هل يشهد قتالا كرديا كرديا؟.. قصة 4 عقود من نزاع تركيا وPKK في العراق

بعد 38 عاما من العمليات العسكرية التركية لملاحقة حزب العمال الكردستاني PKK في اقليم كردستان…

بعد 38 عاما من العمليات العسكرية التركية لملاحقة حزب العمال الكردستاني PKK في اقليم كردستان شمالي العراق، اتخذت التطورات منحى آخر، تمثل ببروز “صراع” بين الاحزاب الكردية حول “شرعية” وجود “العمال” وطبيعة التعامل معه، ما قد ينذر بـ”اقتتال” كردي– كردي، فيما وجهت أصابع الاتهام الى أنقرة بالوقوف خلفه، وذلك بالتزامن مع توغلها لنحو 40 كلم في العمق العراقي، وهو ما يحصل للمرة الأولى بعد أن تقدمها مقتصرا على 10 كلم فقط.

بدأت القصة في ايار مايو من العام 1983، حيث أطلقت تركيا أول عملية عسكرية خارج حدودها لملاحقة عناصر PKK، وذلك بالاتفاق مع الحكومة العراقية آنذاك، شارك فيها آلاف الجنود الاتراك ومختلف الصنوف القتالية، ثم تواترت العمليات العسكرية الكبرى مسجلة الرقم 11 عملية حتى العام 2008، فيما عُلم مؤخرا أن الأشهر الخمسة الماضية، شهدت عمليتين جديدتين لتضافا الى سلسلة العمليات السابقة.

الشهر الماضي، كان “الأشد” على اقليم كردستان، في ظل التطورات السريعة والمتلاحقة التي بدأتها تركيا، ما دفع PKK الى الرد على العمليات التركية، وهو الأمر الذي أدى من جهة أخرى الى نشوب “صراع” بين الاحزاب الكردية “الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني”، حول طبيعة هذه العمليات وتأثيرها على نفوذها، خاصة بالمناطق التي تشهد عمليات عسكرية متبادلة بين أنقرة وPKK.

مع وضد

يقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “اقليم كردستان حكومة وشعبا لا يرضى بتدخلات حزب العمال الكردستاني، لذلك فان وجودهم في اراضي الإقليم هو سبب المشاكل، فتركيا مستمرة بانتهاكاتها وإنشاء القواعد العسكرية بذريعة ملاحقتهم، فضلا عن تسبب هذه المشاكل بنزوح الكثير من سكان القرى“. 

وحول اسباب الصراع الداخلي في اقليم كردستان، يوضح شنكالي “لا علاقة لتركيا بتأجيج الصراع، ولكن حزب العمال هو من يؤججه، وهذا ما شاهدناه عبر هجومه على قوات البيشمركة، وهذا يولد نوعا من المشاكل”، مبينا ان “وجود حزب العمال يؤثر كثيرا على استقرار اقليم كردستان، وهو ما قاله البعض من قادته، بانهم لن يعيشوا بهذه الظروف الصعبة والاقليم ينعم بالامن والاستقرار، لذلك سعوا الى خلق الفوضى وأوصلوها الى سنجار ومخمور“.

ويأتي هذا الحديث، عقب ارتفاع حدة وتيرة الاشتباكات بين القوات التركية وعناصر العمال الكردستاني، من جهة، وبين “احتكاك” بين قوات الديمقراطي الكردستاني والعمال الكردستاني من جهة اخرى، حيث شهدت الايام الماضية توترا كبيرا بين هذه الاطراف، وكان اخرها ما جرى قبل ثلاثة ايام، حيث لقي خمسة عناصر من قوات البيشمركة مصرعهم وأصيب أربعة آخرون إثر قصف استهدف نقطة أمنية للبشمركة فوق جبل متينا بمحافظة دهوك، وهي ذاتها المنطقة التي تمركزت فيها القوات التركية مؤخرا.

وبحسب بيان صدر لوزارة البيشمركة فان “قوات حزب العمال الكردستاني نصبت كمينًا وهاجمت نقطة عسكرية”، مؤكدة “لقد حذرنا سابقا من وقوع مثل هذه الحوادث وعلى الجميع احترام حدود الإقليم وعدم تعريض استقرار إقليم كردستان للخطر”، كلن هذا البيان تزامن مع بيان من قبل حزب العمال الكردستاني، حيث كشف يوم السبت الماضي ان القوات التي تعمل باسم العراق والحزب الديمقراطي الكردستاني هاجمت معسكرا لحزب العمال، وأطلق المقاتلون طلقات تحذيرية لمنعهم من التقدم أكثر من ذلك، إذ ونحن نقاوم غزو الدولة التركية لكردستان، ندعو هذه القوات القادمة إلى عدم طعن قواتنا في الظهر، لا ينبغي إراقة دماء الأخ، لهذا وجهنا هذا النداء إلى جميع القوى وشعبنا“.

رئاسة إقليم كردستان من جانبها، دعت الى وقف فوري لـ”عدوان حزب العمال الكردستاني على إقليم كردستان”، مبينة أن “هذه الإجراءات غير المبررة استمرت ضد شعب إقليم كردستان على مدى العقود الثلاثة الماضية وتسببت في بؤس لا نهاية له للسكان المدنيين، ما حال دون إعادة بناء مئات القرى والمحليات التي تشتد الحاجة إليها في إقليم كردستان“.

وحذرت رئاسة الاقليم في بيانها ايضا حزب العمال الكردستاني “من إثارة التوترات والصراعات، وطالبته بإبعاد مسلحيه عن حدود الإقليم، والامتناع عن استخدام كردستان قاعدة لشن هجمات على دول الجوار وتعكير صفو السلام والاستقرار“.

الى ذلك، يكشف القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني سعدي بيرة خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “الساحة الكردية بكافة احزابها غير موحدة حول موضوع PKK، لان الخلافات التركية معه قديمة وتعود لثلاثة عقود، ونحن نعتقد ان تركيا تتبع سياسة توسعية وليس هدفها هو ملاحقة العمال الكردستاني“.

ويضيف بيرة، أن “هناك محاولات تركية لنقل صراعها مع PKK، الى داخل الأحزاب الكردية، بهدف تشويه سمعة الكرد”، مطالبا بـ”التوجه الى الحوار بين الأحزاب الكردية لتجاوز مرحلة الاقتتال الخطيرة“.

ويشير الى أن “الاشتباكات بين الديمقراطي الكردستاني وPKK، هي بسبب عدم وجود ثقة بين الطرفين، لذلك فمن باب الاحتياط يحاول طرف أن يحرك قواته لغرض الدفاع”، موضحا أن “العمل العسكري الذي تنتهجه تركيا لن يحل الازمة، فهو قائم منذ سنوات طويلة ولم يصل الى نتائج“.

ويشير الى “ضرورة العودة لطاولة الحوار وحل الأمور سلميا”، مستدركا “لكن طالما كانت تركيا غير مستعدة للحوار مع العمال الكردستاني، فستبقى المشكلة، ونحن المتضررون منها، لكن في ذات القوت فان عناصر العمال الكردستاني، لا يوجد لديهم مكان، فهم مطاردون في تركيا، والدول الاخرى تمنع دخولهم مثل ايران، لذا فاني أتصور أن تكون هناك محاولة جادة من قبل الجميع لحل المشاكل سلميا، وإعادة عناصر PKK عن طريق الحوار الى تركيا، وإلا ستبقى المشكلة قائمة، فالخيار العسكري لن يكون الحل“.

ماذا يجري؟

يسرد الكاتب والصحفي المختص بالشأن الكردي سامان نوح في حديث لـ”العالم الجديد”، تفاصيل الصراع الدائر في الاقليم، بين جميع الاطراف المحلية والدولية، قائلا، إن “الديمقراطي الكردستاني يلقي باللائمة في موضوع الهجوم التركي الذي وصل لأكثر من 40 كليومترا، على العمال الكردستاني“.

ويوضح نوح أن “الديمقراطي يرى ضرورة مغادرة العمال الكردستاني للمنطقة من أجل أن تتوقف العلميات التركية، لكن هناك أطرافا سياسية أخرى ونخبا أكاديمية وثقافية لا تنظر الى الامور بهذا الشكل، وتعتقد أن هذه الرؤية سطحية، وترى ان الموضوع أعقد بكثير”، مبينا ان “معظم الاحزاب الكردية متخوفة من التدخل التركي وتعتقد ان تركيا تستخدم العمال الكردستاني حجة للسيطرة على المنطقة، خاصة وان الاتراك لا يخفون نيتهم بان هذه المناطق تجب السيطرة عليها، لانهم يعتبرونها جزءا من الاراضي التركية“.

ويؤكد “بالتالي فان معظم الكرد يعتقدون أن لدى تركيا اطماعا لاستعادة ولاية الموصل، وانهم يبررون كل شيء لتحقيق هذا الهدف، وما يؤكد هذا ان تركيا تتحدث منذ 35 عاما عن انهاء عناصر العمال الكردستاني وانهم باتوا عشرات او مئات فقط، ولا يشكلون خطرا على الامن القومي التركي وانه ضعيف، فاذا كان ضعيفا فلماذا تستخدم هذه القوة العسكرية لضربه، خاصة اننا لو راجعنا البيانات التركية خلال السنتين أو الثلاث الأخيرة، فانها تحدثت عن مقتل الآلاف من عناصر الحزب، وهنا يرى الكثير من الكرد أن هذا المنطق غير سليم، وان هدف تركيا ابعد من القضاء على عناصر الحزب“.

ويتابع نوح في حديثه، أن “ضعف الدولة الاتحادية وعدم القيام بواجباتها يسهل لتركيا تنفيذ هذه الأجندة، خاصة في ظل توغلها المستمر في العمق العراقي، إذ ربما سنتحدث بعد عامين أن حكومة إقليم كردستان لا تملك السيطرة إلا على مراكز المدن فقط، نظرا لتوسع مناطق سيطرة تركيا“.

ويلفت الى أن “التوترات الاخيرة، تعود الى ان حزب العمال موجود في المنطقة قبل ولادة اقليم كردستان، وبالتالي لا يمكن اخراجهم بطريقة سهلة من المناطق الجبلية الحصينة التي كانت أغلب الاحزاب الكردية تتواجد فيها ايضا إبان الثورات والصراع مع الحكومات، بالتالي فهذه الاحزاب والحركات تعتبر تلك المناطق كردية، ولا تفرق ان كانت تابعة للعراق او ايران او تركيا، بل انهم يعتبرونها ارض كردستان“.

وينوه الى ان “الكثير من الكرد يرون ان المشكلة سياسية ويجب ان تحل داخل تركيا، وتركيا بدلا من ان تحل المشكلة سياسيا عبر الحوار مع العمال الكردستاني، تقوم باضطهاد الاحزاب الكردية الممثلة لديها في البرلمان، وخاصة بعد تحالف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مع القوميين قبل بضع سنوات، ما دفعه الى التضييق على الاحزاب الكردية واعتقال قادتها، وهنا لا يمكن لحزب العمال سوى العودة للسلاح، ومن هذا المنطلق تبرر تركيا دخولها للعراق والسيطرة على اراضيه، وممكن ان تتقدم اكثر في العمق العراقي بحجج اخرى“.

ويردف الى أن “معظم الكرد لا يتفقون مع رؤية الحزب الديمقراطي الكردستاني، فهم يؤكدون ان الاطماع التركية في السيطرة على الاقليم هي الهدف، وليس مجرد طرد العمال الكردستاني الذي لن يحصل لسبب بسيط، وهو أنه صاحب قضية يتبنى الدفاع عنها في تركيا، وهذه ستحل عبر الحوار السياسي وليس القتال“.

وفي ختام حديثه، يبين “لا مخرج سوى تحرك الحكومة الاتحادية والبيشمركة نحو تأسيس تشكيلات خاصة لمواجهة التمدد التركي، ودون ذلك ستصبح هذه المناطق خاضعة لسيطرة تركيا ولن تنسحب منها، وسيكون المتضرر هو الحزب الديمقراطي الكردستاني (الحاكم في اربيل) الذي للأسف لم يتحرك نحو بغداد لغرض تأسيس تشكيلات أمنية مشتركة في المناطق الحدودية“.

وكان قضاء مخمور في نينوى، قد تعرض يوم السبت الماضي، الى قصف تركي وذلك بعد أن أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع الشهر الحالي، أن تركيا “عقدت العزم على تجفيف مستنقع قنديل حتى لا ينشر فيروس الإرهاب مجددا”، مبينا أن “قنديل ومخمور بمثابة حاضنات لتفريخ الإرهابيين، وإذا لم يتم تطهيرهما فسيستمران في نشر العنف“.

وبعد يوم، أعلن أردوغان عن مقتل مسؤول عسكري في حزب العمال الكردستاني بمخمور، وهو سلمان بوزقير، حيث كان مسؤول مخيم مخمور للاجئين.

وفي 17 ايار مايو الماضي، أعلن اردوغان أن قوات بلاده قضت على المسؤول البارز في “وحدات حماية الشعب” الكردية الناشطة في سوريا، نور الدين صوفي، بعملية أمنية نفذت في شمال العراق، وقد اتهم أردوغان، صوفي، بأنه ارتكب العديد من الأعمال الدموية وبأنه مسؤول عن الكثير من الهجمات ضد الجنود الأتراك في منطقتي عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون” شمال سوريا.

العمليات والقواعد العسكرية التركية في العراق

بدأت تركيا بشن العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني خارج حدودها، منذ العام 1983، ففي أيار مايو من ذلك العام أطلقت أول عملية عسكرية خارج حدودها بالاتفاق مع الحكومة العراقية وشارك فيها آلاف الجنود الأتراك.

وفي تشرين الأول اكتوبر 1984، واب أغسطس 1986، أطلقت أنقرة حملتين عسكريتين، إلا أن كليهما لم تنجحا في القضاء على مقاتلي العمال الكردستاني (PKK)، وبعد فترة صمت امتدت حتى العام 1991 أطلقت حملة رابعة تحت اسم “العصا” وهو العام الذي شهد زيادة في المقار والمراكز العسكرية التركية في عموم محافظات إقليم كردستان العراق.

وفي العام 1992، شنت تركيا حملة عسكرية أخرى شارك فيها 15 ألف جندي واستخدمت فيها الدبابات والمدافع الثقيلة والطيران الحربي، إلا أنها لم تنجح، فانسحبت القوات بعد 20 يوم من إطلاق الحملة، وأطلقت بعدها عدة حملات في أعوام 1993 و1994 و1995 بمشاركة عشرات الآلاف من الجنود، وشارك في الأخيرة 30 ألف جندي بالتعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، ودامت مدة 45 يوما للسيطرة على منطقة حفتانين، إلا أنها لم تنجح وانسحبت بعد شهر ونصف من الهجوم.

وبحلول العام 1999 وصل عدد الحملات التي أطلقتها تركيا داخل إقليم كردستان للقضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى 24، وفي أعوام 2000 و2007 و2008 أطلقت تركيا حملات مشابهة.

وبحسب بعض المصادر، فان لتركيا 27 قاعدة عسكرية بما فيها مراكز تدريب لجنود أتراك في إقليم كردستان العراق، بينما أقر رئيس الوزراء التركي السابق بن علي يلدرم في العام 2018، بوجود 11 قاعدة عسكرية، قائلا “قمنا بإنشاء 11 قاعدة عسكرية وضاعفنا عدد جنودنا وقواتنا في تلك القواعد لمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني قبل التوغل إلى حدودنا“.

وتنتشر القواعد التركية في مناطق: بامرني، شيلادزي، باتوفان، كاني ماسي، كيريبز، سنكي، سيري، كوبكي، كومري، كوخي سبي، سري زير، وادي زاخو والعمادية.

إقرأ أيضا