ترحيب واتهام.. هل تعيد زيارات الكاظمي الخليجية تشكيل هوية العراق السياسية؟

بخطى متسارعة، تسير الحكومة العراقية نحو محيط عربي منفتح عليها في محاولة للحصول على إسناد…

بخطى متسارعة، تسير الحكومة العراقية نحو محيط عربي منفتح عليها في محاولة للحصول على إسناد بشأن أزمات البلد الاقتصادية، وآخرها زيارة رئيس الحكومة الى الامارات، والتي انتهت باستثمارها لـ3 مليارات دولار في العراق. وفيما باركت زعامات وكتل سياسية شيعية الزيارة، وصفت من قبل أخرى، بأنها جاءت لـ”تدارك” ما يمكن تداركه بعدما تم “كشفه” بشأن اختراق أبوظبي للمخابرات العراقية، في حين، يجمل محلل سياسي تحرك الحكومة نحو الدول العربية بـ5 نقاط هدفها تشكيل “صورة جديدة” للبلد وأنه “غير مرتبط بايران“.

 

ويقول القيادي في تيار الحكمة الوطني محمد اللكاش، في حديث لـ”العالم الجديد” إن “رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ومن خلال زياراته إلى دول الخليج يريد ان يفتح افاقا جديدة للتعاون بين العراق وبين دول المنطقة، سواء اقتصاديا او سياسيا، وذلك عبر محاولة ترميم العلاقات المتذبذة بسبب الأوضاع التي تشهدها المنطقة“.

ويضيف اللكاش، أن “من الطبيعي ان يلعب العراق دورا رئيسيا في ظل المشاكل الاقتصادية التي تواجه العالم، خاصة وانه يمر بوضع حرج من ناحية الصراع الايراني الامريكي، والامارات هي حليف للولايات المتحدة الأمريكية، إضافة الى انه مقبل على انتخابات مصيرية من اجل اطفاء شرارة الشارع العراقي المطالب بالتغيير، لذا فان هذه التحركات تصب جميعها في اطار التعاون المشترك للعبور بالبلاد إلى بر الامان“.

ويبين أن “العراق هو من الدول ذات التأثير القوي بالمنطقة لما يتمتع به من موقع حساس، والهدف من هذه الزيارات التي شملت السعودية والإمارات، خاصة وهما من الدول المؤثرة بالمنطقة، اضافة إلى القمة الثلاثية، فهي جميعا تدفع بالعراق إلى اخذ مكانته الطبيعية والمؤثرة بالمنطقة“.

وقد وصل يوم امس رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الامارات العربية المتحدة، وأجرى لقاءات عديدة، ابرزها مع نائب رئيس الدولة محمد بن راشط آل مكتوم، وصدر في نهاية زيارته بيان مشترك، تضمن: الجانبان اتفقا على أهمية تطوير وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية، وتنمية التجارة وزيادة التبادل التجاري، وتشجيع حركة الاستثمار بين البلدين، ودعوة رجال الأعمال من البلدين لتبادل الزيارات، وتأسيس مجلس الأعمال العراقي- الإماراتي، وتسهيل جميع الإجراءات التي تخدم مصلحة البلدين، إضافة الى استثمارها الامارات مبلغ ثلاثة مليارات دولار في جمهورية العراق، وتهدف المبادرة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية وخلق فرص جديدة للتعاون والشراكة، ودفع عجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي والتنموي لدعم الشعب العراقي .

رسائل الفصائل

بالتزامن مع وصول الكاظمي الى الامارات، تعرضت قاعدة بلد الجوية العسكرية، في محافظة صلاح الدين الى استهداف بصاروخين، سقطا في الجدار الخارجي لها، وذلك في ظل أحاديث كثيرة أثارتها جهات مسلحة في العراق حول “سيطرة” الامارات على جهاز المخابرات العراقي، والتحكم به، فضلا عن توجيه الاتهام لرئيس الحكومة، الذي يدير الجهاز ايضا، بـ”التورط” بهذا الامر ايضا.

وتضم قاعدة بلد الجوية، اسرابا لطائرات عراقية مقاتلة، ويأتي استهدافها تحولا في مسار عمليات الاستهداف الجارية في العراق منذ اكثر من عام، حيث غالبا ما يتم استهداف المواقع والعجلات العسكرية الاجنبية، باستثناء استهدافات معدودة جرت ضد القوات العراقية، ومنها ما أدى الى تدمير اجزاء من طائرة عراقية في العام 2020.

وبشأن هذه الزيارة يقول محمد عبد الكريم البلداوي، النائب عن كتلة صادقون المرتبطة بحركة عصائب اهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، إن “التدخل الإماراتي كان واضحا، وبدأت الان رائحة هذا التدخل تفوح كثيرا، واتضحت الاموال التي انفقتها بداخل العراق خلال التظاهرات لاسقاط هيبة الدولة، ولذلك فان الكاظمي أستبق الأحداث، لا سيما بعد الكشف عن تدخل المخابرات الاماراتية وتجنيدها لبعض المرتزقة في العراق“.

ويشير البلداوي الى ان “التواجد الاماراتي والخليجي بات واضحا من خلال الاشخاص الذين قبض عليهم في العراق من جنسيات تابعة لهذه الدول”، مبينا ان “الكاظمي تدارك الوضع من خلال زيارة الامارات، فهذه الزيارة تهدف لايقاف او الحد من هذا التدخل، خاصة بعدما كشف الشيخ قيس الخزعلي عن هذا التدخل الصريح“.

وفيما يخص الاتفاقيات الاقتصادية، يلفت الى انه “لا يمكن ان نترك بلدانا كبيرة وذات اقتصاد كبير، مثل الصين والمانيا ونذهب إلى مصر والاردن والإمارات، هذا غير معقول”، مستدركا “يجب ان نفكر بمصلحة الوطن، بعيدا عن العاطفة والمجاملة، ويجب ان نذهب إلى بلدان قوية اقتصاديا وتمتلك شركات قادرة على النهوض بوضع العراق“.

وبشأن استهداف قاعدة بلد الجوية، يوضح ان “الجهل السياسي والفوبيا لدى البعض جعلهم يتخيلون ويتفننون في الصاق التهم بفصائل المقاومة”، مؤكدا أن “الحشد الشعبي اذا اراد ان يفعل شيئا فلن يقف بوجهه احد، بل هو الان جزء من المنظومة الامنية وانه يرفض مثل هذه الأعمال“.

التسلسل الزمني

بدأت الزيارات الرسمية العراقية الى الامارات في كانون الاول ديسمبر 2018، حيث زارها رئيس الجمهورية برهم صالح، وحظي باستقبال رسمي من قبل رئيس الامارات، وجاء في وقتها بعد اشهر قليلة من تشكيل الحكومة عقب الانتخابات النيابية التي جرت في ذلك العام.

وفي 11 شباط فبراير الماضي، أجرى صالح زيارة اخرى للامارات، لكنها كانت مفاجئة ودون اي استقبال رسمي، وما تسرب عنها فقط صورة وحيدة للقاء جمعه مع ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد آل نهيان.

وقبل فترة وجيزة منذ اواسط اذار مارس الماضي، بدأ الحديث عن سيطرة المخابرات على جهاز المخابرات العراقي، وذلك عقب قرار اصدره الكاظمي، يقضي بنقل 300 ضابط من الجهاز الى المنافذ الحدودية.

وخلال الحديث عن هذا الاختراق، الذي تبنته حركة عصائب اهل الحق وزعيمها قيس الخزعلي، أجرى الكاظمي زيارة الى السعودية، بتاريخ 31 اذار مارس الماضي، على رأس وفد حكومي كبير، وفيها جرى الاعلان عن إقامة صندوق برأسمال 3 مليارات دولار، مساهمة من السعودية في تشجيع الاستثمار بالعراق، كما أكدا على استمرار التعاون وتنسيق المواقف في مجال النفط.

وسبق زيارة الكاظمي الى السعودية، زيارة وزيري الخارجية والداخلية العراقيين الى السعودية وقطر، فضلا عن عقد وزراء خارجية العراق ومصر والاردن اجتماعا وحدد فيه موعد عقد القمة الثلاثية في العاصمة بغداد، وكان من المفترض ان تجري في أواخر اذار مارس الماضي، لكن حادث تصادم قطارين في مصر، أدى الى تأجيل القمة.

وحول هذه الزيارة، نشر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، تغريدة على حسابه الشخصي بموقع تويتر قال فيها “انفتاح العراق على الدول العربية خطوة نحو الطريق الصحيح سواء في ذلك زيارة الأخ الكاظمي للمملكة العربية السعودية أو الإمارات المتحدة الشقيقتين، فإن لنا مع الدولتين تاريخاً زاخراً ولنحصل معهم على مستقبل زاهر تجمعنا وإياهم الأخوة والشراكة والسلام من أجل مصلحة بلدنا وبلدانهم… وليكون العراق محور السلام في المنطقة أجمع والشرق الأوسط بالخصوص“.

5 نقاط

في هذا الصدد، يلخص رئيس مركز التفكير السياسي احسان الشمري، في حديث لـ”العالم الجديد” تحركات العراق نحو الدول العربية بـ5 نقاط، قائلا، إن “الكاظمي يريد ان يعيد مبدأ التوازن في العلاقات الخارجية وانهاء العلاقات الاحادية، التي وصف بها العراق وانه تابعا لايران، وينتظر توصيات حلفاء ايران لتحديد مساره“.

ويبين الشمري أن “الامر الثاني، هو ان الفلسفة التي تنطلق منها الحكومة الان تعتمد على المحيط العربي، المساعد والمكمل والرافع لازمات العراق الداخلية”، متابعا ان “الامر الثالث هو التاكيد على هوية العراق العربية، تلك الهوية التي غابت كثيرا نتيجة سياسيات واخطاء القوى السياسية وبعض الحكومات التي حاولت رهن العراق اقليميا، بشكل اكبر من النظر الى انه يمكن الوثوق بالعالم العربي، والان هناك محاولة لتصحيح هذا الامر“.

ويستطرد أن “الأمر الرابع، دول الخيلج، واذا ما نظرنا الى السعودية والامارات والكويت، فان هذه الدول تمثل دول الارتكاز للرؤية العراقية نحو الدول الخليجية، خصوصا وان هذه الدول الثلاث تمتلك السبق الكبير في العلاقات الخارجية والدبلوماسية، فضلا عن ريادتها الاقتصادية وهذا ما يبحث عنه العراق“.

ويتابع ان “الامر الخامس، هو ان العراق ينظر الى دولة الامارات والسعودية، على انهما بوابة للعودة للمنظومة العربية، والعراق بحاجة الى هذه العودة وتشكيل صورة جديدة عنه وتمتين العلاقات مع الدول العربية“.

إقرأ أيضا