الجولة الثالثة للحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن.. حصيلة ونتائج

حسم الحوار الاستراتيجي العراقي الامريكي الجدل بملف انسحاب القوات الامريكية، تاركا التوقيتات الزمنية لانسحاب القوات…

حسم الحوار الاستراتيجي العراقي الامريكي الجدل بملف انسحاب القوات الامريكية، تاركا التوقيتات الزمنية لانسحاب القوات القتالية من البلد الى مباحثات فنية تجرى لاحقا، وذلك خلال عقد الجلسة الثالثة من الحوار أمس الأربعاء، والتي رافقتها اعتراضات ومطالبات من جهات عراقية متعددة، تركزت جميعها حول هذا الملف، مع تحميلها الحكومة العراقية مسؤولية حسمه وتحديد فترة زمنية للانسحاب.

وبحسب البيان الختامي للحوار الاستراتيجي الذي نشرته السفارة الامريكية في بغداد، فانه وفقاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 الخاصة بعلاقة الصداقة والتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية، ترأس وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، ووزير الخارجية الامريكي، أنطوني بلينكن، وفدي جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية في اجتماع لجنة التنسيق العليا عبر المهاتفة المرئية.

ويشير البيان، الى أن “العراق والولايات المتحدة يدركان الصعوبات التي تسبب بها فيروس كورونا وتباطؤ الاقتصاد العالمي، وأعادا التأكيد على شراكتهما الاقتصادية القوية، كما أثنت الولايات المتحدة على الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة العراقية الخاصة بالانضمام إلى اتفاقية نيويورك للتحكيم وإدخال نظام (منح التأشيرات عند الوصول) من اجل تعزيز التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي، ويعتزم كلا البلدين العمل بشكل وثيق مع بعضهما فيما يلتزم العراق بتنفيذ الإصلاحات من اجل تنويع اقتصاده، وتحسين مناخ العمل، وتقديم المساعدة لإنشاء قطاع خاص أكثر حيوية. وجدد الوفد الأمريكي تأكيده أنه بإمكان الشركات الأمريكية تقديم المساعدة في تنويع الاقتصاد العراقي من خلال الاستثمار في المشاريع التي من شأنها خلق فرص العمل وتحسين الخدمات العامة والمساعدة في تطوير موارد الطاقة في البلاد“.

وبشأن ملف الطاقة، فيشير البيان الى أن الولايات المتحدة أعربت “عن دعمها للجهود التي بذلها العراق لإصلاح قطاع الطاقة من اجل توفير طاقة كهربائية رخيصة بانقطاعات اقل للمواطنين، وأكد البلدين دعمهما لقرار العراق الخاص بتنويع مصادر طاقته من خلال بناء وتقوية أواصر العلاقات مع دول الجوار كالأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، والمضي قدماً في مشاريع ربط الشبكة الكهربائية“.

فيما نافشت الجولة من الحوار ملف التظاهرات والانتخابات المقبلة، وبحسب البيان فان “الولايات المتحدة جددت تأكيدها على احترام سيادة العراق وسلامة أراضيه وحرية التعبير التي يكفلها الدستور العراقي، وناقش الوفدان السبل التي يمكن للولايات المتحدة ان تدعم من خلالها الحكومة العراقية فيما يخص توفير الحماية للمتظاهرين السلميين ونشطاء المجتمع المدني وتحقيق المساءلة القانونية، ورحب العراق بدعم الولايات المتحدة للانتخابات البرلمانية من خلال تمويلها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق“.

وفيما يخص انسحاب القوات الامريكية والملف الامني بالعراق، اكد البيان على ان “الطرفين أكدا على رغبتهما المشتركة بمواصلة التنسيق والتعاون الثنائي، كما اكدا ان وجود القوات الامريكية في العراق جاء بناءاً على دعوة الحكومة العراقية لغرض دعم القوات الأمنية العراقية في حربها ضد داعش. وفي ضوء تطور قدرات القوات الأمنية العراقية توصل الطرفان الى ان دور القوات الامريكية وقوات التحالف قد تحول الان الى المهمات التدريبية والاستشارية على نحو يسمح بإعادة نشر المتبقي من القوات القتالية خارج العراق، على ان يتفق الطرفان على التوقيتات الزمنية في محادثات فنية مقبلة. يعكس هذا التحول في طبيعة مهمات القوات الامريكية والقوات الدولية الأخرى من العمليات القتالية الى التدريب والتجهيز والمساندة نجاح شراكتنا الاستراتيجية ويضمن دعم الجهود المتواصلة للقوات العراقية لضمان ان داعش لن تهدد استقرار العراق مجددا“.

وفي ذات الملف، لفت البيان الى ان “الحكومة العراقية جددت التزامها بحماية أفراد وقوافل التحالف الدولي والبعثات الدبلوماسية التابعة لدوله، وقد شدد البلدان على ان القواعد التي يتواجد بها افراد التحالف هي قواعد عراقية وهم موجودون فيها حصرا لدعم جهود العراق في الحرب ضد داعش. وينوي البلدان مواصلة المحادثات عبر لجنة عسكرية مشتركة لضمان انسجام عمليات التحالف الدولي مع احتياجات القوات الامنية العراقية، وبضمنها قوات البيشمركة“.

وحول ملف التعليم، فان البلدين ناقشا “دعم الولايات المتحدة للجهود التي يبذلها العراق لتعزيز التعليم العالي بالتعاون مع الجامعات الأمريكية من خلال برنامج فولبرايت  (Fulbright)، ومبادرة شراكة التعليم العالي للسفارة الأمريكية (Higher Education Partnership Initiative)، والدعم الأمريكي الموسع لمبادرة الجامعات في المناطق المحررة (Liberated Universities Initiative). كما يعتزم البلدان تحديد سبل إضافية لدعم خطط العراق الرامية لإصلاح التعليم العالي وتعزيز الشراكات الجامعية بين العراق والولايات المتحدة“.

واخيرا، ناقشت الجولة الملف الثقافي والتراثي، وبحسب البيان فان “الوفدين استعرضا التقدم المحرز في جهودهما المشتركة للحفاظ على التراث الثقافي الغني للعراق والتنوع الديني وأكدا عزمهما على التعاون لإعادة الممتلكات الثقافية العراقية التي أدخلت الى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، إلى مكانها الصحيح في العراق، كما ناقشا التقدم الذي أحرز فيما يتعلق بمنحة أمريكية لمؤسسة سميثسونيان (Smithsonian Institute) خاصة بمواصلة وتوسيع مشروع إنقاذ نمرود  (Nimrud Rescue project)، دعماً لأهداف العراق بالحفاظ على التراث الثقافي. وناقش الوفدان الاستفادة من المعارض الافتراضية في نشر المنجزات الثقافية والتاريخية للشعب العراقي حول العالم“.

المواقف الرسمية

رسميا، أعلن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي ان “نتائج الجولة الثالثة من الحوار الإستراتيجي بوابة لاستعادة الوضع الطبيعي في العراق، وبما يستحق العراق، وهو إنجاز جدير أن نهنىء به شعبنا المحب للسلام“.

وبين ان “الحوار هو الطريق السليم لحل الأزمات، شعبنا يستحق أن يعيش السلم والأمن والازدهار، لا الصراعات والحروب والسلاح المنفلت والمغامرات“.

من جانبه، وصف مستشار الامن القومي قاسم الاعرجي، الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بـ”الناجحة”، مبينا أن “الجانب الأمريكي تعهد بسحب “عدد مهم” من قواته من العراق، وتحدثنا خلال الحوار عن التقدم الذي أحرزته قواتنا في مكافحة الإرهاب، واتفقنا على تولي قواتنا الأمنية مهمة محاربة داعش“.

واضاف الاعرجي، ان “العراق أكد على حماية الكوادر الأجنبية، كما تم الاتفاق على عدم وجود قواعد أجنبية في العراق”، متابعا ان “العراق أكد التزامه بحماية أفراد وكوادر البعثات الدبلوماسية“.

ولفت الى ان “الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي كانت باشراف رئيس الوزراء”، مؤكدا انه “لا قواعد عسكرية أميركية في العراق“.

اما وزير الخارجية فؤاد حسين، فقد تضمنت كلمته خلال جولة الحوار، انه “لا يخفى إننا واجهنا معاً (بغداد وواشنطن) العديدَ من التحديات الأمنيةِ خلال المرحلة الماضية، وأودُ أن اشيرَ إلى اشادةِ حكومة العراق بالجُهُود التي تبذلها حكومةِ الولاياتِ المتحدةِ الامريكية لتأهيلِ وتدريبِ القوات الأمنيةِ العراقيّة وتجهيزها وتقديم المشورةِ في المجال الاستخباري وصولاً إلى الجاهزيةِ المطلوبةِ في اعتمادها على قُدراتها الذاتيةِ بما يعززُ سيادةَ العراق وأمنهِ والحفاظ على مكتسباتهِ بدحرِ تنظيمِ داعش الإرهابيّ“.

واشار الى انه “في هذه المناسبة أثمنُ عالياً التعاونَ والتنسيق المُشترك بين القوات الأمنيّة العراقيّة على اختلاف صنوفها مع قوات التحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي شاركت وما تزال في دحر ” تنظيم داعش الإرهابيّ ” لاستكمالِ القضاءِ النهائيِ عليه، بوصف التنظيم الإرهابيّ خطراً ليس على العراق وسوريا فحسب، بل على المنطقةِ برمتها وانعكاس ذلك على الأمنِ والسلمِ الدوليين“.

وأكد أن “قواتنا الأمنية لا تزالُ بحاجةً إلى البرامج التي تُقدمها الولاياتِ المتحدة الأمريكيةِ المتعلقةِ بالتدريبِ، والتسليحِ، والتجهيز، وتطوير الخبرات، ونسعى إلى مواصلة التنسيقِ والتعاون الأمنيّ الثنائيّ. ونؤكّدُ التزام حكومةِ العراق بحمايةِ أفراد البعثات الدبلوماسيةِ ومقرّاتها ومنشآتها“.

ماذا جرى خلال الحوار؟ 

البداية من فجر يوم الاربعاء، حيث أصدرت الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية، بيانا تضمن 8 نقاط، وابرز ما جاء فيه “نرفض مقدمًا البيان المهلهل المزمع إصداره عن هذه اللجنة، ونطالب مرة أخيرة ونهائية؛ بإعادة تشكيل لجنة الحوار من الشخصيات المشهود لها بالكفاءة، والنزاهة، والوطنية، والخلفية الأكاديمية، وأن يكون اختيارهم بطريقة شفافة، وبالتشاور مع الأطراف السياسية والوطنية المختلفة، وأن لا تضم اللجنة -التي سوف تُشَكّل- بين أعضائها شخصيات يحملون الجنسية الأميركية أو البريطانية؛ فليس من المعقول أن يحاور شخصٌ بلدَه الذي يحمل جنسيته، ويُعَدُّ مواطنًا من مواطنيه!، أن تُشَكَّل لجنة موازية من الشخصيات العلمية والأكاديمية والسياسية؛ تكون وظيفتها وضع خارطة الطريق للجنة الحوار، ومتابعة عملها، والنتائج المترتبة على الحوار الذي تجريه بصورة متواصلة“.

وتضمن بيان الهيئة ايضا أن “يكون على رأس خارطة الطريق وباكورة أعمالها؛ تنفيذ قرار الشعب، ومجلس النواب العراقي بإخراج القوات الأميركية، والقوات الاجنبية جميعها من الأرض العراقية، على أن يتضمن ذلك الأجواء العراقية وحمايتها بالكامل، ومنع أيَّ طيران أجنبي من انتهاكها، أن نُفِيَ هذا الشرط، ولم يُحَقَّق، ولم يُضَمَّن في بيان اللجنة الحالية؛ فلا معنى، ولا قيمة لكل ما يلي ذلك من حوار، أو اتفاقات في بلاد منتهَكَة السيادة، مستباحة الأرض والحدود والسماء والقرار، أن يُحَدَّد سقفٌ زمنيٌ واضحٌ لهذا الحوار، كما يجب تحديد سقفٍ زمني، لتطبيق مخرجات هذا الحوار، ولا يمكن القبول بسياسة الوقت المفتوح الذي يعني: المماطلة، التسويف، إضاعة المطالب!، إنَّ المقاومة العراقية التي أثبتت التزامها بكل التعهدات التي قدمتها، بناءً على طلبات متكررة وملحة من جهات عراقية عديدة؛ هي في الوقت نفسه تمتلك القدرة العالية، والجهوزية التامة لفتح جبهات واسعة على وجود الاحتلال الأميركي كله في العراق، وتوجيه ضربات مُرَكّزة وموجعة لهذا الوجود كله“.

وبالتزامن مع البيان المطول لهيئة الفصائل، أصدر رئيس تحالف الفتح هادي العامري، بيانا مقتضبا قال فيه “ندعو الى وضع جدول زمني محدد بفترات زمنية قصيرة لانسحاب القوات القتالية الاجنبية من العراق، وندعو لإعادة السيطرة العراقية على الاجواء بالكامل وكذلك القواعد الجوية في عين الاسد وحرير”، مؤكدا ان “سنتابع بشكل دقيق مخرجات جولة الحوار واملنا كبير بالمحاور العراقي من اجل تحقيق الاستقرار الأمني“.  

وفي السياق ذاته، قال زعيم حركة عصائب اهل الحق قيس الخزعلي، في بيان ان “الكلام بأن العراق بحاجة الى قوات أجنبية مقاتلة ليدافع عن أرضه هو استهانة بالمؤسسات العسكرية والأمنية العراقية وفي مقدمتها الجيش العراقي والحشد الشعبي“.

وبين الخزعلي، ان “العراقي استطاع بمقاتليه أن ينتصر على المشروع الداعشي ومن يقف خلفه، دون الحاجة إلى أي مقاتل أجنبي”، مردفاً أنه “ومع النقاش أن العراق بحاجة إلى طيران التحالف الدولي، فإن ما موجود حالياً هي ضربات جوية محدودة وبفترات متباعدة ضد تنظيمات داعش الارهابية الذي تحولت ستراتيجيته من تهديد عسكري الى تهددي أمني“.

 

ورأي ان “العلاج الصحيح لمعالجة هذا الاشكال ليس باستمرار الاتكال على قوات جوية أجنبية، وانما باكمال القدرات العراقية، وذلك بالاسراع في تصليح وادامة طائرات الـ(أف 16) العراقية والاعتماد على طيران الجيش العراقي“.

ومن وجهة نظر مغايرة، رأى زعيم تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم، في تغريدة له عبر حسابه على موقع تويتر ان “ما تمخض من جولة الحوار الاستراتيجي، الإيجابية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية أمر يبعث على السرور ويدل على رصانة وحرفية ومهنية ووطنية الوفد العراقي المفاوض في رسم معالم العلاقة المستقبلية بين البلدين“.

وفي هذا الاطار، كتب رئيس مركز التفكير السياسي احسان الشمري تغريدة على حسابه بموقع تويتر قال فيها “ستساعد الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن الرئيس بايدن في وضع الخطوط العامة لمقاربته تجاه العراق“.

يذكر انه في 11 حزيران يونيو 2020، عُقدت عبر تقنية الاتصال المرئي جولة مناقشات في إطار الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، ونوقش خلالها علاقات الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين بموجب اتفاق “الإطار الاستراتيجي” المبرم عام 2008.

وفي 18 آب اغسطس 2020، وصل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي على رأس وفد حكومي كبير الى العاصمة الامريكية واشنطن، في زيارة هدفت الى احياء الجولة الثانية من الحوار الستراتيجي، وفيها أجرى الكاظمي لقاءات مع الرئيس الامريكي واعضاء في الكونغرس وسياسيين، فضلا عن ابرام عدة اتفاقيات مع الشركات الامريكية في مجالات مختلفة.

إقرأ أيضا