“قفزة” بالأسعار وعزوف عن الشراء.. “العالم الجديد” تدخل أسواق الذهب العراقية

قفزة كبيرة سجلتها أسعار “المعدن الاصفر” في العراق، جراء تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار،…

قفزة كبيرة سجلتها أسعار “المعدن الاصفر” في العراق، جراء تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار، تجسدت بأجور النقل واسعاره الاساسية، إذ بلغ سعر كيلو غرام من الذهب المصاغ 70 مليون دينار بعد ان كان بـ40 مليونا، بحسب احد التجار، الذي كشف ايضا عن ارتفاع كبير بأجرة نقله لداخل البلد من الامارات وتركيا نتيجة تغير سعر الصرف، فيما أكد صاحب محل ان العائلات اتجهت الى بيع الذهب الذي بحوزتها بدلا من الشراء، ما ادى الى تكبدنا خسائر جراء انخفاض القدرة الشرائية.

ويقول علي الساعدي، وهو أحد مستوردي الذهب في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تغيير سعر صرف الدينار، لم تؤثر محليا على مستوى أجور الصياغة، بل أثرت على سعر المعدن الأساسي، وذلك لأن ورشة تصنيع الذهب المحلية تتعامل بالدينار العراقي مع العاملين والامور الاخرى، لذلك بقيت الاسعار ثابتة“.

ويوضح أن “المستورد شهد ارتفاعا كبيرا، وهذا ما لمسه المواطن، فجميع التعاملات بالنسبة لنا هي بالدولار، إذ أننا كتجار جملة نتعامل مع الخارج بالدولار أيضا، فالتأثير الأكبر وقع على المواطن”، مبينا أن “المواطن تعرض الى خسائر وأرباح بهذا المجال، فالذي اشترى الذهب بسعره السابق، حقق الان ارباحا كبيرة، إذ أن سعر الكيلو غرام من الذهب قفز من 40 الى 70 مليون دينار، لكن بائع الذهب المفرد، تضرر كثيرا بسبب انخفاض القدرة الشرائية الان، والمواطن بات عودة اسعار الذهب لطبيعتها حتى يشتري مرة اخرى“.

ويلفت الى ان “الذهب العراقي المحلي، وبغياب السيطرة النوعية انخفض عياره (والعيار هو نسبة الذهب للنحاس في المصوغات، وعلى أساسها يتم قياس عيار الذهب سواء، 18 او 21 او 22 او 24)”، مبينا أن “الذهب المحلي بات لا يصل الى عيار 21 في ظل غياب السيطرة النوعية، على عكس المستورد الذي يحمل ختما رسميا بالعيار، ويخضع للسيطرة النوعية، لذلك فان سعره أعلى من العراقي بمعدل 175 الف دينار (نحو 120 دولارا)“.

وحول الاسعار الحالية للذهب في السوق العراقية، يبين ان “مثقال الذهب (وهو 5 غرامات) يبلغ سعره 350 الف دينار ونحن نبيعه بـ360 الفا، بعد اضافة أجور العمل والنقل، بعد أن كان السعر يتراوح بين 230 الى 240 الف دينار”، متابعا أن “أجور النقل من خارج العراق قد تغيرت كثيرا، فبعد أن كان نقل الكيلو غرام بـ400 دولار، أصبحت الأجرة اليوم 2000 دولار“.

وفي أواخر 2020، اعلنت الحكومة عن تغيير سعر صرف الدينار، وبدلا من 1182 دينارا لكل دولار، أصبح السعر الجديد 1450 دينارا لكل دولار، ما أثار موجة سخط شعبية كبيرة، خاصة بعد ارتفاع المواد الغذائية الاساسية، وكرس هذا الامر في الموازنة الاتحادية التي صوت عليها مجلس النواب في 31 اذار مارس الماضي، أخذت الاسعار بالارتفاع مجددا في ظل تذبذب سعر صرف الدولار في السوق المحلية.

وفي العراق، يدخل سعر الدولار بالسوق المحلية في عملية حساب سعر الذهب الرسمي، الذي يتذبذب في البورصة العالمية حسب العرض والطلب، على عكس بعض الدول الاخرى التي تعتمد على سعره العالمي فقط، مع إجراء عملية حسابية لتحويله الى عملتها المحلية، وهذا الامر استجد في العراق بعد عام 2003، حيث كان الذهب في السابق مرتبطا بسعر رسمي تحدده الدولة يوميا.

ولغاية 2003، كان على صاحب ورشة صياغة الذهب، التوجه لجهاز التقييس والسيطرة النوعية، لفحص مصوغاته وختم كل قطعة منها بختم رسمي، يحمل رقم عيارها، سواء 18 او 21، وهذا ما فقده البلد بعد 2003 في ظل غياب الرقابة على المحال والورش، ما ادى الى انخفاض عيار الذهب نتيجة لتلاعب كبير بنسبته مقابل النحاس، وهو ما دفع المواطنين الى الاعتماد على شراء الذهب الاماراتي والتركي، فضلا عن تنوع الموديلات التي يفتقر لها الذهب المحلي.

من جانبه، يؤكد احمد ضامن، وهو صاحب محل لبيع الذهب بالمفرد، في حديثه لـ”العالم الجديد” أن “من الطبيعي تأثر أسعار الذهب بارتفاع اسعار الدولار، كون الارتباط بينهم متعلقا بالسعر العالمي، وبالتالي فان أي ارتفاع في صرف الدولار سيؤدي لارتفاع بقيمة الذهب، وهو ما حصل خلال الفترة الماضية التي شهدت ارتفاعا كبيرا بالسعر“.

ويشير ضامن الى أن “هذا الصعود أثر وبشكل ملحوظ على القوة الشرائية بالنسبة لنا نحن كبائعي المفرد وليس على تجار الجملة، إذ اصبح المواطن يفكر ببيع ما يمتلك من ذهب، نظرا للارتفاع الهائل باسعاره وتحويله الى نقود على أمل ان يعود للانخفاض من جديد“.

ويلفت الى أن “الإقبال على شراء الذهب من المواطن، صار أقل من السابق، فالمواطن مرغم على الشراء بسبب الكثير من المناسبات، ومنها الزواج، الذي لا يمكن اتمامه من دون الذهب”، أن “هذه التغييرات التي طرأت على سعر الدولار، تسببت برفع سعر المثقال الواحد من الذهب بنحو 128 ألف دينار عن سعره السابق“.

وشهدت تجارة الذهب في العراق ازدهارا كبيرا في السنوات ما بين 2010 لغاية 2014، إذ كانت تلك الفترة اشبه بـ”الذهبية” في ظل استقرار الوضع الاقتصادي وارتفاع اسعار النفط العالمية وعدم وجود مشاكل في دخل المواطن، الامر الذي شجع الكثيرين من اصحاب رؤوس الاموال على الاستثمار في سوق الذهب، حيث شهد افتتاح محال بيع المفرد او الجمل.

ويشار الى ان العاصمة الاقتصادية التركية اسطنبول، تضم مجمعا بمساحة كبيرة جدا متعدد الطوابق، وفيه ورش تصنيع الذهب ومحال البيع بالجملة، واغلب اصحابها هم من العراقيين والعرب، وتقع على عاتق هذا السوق، الذي هو ليس الوحيد في المدينة، التعامل مع صاغة الذهب في العراق وتصديره لهم.

الى ذلك، يشكو المواطن حسن عيدان (وهو موظف بشركة اهلية)، في حديثه لـ”العالم الجديد” من عدم قدرته على توفير مستلزمات الزواج، قائلا “لا استطيع تدبر تكاليف الزواج، خاصة ما يتعلق بالذهب، الذي شهدت اسعاره ارتفاعا كبيرا“.

ويوضح عيدان “بالنظر الى صعود سعر الدولار في العراق، فان أغلب الاحتياجات الاساسية ارتفعت، خاصة المرتبطة بالدولار، ومنها الذهب الى وصل الى 400 الف دينار للمستورد”، مؤكدا أن “كل قرارات الحكومة هي عكس مطالب المواطن العراقي، وخاصة الموازنة، فهي أقرت لصالح الحكومة فقط“.

ويمر الذهب المستورد من قبل التجار في شارع النهر وسط بغداد، بمراحل عديدة، اهمها نقله عبر مطارات اقليم كردستان، وذلك لانخفاض التكاليف مقابل التكاليف التي يفرضها مطار بغداد الدولي، وخلال سيطرة داعش على اجزاء من العراق عام 2014، عاد الاستيراد عن طريق بغداد بعد تسهيلات قدمتها الحكومة الاتحادية في وقتها.

ويعد الذهب في العراق، من الصناعات التقليدية والقديمة جدا، وتعود الى أواخر القرن التاسع عشر، وقد شهدت ازدهارا كبيرا في مطلع القرن العشرين، إبان وجود العائلات اليهودية وسط بغداد، ومن ثم انتقلت هذه المهنة الى طائفة الصابئة المندائيين، الذين اشتهروا بها وسيطروا على اغلب مفاصلها في منتصف القرن السابق، قبل بدء هجرتهم الى خارج العراق.

إقرأ أيضا