من “اللبلبي” لحلويات رمضان.. عربات جوالة تبحث عن رزقها بين السكارى والصائمين

فتح غطاء القدر بسرعة كبيرة، فارتفع بخار كثيف ممزوج برائحة الحمص المسلوق (ويعرف شعبيا باللبلبي)،…

فتح غطاء القدر بسرعة كبيرة، فارتفع بخار كثيف ممزوج برائحة الحمص المسلوق (ويعرف شعبيا باللبلبي)، وفي هذه الاثناء وهو يجهز إناء صغيرا لاحد الزبائن، قال “نعمل الان ببيع اللبلبي، واغلب عملنا يتركز على محتسي الخمور، لكن في شهر رمضان نغير عرباتنا ونبيع الحلويات الرمضانية، نظرا للاقبال عليها من قبل الصائمين”.

خلال توقفنا عند عربة “عامر احمد”، والتي تقع قرب احد النوادي “البارات”، وسؤاله عن طبيعة عمله في شهر رمضان، حيث تغلق كافة محال بيع الخمور والنوادي، أوضح “بكل صراحة ومن دون أي احراج، أنا مستعد لبيع اي شيء وفي اي موسم في سبيل الحصول على لقمة العيش لي ولاطفالي الثلاثة”.

“موضوع بيع اللبلبي يكثر في فصل الشتاء بالتحديد كونه حارا، والاقبال يزيد علينا نحن كباعة متجولين في هذا الموسم، اضافة إلى من يحتسون الخمور، فاللبلبي مفضل لديهم، إذ يتناولونه مع احتساء الكحول، حتى اننا دائما ما نختار اماكننا بالقرب من البارات، ولدينا زبائن كثر”، هكذا يصف احمد طريقة عمله.

لكن لهذه المهنة معوقات كثيرة، وخاصة في ازمة تفشي كورونا التي أدت الى اغلاق النوادي بصورة متقطعة، فضلا عن حظر التجوال، وبجانب هذه الاجراءات الصحية، التي يخضع تطبيقها الى تطورات الوضع الصحي العام، يصادف بعد ايام بداية شهر رمضان، وفيه تغلق كافة الاماكن الترفيهية الخاصة ببيع المشروبات الكحولية او احتسائها، وهنا يقول احمد “العديد منا، وكما ذكرت سابقا باننا مستعدون لبيع اي شيء في سبيل توفير متطلبات حياتنا خاصة، وان اغلبنا ممن يسكن بالايجار، وبالتالي فان صاحب العقار لا يعرف شهر رمضان او اي شيء، سوى انه يريد منا مبلغ الايجار عند أول كل شهر، لذلك في شهر رمضان وبحسب العادات والتقاليد، فان المواطنين يقبلون على شراء الحلويات اكثر من اي شيء، ونحن بدورنا نقوم باستغلال هذا الاقبال، بدلا من بيع اللبلبي الذي يشهد بيعه انحسارا كبيرا، كون الأغلبية صائمة والبارات تغلق أيضا احتراما للشهر الكريم، لذا فان الغالبية يقومون بتحويل جنس مبيعاتهم الى بيع الحلويات بكل انواعها خلال شهر رمضان للحصول على مصدر رزق يتناسب مع الوضع”.

Image

وتعد مهنة بيع اللبلبي والباقلاء، من ابرز المهن التي تتواجد قرب محال بيع الخمور في العاصمة بغداد، وذلك لاعتماد اغلب محتسي الخمور على هاتين المادتين، بالاضافة الى عربات بيع المشويات التي غالبا ما يستمر عملها الى ساعات متأخرة من الليل قرب النوادي، حيث يتجه اليها المواطنين الذين يسهرون في تلك البارات، ليتناولوا فيها وجبة العشاء.

في شهر رمضان من كل عام، ووفق القانون العراقي الذي يمنع “الاجهار بالإفطار”، فضلا عن غلق كافة هذه المواقع، تتحول هذه المهن الى ما يناسب تقاليد هذا الشهر، وهنا يوضح احمد عدنان، وهو صاحب عربة لبيع اللبلي والباقلاء ايضا، ان “السبب الرئيسي في هذا التحول يعود إلى صيام المواطنين وامتناعهم عن شراء اي طعام جاهز خلال فترة النهار، وليس اللبلبي فقط، فاغلب انواع الطعام في العربات الجوالة يشهد ركودا”.

ويشكو عدنان، وهو يضبط النار اسفل القدر الكبير، ليبقيه دافئا بصورة مستمرة دون ان يتلف، من مسألة اخرى، وهي ان “المفطرين أيضا يمتنعون عن تناول الطعام في الشارع خلال رمضان، ما يؤدي الى توقف عملنا”، مبينا “لكن التحول إلى بيع الحلويات يعود لاسباب عدة، ومنها ان الحلويات اصبحت عادة لا غنى عنها في كل بيت عراقي خلال شهر رمضان”.

ومنعا للاحراج، اتخذ عدنان طريقة في البيع، حيث يضع يافطة (البيع سفري فقط)، وبحسب قوله “وذلك احتراما للصائمين ولدفع الاحراجات التي يتعرض لها المشتري، كون ان نظرة مجتمعاتنا تكون بانتقاص وامتعاض تجاه يجاهر بافطاره امام العلن”، متابعا “كما ان هناك سبب اخر لترك بيع اللبلي، وهو ارتفاع درجات الحرارة التي تبدأ بالتزامن مع شهر رمضان، وعليه فان هذه الاكلات الحارة يقل الطلب عليها، وهو ما يدفعنا للبحث عن مصادر رزق اخرى”.

وفي هذه الايام الاخيرة قبل حلول شهر رمضان، تتجه الانظار في ظل ارتفاع اسعار اغلب المواد الغذائية نحو الحلويات، التي تعد من اساسيات مائدة الفطور، ويصف المواطن محمد حميد، والذي يعمل كاسبا الوضع الحالي في السوق العراقية من ناحية ارتفاع الاسعار بـ”من امن العقاب أساء الأدب”.

ويعبر حميد، بصوت مرتفع وعصبي عن سخطه مما يجري في البلد، قائلا إن “غياب الرقابة الحكومية تماما عن ما يجري بالسوق العراقية هو السبب الرئيس وراء الجشع الكبير لدى التجار واصحاب المحال”، ملقيا باللائمة على “الرشاوى والمحسوبية والمنسوبية التي نخرت الدولة العراقية”، فهي من وجهة نظره من سمحت لاصحاب بعض المشاريع الصغيرة بـ”استغلال المواطنين خاصة في ايام الشهر الفضيل الذي يمتاز بالاقبال الكبير على الاسواق”.

ويبدي حميد استغرابه من ان “الشعب العراقي رغم اسلاميته الكبيرة، إلا انه مع كل الاسف لا نرى أي انسانية خلال المناسبات، وليس شهر رمضان فقط، بل المتعارف انه في كل موسم معين ترتفع الاسعار، والان في رمضان سنرى ان كل اسعار البقوليات والحلويات والعصائر تقفز بشكل كبير لكونها من اساسيات مادة الافطار”.

وخلال تجوالنا في مناطق العاصمة بغداد، وللتعرف على اسعار الحلويات ومدى ارتفاعها، يبين اكرم صدام، وهو صاحب محل حلويات في حي العدل، أن “ارتفاع أسعار الدولار أثر كثيرا على عملنا، حيث بلغت سعر قنينة الزيت 2750 دينارا بعد ان كانت 1500 دينار (نحو دولار واحد)، وكذلك الدهن الحر والفستق شهد صعودا كبيرا، حيث كنا نشتري صندوق الزيت سابقا بـ33 الف دينار والان سعره 55 الف دينار، والطحين (الدقيق) كان سعره 29 الف دينار اصبح اليوم 37 الف دينار، لكل كيس، وهذا كله ادى الى ارتفاع الأسعار”.

Image

وخلال وجودنا في المحل، شاهدنا ان كمية الحلويات لم يباع منها الا قليلا، وهي متكدسة في الرفوف، وهنا يوضح صدام، أن “هذا الصعود أدى الى ارتفاع أسعار الحلويات لدينا، فبعد ان كان سعر الكيلو غرام من الحلويات في السابق 16 الف دينار أصبح الآن 22 الف دينار، وبشهر رمضان سيرتفع ايضا، وهذا يعود لرفع الاسعار من قبل التجار”.

ويكشف بائع الحلويات عن ارتفاع جديد، أضيف لسلسلة ارتفاع الاسعار، وهو ايجار المحل، قائلا ان “مبلغ الايجار ارتفع كثيرا، والمتضرر الوحيد من تغيير سعر الصرف هو المواطن البسيط فقط”، مؤكدا ان “مبيعاتنا انخفضت بشكل كبير، بل اصبحنا نستبدل المال بالمال دون تحقيق أي ربح، حيث كنا سابقا نبيع في اليوم الواحد 3 صواني من الحلويات واليوم لا نبيع سوى واحدة فقط”.

إقرأ أيضا