هبة أم ديون.. ما كواليس إرسال النفط العراقي الى لبنان؟

لا زال قرار مجلس الوزراء العراقي بمنح لبنان مليون طن من النفط سنويا، يثير جدلا…

لا زال قرار مجلس الوزراء العراقي بمنح لبنان مليون طن من النفط سنويا، يثير جدلا في الأوساط السياسية والاعلامية، بشأن فحواه وقانونيته وجدواه الاقتصادية، ففي آخر التطورات المتعلقة بالقضية ظهر أن تلك الكمية من النفط ستباع بالآجل وبأسعار رمزية تقترب من المجانية، عقب فشل العروض المقترحة سابقا، وهي مقايضته (النفط) بالخضار والفواكه، أو بالخدمات والكوادر الطبية.

تبدأ الحكاية في شباط فبراير الماضي، حيث وافق العراق على دعم نفطي للبنان بقيمة 500 ألف طن نفط، وفي نيسان أبريل الماضي، زار وفد عراقي برئاسة وزير الصحة السابق حسن التميمي العاصمة بيروت، وأبرم اتفاقا ينص على تقديم لبنان الخدمات الطبية للعراق مقابل النفط، وفي وسط الشهر ذاته، كان من المفترض ان يزور رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب بغداد، لكن الزيارة ألغيت لاسباب بروتوكولية، حسب ما اعلن عنه في حينها.

وقبل 3 أيام فقط، أعلنت الحكومة اللبنانية ان العراق رفع الكمية الى مليون طن نفط سنويا، وذلك عبر تبليغ رسمي من حكومة العراق، وفيه قدم دياب شكره الى العراق، بحسب ما قاله في مؤتمره الصحفي

مصدر سياسي مطلع كشف لـ”العالم الجديد”، إن “جميع الاتفاقيات السابقة، التي كان من بينها الفواكه والحمضيات مقابل النفط، ومن ثم الخدمات الطبية مقابل النفط، باءت كلها بالفشل وتعثرت، لأسباب عدة“.

ويوضح أن “ملف الفواكه والحمضيات استبعد بصورة سريعة بعد اللغط الذي واكبه، ثم تم طرح تبادل الخدمات الطبية، وهو ما لم يستطع لبنان أن يوفره، لكونه لا يملك السلطة على الاطباء الذين يعملون في مستشفيات خاصة وبشكل مستقل عن الحكومة، حيث واجه البلد الصغير المنهار اقتصاديا وصحيا صعوبة في رفد العراق بكوادر طبية، لذلك انتهى الأمر بالاتفاق على شراء النفط بالآجل“.

ويتابع ان “الاتفاق تضمن دفع لبنان مبالغ النفط بالليرة اللبنانية، وليس بالدولار أو حتى الدينار العراقي، كما أنها أبلغت العراق بأن احتساب قيمة الليرة سيكون وفق التسعيرة القديمة البالغة 1500 ليرة لكل دولار، أي ما قيمته 10 بالمئة من القيمة الحقيقية، حيث يبلغ سعر الليرة الحالي في أسواق لبنان 15 الف لكل دولار، وفي ذات الوقت، فان كلفة النقل سيتحمل العراق الجزء الأكبر منها“. 

وحول هذا الامر، يوضح الخبير النفطي حمزة الجواهري في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قيمة الطن المتري من النفط تساوي 7.3 برميل، فيما تبلغ قيمة الطن الوزني من النفط 6.3 برميل“.

ويبين الجواهري، أن “المليون طن من النفط العراقي الى لبنان ستعادل 7 ملايين برميل”، متابعا ان “احتساب سعر الدولار بـ1500 ليرة لبنانية، يعني أنه لا قيمة له، خاصة وان سعر الدولار الان هو 15 الف ليرة لبنانية“.

ويلفت الى ان “قيمة ما اعطاه العراق للبنان ضمن هذه الاتفاقية او عملية البيع يساوي 350 مليون دولار“.

ويوم امس، كشف مدير الأمن العام اللّبناني اللّواء عبّاس إبراهيم في حديث لقناة العراقية شبه الرسمية، ان “لبنان لن يدخل العتمة بفضل النفط العراقي”، مبينا انه قام بزيارات عدة للعراق، وتحديداً لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي ‏سأله عمّا يحتاجه لبنان لتجاوز الأزمة الرّاهنة، وكان الجواب حاجة لبنان إلى النفط العراقي ‏الأسود.

وأكد ابراهيم في حديثه أيضا أن الكاظمي أبدى تجاوباً مباشراً واتصل بوزير النفط العراقي طالباً حضوره، حيثُ تمّ ‏عقد اجتماع ثلاثي أُقِرَّ خلاله تزويد لبنان بالكميّة المطلوبة من النفط، واستتبعَت ذلك زيارات ‏تقنيّة أخرى مع وزير النفط اللّبناني ريموند غجر ومستشاريه، تلاها قرار مجلس الوزراء ‏العراقي الذي يقضي بتحديد كميّة 500 ألف طنّ من النفط الأسود مُخصّصة لِلُبنان، وفي زيارتي الاخيرة أوضحت للكاظمي أن الكميّة المُحدّدة قد لا تكفي، واقترحت زيادتها من 500 ألف طنّ إلى مليون طن،‏ وقال الكاظمي ‏إن هناك إجراءات يجب أن يقوم بها، وبناءً على ذلك، تمّ التواصل بعد ثلاثة أيام، حيث أخذ الكاظمي موافقة مجلس الوزراء على زيادة الكمية

وحول صلاحية مجلس الوزراء بشأن ما جرى، يبين الخبيرالقانوني طارق حرب في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هذه ليست اتفاقية او معاهدة، وانما هو عقد بيع، حيث أن العراق وعند بيعه للنفط إلى دول العالم لا يعرض اي شيء على مجلس النواب“.

ويضيف حرب، أن “بيع النفط سواء بمبلغ او دونه او بالاجل مسألة يختص بها مجلس الوزراء ووزارة النفط”، مبينا ان “قانون المعاهدات، قرر ان المعاهدة تعرض على مجلس النواب للمصادقة، وهنا لا توجد اي معاهدة، وبالتالي لا تحتاج إلى موافقة المجلس“.

من جانبها، تتساءل عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية ندى شاكر جودت في حديث لـ”العالم الجديد”، عن “دور قادة الاحزاب الشيعية من هكذا اتفاقيات، حيث يعطي فيها العراق نفطه بعملية شبه مجانية“.

وتوضح جودت “الأولى بالحكومة ان تهتم بشعبها وبلدها حيث ان المتسولين يملؤون الشوارع ونسبة الجريمة بسبب الوضع الاقتصادي مرتفعة، كما ان نسب الطلاق والمخدرات ايضا ارتفعت بشكل مخيف، وكلها تعود لأسباب اقتصادية”، مبينة ان “العراق في جميع محنه لم يتلق المساعدة من أحد“.

وتنتقد جودت سياسات إفقار الشعب بعد أن “سعت كتله وحكومته إلى رفع سعر صرف الدولار وتدمير المواطن”، متابعة أن “الحكومة لا ترضى بتمرير فقرة البترودولار في الموازنة، كما انها لا تملك برامج صحيحة بشأن الزراعة والصناعة والبنى التحتية والمدارس، كما ان الخدمات كلها غير مهيأة“.

ومن المفترض ان تنطلق عملية البيع بعد اسبوع من الان بحسب حديث اللواء ابراهيم لقناة العراقية، الذي أكد أيضا أن النفط سيكون مدفوع الثمن مع ‏تسهيلات، وهي لفتة كريمة من الرئيس الكاظمي، والآليّة ستكون عبر البنك المركزي العراقي ‏والمصرف المركزي اللّبناني، وسيتولّى المعنيّون تنظيم العملية من حيث طريقة ومهلة الدفع، ‏وهذه العمليّة ستنتهي في غضون أيّام قليلة.

وسبق للعراق أن وقف الى جانب لبنان في تفجير مرفأ بيروت، العام الماضي، وذلك عبر ارساله 30 صهريجاً بكميات تصل إلى أكثر من مليون لتر من مادة زيت الوقود، في آب اغسطس 2020، وهي الشحنة الثانية بعد شحنة اولى تمثلت بـ800 الف برميل من مادة زيت الغاز، فضلا عن 10 الاف طن من مادة الطحين.

يذكر ان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، أرسل أمس الأول، برقية الى رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي شاكرا باسمه وباسم المجلس النيابي والشعب اللبناني مصادقة الحكومة العراقية على دعم لبنان بالنفط الخام وزيادة هذا الدعم من 500 ألف طن إلى مليون طن، وجاء فيها “يد الخير أبدا لا تنثني.. هو العراق رمح الله في الارض“.

وتابع في البرقية “مجددا فعلكم وفعل أبنائه ومرجعياته الرشيدة مصداق لقوله تعالى: سنشد عضدك بأخيك… ببالغ الشكر والإمتنان تبلغنا موافقتكم وحكومتكم الكريمة على تزويد لبنان بمليون طن من النفط الخام بمعدل يكفي لسد نصف حاجة لبنان من هذه المادة سنويا“.

إقرأ أيضا