إطلاق سراح مصلح “يحرج” الحكومة.. ويضع إجراءاتها تحت السؤال

إطلاق سراح القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح، لعدم كفاية الأدلة، وضع الحكومة في “حرج”…

إطلاق سراح القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح، لعدم كفاية الأدلة، وضع الحكومة في “حرج” بالغ، حيث اعتبر محلل سياسي ذلك إثباتا بأن الفصائل المسلحة أقوى من الحكومة، وفي حين كشفت “مصادر حكومية” لوسائل إعلام عالمية، عن تقديم “مكالمات هاتفية كأدلة” في القضية، اعتبرها خبير قانوني “غير ملزمة” لكونها لم تصدر بأمر قضائي، فيما عزا ناشط القضية برمتها الى محاولة الحكومة صرف النظر عن الخروق التي ارتكبتها بحق المتظاهرين في 25 ايار مايو الماضي.

ويقول المحلل السياسي أحمد الشريفي في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك ما يطلق عليه في القضايا القضائية المدعي بالحق الشخصي، وربما يكون إخلاء سبيل مصلح بتسوية مع المدعي هذا وتم غلق القضية نهائيا، لأن المدعي بالحق الشخصي هم بعض عوائل ضحايا التظاهرات، إضافة الى ان الولايات المتحدة الأمريكية قدمت شبه دعوى تخص استهداف قواعدها في العراق، باعتبار أن من يستهدفهم هي قوات تابعة للحشد، وتحديدا ضمن قاطع مسؤولية قاسم مصلح فوجهت اليه اصابع الاتهام“.

وصباح يوم أمس، أطلق سراح قائد عمليات الانبار في الحشد الشعبي قاسم مصلح، بعد ان اعتقل في 26 ايار مايو الماضي، وذلك بعد 24 ساعة على انطلاق تظاهرات في بغداد احتجاجا على استمرار عمليات الاغتيال للناشطين التي كان اخرها اغتيال رئيس الحراك المدني في كربلاء ايهاب الوزني، وقد جوبهت التظاهرات بالقمع من قبل الاجهزة الامنية ما أدى الى وفاة 3 متظاهرين واصابة العشرات.

ويضيف الشريفي “ما يجب البحث عنه هو عدة استفسارات تتمثل بأن هذه القضايا هل سويت قضائيا وحسمت، وهل أن المدعي بالحق الشخصي تنازل عن دعواه، خصوصا وأن هناك حقا عاما للدولة بسبب ما ترتب على القضية من ظهور مسلحين مطالبين باطلاق سراحه بعيدا عن السياقات القانونية”، مبينا “إذا كانت القضية كيدية، فلقاسم مصلح الحق ان يقدم دعوى رد اعتبار“.

ويلفت الى أن “كل هذه العوامل لم تتم الاجابة عنها، بل مجرد اطلاق سراح لعدم كفاية الادلة، ولا أحد يعرف متى اكتمل التحقيق، فالقضية مبهمة، خصوصا وانها باتت قضية رأي عام، ومثل هذه القضايا يفترض ان يكون الرأي العام مطلعا على ادق تفاصيلها”، مرجحا “وجود صفقة سياسية او مجاملة وراء عملية اطلاق السراح“.

ويتابع أن “الكاظمي من خلال هذه العملية أعلن عن عجزه أمام الفصائل، وأنها أقوى من الدولة ومؤسساتها، وهذه الرسالة هي التي وصلت للشارع العراقي، وهنا نتساءل كيف سيخرج المواطن للانتخابات“.

اعتقال مصلح، فجر أزمة كبيرة بين الفصائل المسلحة والحكومة، خاصة بعد انتشار الفصائل المسلحة في العاصمة وتوجهها نحو مداخل المنطقة الخضراء، وسيطرت عليها ومنعت الدخول والخروج، بحسب ما نشر من فيديوهات، ومن أبرزها “الجسر المعلق” الذي يربط المنطقة الخضراء بمناطق العاصمة، فضلا عن الاستعراض بالعجلات والسلاح داخل المنطقة الدولية وقرب مجلس الوزراء ومقر إقامة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.

إذ شهدت الليلة الاولى للاعتقال توترا كبيرا، استدعى تواجد قادة هيئة الحشد الشعبي والفصائل المسلحة في مقر رئاسة اركان الهيئة داخل المنطقة الخضراء، وسط تجمهر عناصر الفصائل قربها، وبحسب ما كشف صحفي مقرب من الفصائل آنذاك، فان السيناريو كان يتجه نحو احتجاز الكاظمي وإعلان مجلس عسكري لإدارة البلد، لكن بعض القيادات الشيعية العليا وجهت بالتهدئة.

وحول ما جرى عقب تلك الليلة، تكشف مصادر صحفية رصدتها “العالم الجديد”، ان “مصلح لم يدخل الحجز، بل قضى طيلة الفترة الماضية بموقع محايد، وذلك نتيجة للتسوية التي جرت في أول ليلة لاعتقاله، وانتهت بانسحاب عناصر الفصائل من المنطقة الخضراء وتهدئة الموقف“.

وعقب إطلاق سراح مصلح، يوم أمس، أصدر مجلس القضاء الاعلى، بيانا مفصلا عن سير القضية، وفيه ان القضاء يتعامل مع اي قضية تعرض على المحاكم وفق الادلة المتحصلة فيها والمنصوص عليها في القانون وهناك فرق بين اجراءات التحقيق الاولية وبين ما يليها، اذ قد يصدر القضاء مذكرة قبض او استقدام بحق شخص معين وفق معلومات تقدمها جهات التحقيق الامنية التابعة للسلطة التنفيذية وبعد تنفيذ مذكرة القبض يجري القضاء بالتعاون مع الاجهزة الامنية التحقيق في الجريمة المنسوبة لمن صدرت بحقه مذكرة القبض فاذا توفرت ادلة توجب احالته على المحكمة لاجراء محاكمته عن الجريمة يتخذ قاضي التحقيق القرار بالاحالة واذا لم تقدم الجهات التحقيقية ادلة كافية ضد المتهم يتم غلق التحقيق بحقه ويطلق سراحه.

واشار البيان الى انه بالنسبة لقضية اغتيال الناشط ايهاب الوزني وبعد الاستيضاح من القضاة المختصين بالتحقيق تبين ان قاسم مصلح  تم اتهامه بقتل الناشط ايهاب الوزني لكن لم يقدم اي دليل ضده، خاصة وانه اثناء حضوره امام القضاة وتدوين اقواله أثبت بموجب معلومات جواز السفر انه كان خارج العراق عند اغتيال الوزني وانكر ارتكابه او اشتراكه بهذه الجريمة ولم تجد محكمة التحقيق اي دليل يثبت تورطه في تلك الجريمة بشكل مباشر او غير مباشر سواء بالتحريض او غيره، لذا تم اتخاذ القرار بالافراج عنه بعد ان اودع التوقيف 12 يوما، تم خلالها بذل الجهود الاستثنائية للوصول الى اي دليل يتعلق بتلك الجريمة لكن لم تتمكن جهات التحقيق من تقديم دليل خاصة وان افراد عائلة الوزني اثناء تدوين اقوالهم لم يقدموا اي دليل بخصوص ذلك حسب القانون.

الى ذلك، يرى المحلل السياسي المقرب من الفصائل المسلحة عباس العرداوي في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الاعتقالات التي تورط بها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وبعض فريقه الاستشاري لم تثبت جديتها وصحتها“.

ويضيف العرداوي، أن “هذا يدعو إلى مراجعة الهدف الاساسي من محاربة الحشد الشعبي وهل هو ثمن يدفعه الكاظمي من اجل البقاء في السلطة ام ارضاء لاطراف أخرى”، مبينا ان “هذه مشكلة في الحقيقة وهي تعريض المنظومة القانونية والامنية للاهواء السياسية، ويدخلنا في اشكاليات كبيرة ويحرج القضاء وكل القائمين في السلك الامني“.

ويردف “لا يمكن اتهام القوى الامنية وان تصنف بهذه الطريقة، حيث القضاء أثبت البراءة، ومحاولة تدوير الازمة اعلاميا فان فيه احراجا للمنظومة الامنية بشكل كامل وتسقيطا للقوى السياسية“.

وكان رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، أصدر بيانا خلال اقتحام المنطقة الخضراء ليلة اعتقال مصلح، أكد فيه أن “قوة أمنية عراقية مختصة نفذت بأمر القائد العام للقوات المسلحة مذكرة قبض قضائية بحق احد المتهمين وفق المادة 4 ارهاب وبناء على شكاوى بحقه، وقد شكلت لجنة تحقيقية تتكون من قيادة العمليات المشتركة واستخبارات الداخلية والاستخبارات العسكرية والامن الوطني وامن الحشد الشعبي للتحقيق في الاتهامات المنسوبة اليه باعتباره وهو الان بعهدة قيادة العمليات المشتركة الى حين انتهاء التحقيق“.

وكان مصلح يشغل منصب آمر لواء الطفوف في الحشد الشعبي، وعقب اعتقاله بيومين، ظهرت انباء عن اعتقال مسؤولين في لواء الطفوف، ابرزهم مسؤول امن اللواء حسن مصباح ومسؤول استخباراته حمزة الكعبي، لكن سرعان ما ظهر مصباح في لقاء متلفز بثته احدى القنوات الفضائية المرتبطة بالحشد الشعبي، وكشف عن اعتقال لجنة مكافحة الفساد لـ5 من أقاربه، فيما أبدى استغرابه من حملة الاعتقالات ضده وضد أقاربه.   

من جهة اخرى، وبعد صدور بيان القضاء العراقي، حملت مصادر حكومية في حديثها لوكالة فرانس برس الفرنسية، القضاء مسؤولية الإفراج عن مصلح، وأكد “من جهتنا كحكومة، قدمنا كل الأدلة الخاصة بملف مصلح لكن القضاء هو من اتخذ القرار بالإفراج عنه بسبب ضغوطات مورست عليه، والأدلة تتضمن مكالمات هاتفية بين مصلح ومنفذي الاغتيالات، وإفادات شهود وذوي الضحايا ورسائل تهديد لعائلات الضحايا تثبت تورط مصلح في الاغتيالات“.

وحول هذا الامر، يوضح الخبير القانوني جمال الاسدي في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذه المرة الاولى التي يصدر فيها القضاء بيانا واضحا ومفضلا بهذا الشكل“.

ويبين الاسدي، أن “عدم كفاية الادلة، لا يعني غلق القضية بشكل نهائي، بل يمكن ان يعاد التحقيق في حال ظهور أدلة جديدة”، وبشأن سرعة حسم القضية من قبل القضاء، يقول ان “السرعة سببها ان مصلح هو قائد عمليات الانبار في الحشد، اضافة الى حساسية الموضوع، ما تطلب الاستعجال بها، والقضاء عادة ما يحسم مثل هذه القضايا بشكل سريع نظرا لحساسيتها“.

وحول ما تناقلته وكالة فرانس برس الفرنسية، نقلا عن المصدر الحكومي يبين الاسدي، ان “التسجيل الصوتي لا يؤخذ به، إلا اذا كان مسجلا وفق مذكرة قضائية، لكن حسب توقعي ان التسجيل الصوتي الذي تتحدث به المصادر لفرانس برس، هو الذي يعود الى المجني عليه (الناشط ايهاب الوزني)، أي قبل الجريمة وليس خلالها او بعدها“.  

وفي وجهة نظر مغايرة، يشير ناشط من بغداد رفض الكشف هويته، الى أن “العملية برمتها جرت للتغطية على القمع الذي مارسته الأجهزة الامنية بحق المتظاهرين في 25 ايار مايو الماضي“.

ولا يستبعد المتظاهر “حدوث اتفاق بين الحكومة والفصائل المسلحة من أجل صرف الأنظار محليا ودوليا عن الخروق الخطيرة التي تورطت بها الحكومة“.

وهذه هي المرة الثالثة التي تعتقل فيها قوة رسمية، منتسبين وقادة في الحشد الشعبي، إذ كانت المرة الاولى حزيران يونيو 2020، حيث اقتحمت قوة من جهاز مكافحة الارهاب مقر كتائب حزب الله في (البوعيثة) بمنطقة الدورة جنوبي بغداد، القريب من المنطقة الخضراء، واعتقلت العناصر المتواجدين داخل المقر، وعددهم 13 عنصرا، بتهمة اطلاق صواريخ الكاتيوشا، وهو ما أدى الى استعراض مسلح أيضا داخل المنطقة الخضراء، انتهى بتسليم المعتقلين لمديرية امن الحشد الشعبي ومن ثم اطلاق سراحهم فيما بعد.

وتلتها حادثة اعتقال قيادي كبير في حركة عصائب اهل الحق، في كانون الاول ديسمبر 2020، ما دفع منتسبي الحركة الى استعراض مسلح في المناطق الحيوية ببغداد، ومنحوا الكاظمي مهلة لاطلاق سراحه، لكن لا معلومات حول اطلاق سراحه.

إقرأ أيضا