كيف أدارت الحكومات ملف استثمار الغاز العراقي؟

تعاقدات ومذكرات تفاهم دون نتائج تذكر، هذا ما يجري بشأن استثمار الغاز العراقي وفق خبير…

تعاقدات ومذكرات تفاهم دون نتائج تذكر، هذا ما يجري بشأن استثمار الغاز العراقي وفق خبير نفطي، الذي أكد ايضا ان عمليات الهدر مستمرة وبصورة متزايدة وهي تعادل ما يستورده العراق من الغاز الايراني، وهذا بالتزامن مع اعلان وزارة النفط ان شركة “بيكر هيوز” الامريكية هي الاقرب للفوز باستثمار الغاز في حقل “عكاز”، لكن تحقيق “طفرة سريعة” بهذا المجال امر مستعبد، حسب ما يرى خبير نفطي آخر، الذي ألقى ايضا باللائمة على “العشائر” التي تعرقل عمل هذه الشركات.

ويقول الخبير في الشأن النفطي ضياء المحسن في حديث لـ”العالم الجديد” إن “العراق له اتفاقات عدة مع شركات عالمية، ومنها شركة شل ومتسيوبيشي فيما يتعلق باستثمار الغاز، خاصة ونحن لدينا نوعان من الغاز وهما المصاحب والحر“.

ويضيف المحسن، أن “تفاهمات العراق مع شركة بيكر هيوز الأمريكية واجهت مشاكل فيما يتعلق باستثمار الغاز العراقي، ومنها ما يتعلق بالجانب الامني والدمار الذي حل في مناطق تواجد الغاز، ما أدى الى تلكؤ عمل هذه الشركة، لكن بعد عودة الاستقرار فان بامكان العراق الاستفادة من عمل الشركات“.

ويبين، أن “قطاع الغاز واعد، لأنه صديق للبيئة وأسعاره العالمية ثابتة دائما، خلافا لاسعار النفط، الذي يؤثر على اقتصاديات الدول التي تعتمد عليه”، متابعا أن “الغاز هو من الطاقة النظيفة وهو الجانب الذي يجب ان تراعيه الدول، وعدد كبير من المحطات الكهربائية في العراق تعتمد على الغاز المستورد خاصة من ايران، وبالتالي فان استثمار الغاز سيغذي عددا كبيرا من هذه المحطات، إضافة الى سد الطلب الكبير على غاز الطبخ المستهلك بشكل يومي“.

ويؤكد أن “العراق وقع عقدا مع شركة هانيويل العام الماضي لاستثمار الغاز، وهي الآن في بداية عملها، حيث أن العراق يعاني من سوء البنى التحتية، وفي قادم الايام ستظهر انجازات هذه الشركة على ارض الواقع”، مستدركا ان “تحقيق طفرة نوعية باستثمار الغاز خلال مدة قصيرة أمر مستبعد كون الجانب الامني مهما جدا في هذه الاتفاقيات، وبالتالي فهناك من يمارس ضغوطا على هذه الشركات، ومنها العشائر التي تغلق عددا كثيرا من المقار لعدم تشغيل ابنائهم في هذه الشركات، وبالتالي فهذه جميعها معرقلات وعلى الدولة أن تكون حاسمة في هذا الامر ومعالجته بالوقت القصير“.

ويستطرد أن “إنتاج العراق من الغار لا يتجاوز 500 مقمق، وهو رقم غير كاف، حيث ان الكميات المحروقة سنويا تقدر باكثر من 10 ملايين دولار، وهو رقم كبير“.

وكانت وزارة النفط، اعلنت في 1 نيسان أبريل الحالي، أن شركة “بيكر هيوز” الأمريكية للخدمات النفطية، هي الأقرب للفوز بعقد استثمار الغاز الطبيعي في حقل عكاز بمحافظة الأنبار غربي البلاد، كما هناك مفاوضات متقدمة مع الشركة، و(هي إحدى أذرع شركة جنرال إلكتريك الأمريكية)، وهناك احتمال كبير أن يتم توقيع العقد مع هذه الشركة وحدها، أو أنها تقود ائتلافا لتطوير الحقل.

ويحتوي حقل عكاز في الأنبار، وبحسب التقديرات على 5.3 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، لذا يعد من اكبر حقول الغاز في العراق.

وكانت الحكومة العراقية، وقعت عقدا مع شركة هانيويل الامريكية لمعالجة الغاز الطبيعي من حقل أرطاوي النفطي، وذلك خلال زيارة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي والوفد الوزاري الى الولايات المتحدة في 20 آب أغسطس 2020.

الى ذلك، يشير الخبير في الشأن النفطي عصري صالح موسى في حديث لـ”العالم الجديد” الى ان “عقد شركة بيكر هيوز، يخص حفر الابار، وعادة ما يتم العمل بصورة اعتيادية دون مشاكل“.

ويوضح ان “هذا العقد يختلف عما وقعه العام الماضي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في امريكا والمتعلق بالتطوير والاستثمار في مجالات أخرى، حيث انه يدخل ضمن جولات التراخيص ولن تدفع الحكومة اي أموال، وانما يدفع من قبل الشركات التي حصلت على التراخيص، ومنها شركة اكسون موبيل المستمثرة لحقل غرب القرنة، اضافة الى انه يمتد لسنين بمستوى 96 بئرا“.

ويؤكد ان “العراق وفي حال استثمر في هذا المجال، فهذا سيغنيه عن جميع مصادر الاستيراد، لكن هذا الامر يتأخر لسنين حتى يتم العمل به، وهو ما لاحظناه في شركة غاز البصرة التي بدأ العمل بها عام 2008، وهي الوحيدة التي اثمرت، اما البقية فلا أرى أملا بوقف الهدر في الغاز، بل على العكس نلاحظ أن عمليات الهدر والحرق بتزايد، حيث ان اقل من 50 بالمائة من الغاز يتم الاستفادة منه اما ما تبقى فيتم هدره، وهو يساوي ما يستورد من الغاز الايراني”، مبينا ان “أي مشروع استثماري للغاز فهو يحتاج إلى مدة لا تقل عن 3 سنوات حتى تتم الإستفادة منه“.

ويلفت الى ان “اللغز في كثرة التعاقدات الحكومية مع عدم الفائدة منها، يعود الى تداخل السياسة مع المجال النفطي، والثمن هنا باهظ جدا”، موضحا ان “ما وقعه العراق في السنوات السابقة عبر جميع الحكومات، فهي جميعها مذكرات تفاهم ولم ترتق إلى مستوى العقود، باستنثاء بيكر هيوز، اما الأخرى فهي عبارة عن نوايا، وكل حكومة تستلم زمام الامور فانها تحاول تمشيتها بشكل مؤقت لحين انتهاء مدتها وتذهب، وهكذا اصبحت سلسلة على مدى الحكومات السابقة“.

ويعد العراق ثاني دولة بعد روسيا في حرق الغاز المصاحب، وذلك وفق تصنيف عالمي، وقد قدرت إدارة معلومات الطاقة الامريكية ان العراق أشعل 629 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، بسبب عدم كفاية خطوط الانابيب والبنية التحتية لغاية الان، مبينة ان هذه الكمية المحترقة من الغاز تكفي لإمداد 3 ملايين منزل بالطاقة.

وكان العراق ايضا، قد وقّع في أيار مايو 2020، اتفاقا نهائيا قيمته 1.07 مليار دولار مع الشركة الصينية للهندسة والإنشاءات البترولية من أجل بناء وتشغيل مرافق لمعالجة الغاز الطبيعي المستخرج مع النفط الخام في حقل الحلفاية العملاق.

وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن افتقار حقول النفط العراقية لمعدات جمع الغاز، يؤدي سنويا الى حرق 18 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب للنفط.

وبحسب تقديرات دولية، فان هذا الحرق يكلف العراق 2.5 مليار دولار سنويا، او ما يعادل 1.55 مليار متر مكعب من الغاز يوميا، وهو ما يعادل 10 أضعاف ما يستورده العراق من ايران.

ويمتلك العراق احتياطيا مؤكدا من الغاز الطبيعي، يقدر بـ280 ترليون متر مكعب، أي (1.7 بالمائة) من الاحتياطي العالمي.

وبحسب إدارة الطاقة الأمريكية فان “70 بالمائة من الغاز العراقي هو غاز مصاحب، و30 بالمائة غاز طبيعي، وأن العراق يتلف 62 بالمائة من انتاجه من الغاز، أي ما يعادل 196 ألف برميل من النفط، ولو كان سعر البرميل 70 دولارا في المعدل الطبيعي، فان المبلغ المهدور 45 مليار دولار، وهو ما يكفي لانشاء صناعة غاز جديدة بالكامل.

وتنتشر حقول الغاز المصاحب والطبيعي في معظم المحافظات النفطية العراقية، بواقع 70 بالمائة في حقول البصرة (مجنون، حلفاية والرميلة)، 10 بالمائة في حقول كركوك، 20 بالمائة في المناطق الشمالية والغربية في البلاد، وذلك بحسب احصائية كاملة حصلت عليها “العالم الجديد” ضمن ملف الغاز، الذي نشرته العام الماضي.

إقرأ أيضا