نقص بالأدوية والأجهزة.. السرطان ينتشر في البصرة وسط “تراخي” الجهات المعنية

تتصدر البصرة محافظات العراق في عدد الإصابات بمرض السرطان منذ سنوات عديدة، فيما لا تزال…

تتصدر البصرة محافظات العراق في عدد الإصابات بمرض السرطان منذ سنوات عديدة، فيما لا تزال تعاني حتى اللحظة من نقص الأدوية وأحيانا “التشخيص الخاطئ”، ما يدفع المواطنين الى البحث عن مراكز علاج خارج العراق، فضلا عن عدم استيراد البلد للأجهزة الحديثة المتوفرة في أغلب دول المنطقة بحسب طبيب، فيما كشف سياسي عن “تراخي” مراكز العلاج المختصة باستيراد الأدوية، محملا وزارة الصحة “المسؤولية الكاملة”.  

ويقول الطبيب محمد عباس في مستشفى المربد بمحافظة البصرة خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الواقع الصحي في عموم المحافظة يعاني من الانهيار والاهمال التام”.

ويضيف عباس، أن “مشافي البصرة تعاني بصورة عامة من نقص الادوية الخاصة بالأمراض المزمنة والسرطانية، وذلك بالتزامن مع تزايد اعداد المصابين بهذه الامراض في الآونة الاخيرة”، مبينا أن “هذا النقص الحاصل بالأدوية يدفع الاهالي الى شرائها من الصيدليات الخارجية، علما ان بعض اسعار هذه الادوية يتجاوز الـ500 الف دينار (نحو 350 دولارا) وهو ما يشكل ثقلا وعبئا كبيرا على العوائل التي تستخدم هذه العلاجات بشكل دوري ومستمر”.

ويتابع “لذلك يلجأ العديد من هؤلاء الى مغادرة البلاد والتوجه نحو الخارج، وذلك لان فرص العلاج هناك اكبر والشفاء النهائي يكون بنسب عالية، على اعتبار ان هذه الدول تمتلك الآليات والاجهزة والادوية المطورة والتي لم تصل للعراق بعد”، موضحا أن “التبرعات من قبل المنظمات المتواجدة في المحافظة لها دور كبير في إعالة بعض العوائل، لكي يستمروا بأخذ العلاج الخاص بالأمراض السرطانية، خصوصا لدى فئة الاطفال، حيث ان التبرعات ساهمت وبشكل كبير في إنقاذ العديد منهم، بل حتى أنه تم تسفير البعض الى الخارج لإكمال مراحل علاجهم من ذوي المراحل الخطيرة”.

وكشف المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة سيف البدر، في شباط فبراير الماضي، عن بلوغ المعدل السنوي للإصابة بمرض السرطان في العراق نحو 2500 حالة إصابة، بينها 20 بالمائة إصابات بسرطان الثدي، وقد حصدت البصرة أعلى نسب الإصابة بالسرطان بين عامَي 2015 و2017، فقد تراوح بين 400 و500 إصابة شهرياً، لكنه ارتفع بنسبة تصل إلى 200 بالمائة تقريباً خلال 2018، وخلال عام 2020، بلغ معدل الاصابات في البصرة بين 600 – 700 اصابة.

وتعرضت البصرة منذ العام 1991، الى سقوط آلاف القذائف خلال حرب الخليج الثانية، وبحسب الباحثة بالهندسة الجيولوجية سعاد ناجي العزاوي، فان القوات الأمريكية استخدمت أكثر من 900 طن من الصواريخ المحملة باليورانيوم المنضب، وحصة البصرة منها قرابة 200 طن، ما أدى إلى تكدس المخلفات الحربية في مناطق البصرة، مؤكدةً وجود 26 موقعاً ملوثاً في مناطق “الدرهمية والهوير والرميلة وأبي الخصيب والبرجسية والقرنة وجبل سنام والفاو جنوب غرب البصرة وشمالها”، كما ورد في دراسة لها.

وبشأن تردي مراكز العلاج والتشخيص الخاطئ، تروي المواطنة علية حسين من سكنة محافظة البصرة، وهي مصابة بسرطان الدم “اللوكيميا”، معاناتها في مستشفيات المحافظة، قائلة “انا شخصيا عانيت ما عانيت خلال مرضي ورحلة علاجي في مستشفيات محافظة البصرة، وذلك بحسب ما اخبروني انني مصابة بمرض سرطان الدم اللوكيميا وبعد تشخيصي من قبل اطباء في مستشفيات المحافظة، اخبروني بان العلاج الوحيد الموجود لديهم والمناسب لحالتي هو الكيمياوي”.

وتضيف حسين “بعد سفري الى خارج العراق وخضوعي للعلاج هناك اضطراريا بعد مرحلة اليأس في البصرة، تبين ان الورم الذي بداخلي هو من الاساس ورم حميد وغير مؤذٍ، ولا يحتاج الى الكيمياوي”، مشيرة الى أن “علاجي وبحسب التشخيص هو (نيلوتينيب وتاسيجنا) والتي هي غير متوفرة في مستشفيات المحافظة إلا ما ندر، إضافة الى أن سعره مرتفع، حيث يصل سعر الشريط الواحد الى 300 الف دينار (200 دولار) وهو ما يضطر الاهالي الى الخروج لدول اخرى من اجل العلاج”.

وتعاني المؤسسات الصحية في العراق من التقادم والإهمال، في ظل عدم افتتاح اي مستشفى جديد، رغم انطلاق العديد من المشاريع، فضلا عن انخفاض موازنة وزارة الصحة مقارنة بموازنات المؤسسات والوزارات الاخرى، وابرزها الامنية، وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، فان الحكومة المركزية في العراق أنفقت خلال السنوات العشر الأخيرة مبلغا أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دول أفقر كثيراً، إذ بلغ نصيب الفرد من هذا الانفاق 161 دولاراً في المتوسط بالمقارنة مع 304 دولارات في الأردن و649 دولاراً في لبنان.

الى ذلك، يحمل محافظ البصرة الاسبق والنائب والوزير السابق وائل عبد اللطيف في حديث لـ”العالم الجديد”، وزارة الصحة “مسؤولية نقص الادوية الخاصة بالامراض السرطانية بالمحافظة”.

ويضيف عبداللطيف، أن “الاصابات بالامراض السرطانية اتسعت مؤخرا، وذلك نتيجة للحروب المتتالية والاشعاعات والغازات المنبعثة من الابار النفطية في المحافظة، وهو ما يحتاج الى علاج اما داخل او خارج العراق”، موضحا أن “الادوية المتوفرة بصراحة غير كافية، خاصة وانها تأتي بالمقام الاول وتتقدم حتى على الغذاء، وشكاوى المواطنين واقعية”.

ويلفت الى أن “مراكز معالجة الامراض السرطانية منتشرة بغالبية محافظات العراق، ولكن تتراخى في بعض الاحيان عن شراء الادوية الخاصة بهذه الامراض، وهو ما يؤثر على المصابين وبالحقيقة هذا الامر لا يحتمل التأخير كونها ليس ادوية لامراض طبيعية، لان تناولها وجوبي للمصابين، فضلا عن انها مرتفعة الاسعار ولا يمكن للمواطن البسيط توفيرها من الخارج”.

ويردف أن “هذه الادوية ولخطورتها ينتج عنها ايضا تشوهات لدى الحوامل، وقد يتم ولادة الطفل بعين واحدة او نصف ذراع وقد اشترك العراق بمؤتمر عقد في اسبانيا، وعند عرض هذه الصور على الحاضرين هناك أشاح الجميع بنظرهم عنها”، مضيفا ان “وزارة الصحة هي من تتحمل كل هذه المسؤوليات كونها هي من توفر هذه الادوية لجميع المصابين، ولهذا فان الوزارة مقصرة كثيرا في عملية تامين الدواء لهؤلاء المصابين”.

يشار الى ان العراق انضم عام 2007 إلى معاهدة أوتاوا الدولية، وهي تطالبه بتطهير أراضيه من الألغام وبقية مخلفات الحرب، لكن لغاية الان لم يجري تنظيف مناطق البلد بشكل كامل، وفي تشرين الأول أكتوبر 2009 بدأ مشروع نقل الأهداف الملوثة باليورانيوم من البصرة، بتمويل فيلق الاعمار الأميركي، وبإشراف وزارتي البيئة والعلوم والتكنولوجيا العراقيتين، وتم نقل محتويات جميع المواقع الملوثة من داخل مركز مدينة البصرة، لكن المشروع توقف بعد عام على انطلاقه بعد تدخل مسؤولين في المحافظة بعملية إخلاء بعض المواقع لارتباطهم بعلاقات مع أصحاب مواقع تجميع سكراب الحديد.

إقرأ أيضا