عملية إسرائيلية في العراق.. وثائق تكشف كواليس “طموح” صدام النووي

خلصت وثائق سرية تم الإفراج عنها مؤخرا بموجب قانون حرية تداول المعلومات في الولايات المتحدة…

خلصت وثائق سرية تم الإفراج عنها مؤخرا بموجب قانون حرية تداول المعلومات في الولايات المتحدة إلى أن الضربة الجوية الإسرائيلية التي أدت إلى تدمير مفاعل نووي عراقي، في عام 1981، ربما زادت من طموحات الرئيس العراقي آنذاك، صدام حسين، وأشارت إلى القلق الذي كان يساور الدبلوماسيين الأميركيين بشأن إمكانية قيام إسرائيل باستهداف المفاعل.

والعملية التي نفذتها إسرائيل وتعرف باسم “أوبرا” تشير إلى الضربة الجوية التي استخدمت فيها طائرات حربية ضد مفاعل “أوزيراك” العراقي (أو مفاعل تموز) الذي كان يقع على بعد 17 كيلومترا من جنوب شرق بغداد، في السابع من يونيو 1981. وتسلل حينها سرب من الطائرات المقاتلة في مهمة سرية لتدمير المفاعل الذي كان يبنيه مهندسون فرنسيون وإيطاليون.

وقالت الحكومة الإسرائيلية حينها إن المفاعل قد تم تصميمه لأغراض تصنيع أسلحة، ما دعاها إلى تنفيذ “ضربة استباقية”، وفق رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، مناحم بيغن.

وقال الإسرائيليون إن الضربة عطلت بشكل كبير طموحات العراق النووية، لكن “مجموعة واسعة من المراقبين المطلعين قالوا إنه على العكس من ذلك، حفز الهجوم قرار بغداد بالسعي وراء خيار الأسلحة النووية” بحسب “أرشيف الأمن القومي”، وهي مؤسسة غير ربحية مقرها واشنطن، والتي نشرت تلك الوثائق، الاثنين.

وتشمل الوثائق برقيات مرسلة من البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) تلخص التفاعلات الدبلوماسية والسياسية التي سبقت الهجوم وكذلك تداعياته.

وتقول المنظمة: “الأدلة تشير إلى أن الإسرائيليين بالغوا في قدرات المفاعل. لم يكن تصميمه يسمح بتوليد كميات كبيرة من المواد الانشطارية بالدرجة المزعومة… وهناك مؤشرات على أن الهجوم ربما يكون قد سرّع من سعي صدام حسين إلى امتلاك أسلحة نووية“.

وتشير الوثائق إلى أن الطموحات النووية العراقية قد تم احتواؤها سرا من قبل الأوروبيين الذين كانوا يبنون المفاعل.

وتشير واحدة من البرقيات إلى اجتماع عقد، في باريس في 25 يوليو 1980، بين دبلوماسيين أميركيين ومسؤول فرنسي رفيع المستوى في مجال حظر الانتشار النووي تحدث عن إجراء تغييرات في شحنات اليورانيوم المرسلة إلى العراق حتى لا تصلح لتصنيع أسلحة.

وتقول برقية لوزارة الخارجية الأميركية: “لقد شدد المسؤول على الاحتياطات التي يتخذونها… لكنهم يجدون أنفسهم في مأزق، لأنهم غير قادرين على وصف بعض الاحتياطات، بالنظر إلى حقيقة أن العراقيين أنفسهم لم يكونوا على دراية ببعض الإجراءات الوقائية التي يتخذها الفرنسيون“.

وتضمنت الاحتياطات الأخرى السماح بدخول شحنة واحدة من اليورانيوم إلى المفاعل في كل مرة، والحفاظ على الوجود الفرنسي في أوزيراك في جميع الأوقات، والتأكد من قيام الفنيين الفرنسيين بمراقبة اليورانيوم المخصب أثناء نقله.

وفي وقت مبكر من يوليو 1980، حذر السفير الأميركي في إسرائيل، سام لويس، وزير الخارجية، إدموند موسكي، والرئيس، جيمي كارتر، في برقية من أن اجتماعه مع بيغن قاده إلى استنتاج أن الإسرائيليين قد يشنون “ضربات استباقية بالأسلحة التقليدية …بغض النظر عن العواقب الوخيمة لمثل هذا العمل“.

وتقول المؤسسة التي نشرت البرقيات “إنه من غير الواضح ما إذا كان قد تم إخبار الإسرائيليين بالإجراءات الفرنسية السرية لمنع برنامج أسلحة عراقي”، لكن لويس حذر بيغن حينها من أن “اتخاذ إجراءات متسارعة ضد المنشآت النووية العراقية سيكون بمثابة انتكاسة شديدة لآفاق السلام في الشرق الأوسط“.

وتضيف أنه تم شراء المفاعل من فرنسا بموجب اتفاقية ثنائية لاستخدامه في الأغراض السلمية، كما أنه خضع لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقالت فرنسا إن ميزات تصميم المفاعل والإجراءات الاحترازية التي نفذتها ضمنت عدم إمكانية استخدام مفاعل أوزيراك في إنتاج أسلحة نووية.

لكن إحدى الوثائق التي تم اعتبارها سرية تشير إلى وجود مخاوف أميركية من تنافس المتعاقدين الإيطاليين والفرنسيين على بيع أسلحة للعراق. وكانت هناك مخاوف من أن تحاول إيطاليا على وجه الخصوص تضمين التكنولوجيا النووية المتقدمة كجزء من عروضها.

وتقول المنظمة إنه “سواء كان لدى المسؤولين أو العلماء العراقيين طموحات تتعلق بالأسلحة أم لا، فإن مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية كانوا قلقين خلال عامي 1979 و1980 من أن المعاملات النووية الفرنسية العراقية والإيطالية والعراقية يمكن أن تساعد بغداد على تطوير طرق ووسائل لإنتاج المواد الانشطارية“.

ومع بدء الحرب العراقية الإيرانية، توغلت القوات المسلحة العراقية في موقع أوزيراك، ما زاد المخاوف بشأن النوايا النهائية لبغداد. وتقول إحدى البرقيات: “هل لا يزال المسؤولون الفرنسيون في الموقع؟ وهل لديهم إمكانية الوصول إلى الوقود هناك؟ ما هي حالة الوقود؟“.

وتشير وثائق أخرى إلى مخاوف المسؤولين الأميركيين من أن العراق كان يجوب العالم بحثا عن مواد نووية حساسة.

وأفاد تقييم سري أجراه فرع الاستخبارات في وزارة الخارجية بأنه في حين أن الهجوم ربما يكون قد أدى إلى انتكاسة للبرنامج النووي العراقي، فقد يكون ضرره أكثر من نفعه، وتوقع محاولة العراق التهرب من المفتشين والسعي للحصول على أسلحة الدمار الشامل.

وجاء في التقييم، الصادر في 17 أغسطس 1981، أن “القصف أدى إلى انتكاسة مؤقتة لبرنامج العراق للأبحاث النووية، من خلال تقييد وصوله إلى المساعدات المادية والتكنولوجية.. ومع ذلك، ربما تكون الغارة قد زادت من اهتمام العراق بامتلاك قدرة أسلحة نووية في نهاية المطاف“.

ويأتي نشر الوثائق فيما تقف إسرائيل ضد محاولة إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الكبرى، والذي تجري مفاوضات حاليا بشأنه.

إقرأ أيضا