تاريخها بسبب عزوف التجار وتوجههم لصالح موانئ دول الجوار، وتحديدا تركيا والاردن والكويت، ما أفقدها نحو 60 بالمائة من ايراداتها، فيما عزت مصادر مطلعة متعددة، ذلك الى تعدد الجهات الرسمية وسيطرة الاحزاب عليها والأتاوات الكبيرة التي يلزم التجار بدفعها مقابل تخليص بضاعاتهم.

ويقول عضو ما يسمى “لوبي الضغط لانشاء ميناء الفاو”، النائب السابق وائل عبد اللطيف، في حديث لـ”العالم الجديد” إن “تعامل القائمين على الموانئ العراقية مع التجار ورجال الاعمال بصورة سيئة، أدى الى توجه التاجر الى ميناء يخدمه ويحترمه ويفرغ بضاعته بوقت سريع وأجور أقل من موانئ العراق”.

ويضيف عبداللطيف “يوم أمس (الأول) في موانئ البصرة توجد باخرة واحدة فقط، في حين كانت هذه الموانئ تكتظ بالبواخر”، مبينا ان “المشكلة تتعلق بادارة الموانئ وطريقة تعامل موانئ المعقل وابو فلوس وخور عبد الله مع التجار، حيث تتواجد مافيات لا تنوي إبقاء شيء في البلد، وقد تغلغلت بكل مفاصله الاقتصادية ووصلت الى الموانئ، بل انها هيمنت عليها منذ 2003”.

ويتابع “ما وصلنا اليه من حال فهو لا يسر صديقا، وكل هذا بسبب الاحزاب والهيمنة التي تمارسها، وفرضها شخصيات لا علاقة لها بالموانئ، ولهذا نشاهد هروب التجار من موانئ البصرة”.

وتعد الموانئ العراقية، من أبرز الملفات المعقدة منذ 2003، نظرا لسيطرة جهات متنفذة عليها وبعضها جهات مسلحة، وصل بها الحال، طيلة السنوات الماضية، الى شراء عدد من الأرصفة.

ويأتي “انهيار” عمل الموانئ بسبب الفساد، رغم إطلاق رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، حملة لمكافحة الفساد في المنافذ الحدودية، ومن ضمنها الموانئ العراقية، خلال زيارته الى ميناء ام قصر الشمالي في 15 تموز يوليو 2020، حيث وجه منه بحماية الحرم الجمركي في الموانئ من قبل قوات عسكرية ومنع أي قوة أو جهة تحاول الدخول إليه عنوة، كما وجّه بالحد من الإجراءات الروتينية المعقدة، والعمل على تدوير الموظفين للحد من الفساد، وأكد “الجميع تحت المراقبة، ولدينا معلومات عن الفاسدين في الموانئ ستتم ملاحقتهم قانونيا”.

من جانب آخر، فان العراق يسعى الى انشاء ميناء الفاو الكبير الذي سيكون نقطة ربط بين شرق اسيا واوروبا، وهو الاخر واجهته معوقات كثيرة، تمثلت بمحاولات ايران والكويت والامارات، لعرقلة بناء الميناء، لكونه سيؤثر على موانئ تلك الدول، فيما تحاول كل من هذه الدول، أن يكون الربط مع اوروبا عن طريقها.

وحول وضع الموانئ الحالي، وما تعانيه من فقدان الحركة التجارية وشبه توقف، يقول الناطق باسم نقابة البحريين العراقيين علي العقابي في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “موانئ العراق الان شبه خالية من البواخر، ومنطقة الانتظار تخلو من أي باخرة، في وقت كانت البواخر تصف واحدة الى جانب الاخرى وتكون منطقة الانتظار مليئة بها”.

ويتابع أن “التجار اتجهوا لموانئ الكويت والعقبة الاردني وتركيا، فهناك يفرغون بضاعتهم ويدخلونها برا الى العراق، وهذه الطريقة هي أقل تكلفة للتاجر من إدخالها عبر الموانئ العراقية، التي يدفع فيها الكثير من الاموال، إضافة الى عدم وجود تعامل جيد مع التاجر”، موضحا أن “هذا الأمر أفقد الموانئ ما نسبته 60 بالمائة من عملها”.

ويأتي هذا الحديث في ظل أزمة اقتصادية كبيرة يعاني من العراق، ومن المفترض ان تكون الموانئ احدى ابرز المنافذ المالية للبلد، وهذا ما جرى في العام 2014، بعد توقف الحركة التجارية البرية بسبب سيطرة داعش على عدد من المحافظات العراقية، وبحسب مدير الشركة العامة للموانئ عمران راضي، حيث قال في ذلك العام، إن طاقة الموانئ الاستيعابية وصلت الى 21 مليون طن، بعد أن كانت بحدود 9 ملايين طن سنوياً، ونخطط للوصول إلى طاقة استيعابية تبلغ 30 مليون طن في عام 2018.

وتضم محافظة البصرة (590 كم جنوب العاصمة بغداد)، خمسة موانئ تجارية، أقدمها ميناء المعقل القريب من مركز المدينة الذي تم إنشاؤه من قبل القوات البريطانية عام 1914، وكانت تستخدمه لأغراض عسكرية قبل أن تسلمه إلى السلطات العراقية عام 1937.

كما تضم المحافظة ميناء أم قصر الذي أنشئ عام 1965، وقد أعلنت وزارة النقل عام 2010 عن شطره إلى ميناءين جنوبي وشمالي، بينما شهد عام 1989 إنجاز مشروع بناء ميناء خور الزبير، وهو من موانئ الجيل الثاني لأنه يحتوي على أرصفة صناعية ومخازن لخامات الحديد والفوسفات وسماد اليوريا، وفي العام 1976 تم إنشاء ميناء أبو فلوس على الضفة الغربية لشط العرب ضمن قضاء أبي الخصيب.

الى ذلك، يكشف مصدر في الموانئ خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “حركة البواخر بدأت تنحسر في الموانئ العراقية، فهناك ارصفة فارغة، وهذا الامر حقيقي، فالحركة ليسبت بالحجم السابق”.

ويضيف المصدر، انه “بحسب النظام العالمي، فان الموانئ تكون خاضعة لسيطرة المشرفة عليها فقط، لكن في العراق، تجد مكاتب للامن الوطني وهيئة المنافذ الحدودية وهيئة المكارك وشركة الموانئ، بالاضافة الى مكاتب الاحزاب، وكلها جهات مستقلة لا ترتبط واحدة بالاخرى، وهذا ما ادى الى ان التجار عليه ان يمر على جميع هذه المكاتب لتخليص بضاعته، وفي كل مكتب يدفع رشى، وهذا لا يشجع اي تاجر ان ينقل بضاعته الى موانئ العراق”.

ويؤكد “من جهة اخرى، فان الكمارك العراقية، رفعت نسبة الكمرك بالموانئ فيما خفضته باقليم كردستان، ما حفز التجار على إيصال بضاعتهم الى تركيا او الكويت أو الاردن، ونقلها برا الى العراق، وخاصة عبر الاقليم من تركيا”، متابعا “في موانئ العالم توجد خدمات مجانية وتسهيلات كمركمية حتى تشجع البواخر على القدوم اليها، لكن في العراق هناك تعقيد كبير مع عدم وجود اي احترام او تسهيلات للتجار، بالاضافة الى ان طرق الشاحنات في الموانئ العراقية تشوبها الكثير من المشاكل الفنية”.

وكان وزير النقل الاسبق والنائب الحالي كاظم فنجان الحمامي، قال امس الاول، عبر منشور له في وسائل التواصل “باخرة واحدة في الميناء فقط، بينما تظهر بقية الأرصفة فارغة، ولا ذنب لشركة الموانئ، فالذنب كله ذنب الجهات المتطفلة عليها، والتي فتحت لها دكاكين شرهة، وموانع طاردة، وبؤر ابتزازية مستفزة”.

وتابع في منشوره “لن يستطيع التاجر والناقل والمستورد التعامل بعد الآن مع هذه الدكاكين التي لا هم لها سوى اختلاق الشروط والممارسات التعجيزية التي أرهقت السفن، وازعجت خطوط الشحن البحري، فاختارت اللجوء للموانئ البديلة، وهكذا أوصدت بواباتنا البحرية نوافذها مع العالم، بينما تقف الدولة برمتها موقف المتفرج من دون ان تضع في حسبانها حجم الأضرار والخسائر التي مُنيت بها”.

إقرأ أيضا