صمت حكومي.. تأييد غربي لتركيا يطلق يدها في شمال العراق

تقارب كبير يلوح في الافق بين دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا من جهة، وتركيا من جهة…

تقارب كبير يلوح في الافق بين دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا من جهة، وتركيا من جهة أخرى، قبل وخلال انعقاد مجموعة السبع في بروكسل، ما اطلاق يد أنقرة في شمال العراق لملاحقة حزب العمال الكردستاني (PKK)، فضلا عن التزام الصمت في حال قرر العراق تدويل قضية التوغل العسكري التركي، فيما قررت القوى السياسية عدم السماح باستجواب رئيس الحكومة في البرلمان لانه “جزء من منظومتها.

ويقول القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني اريز عبدالله في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الموقف العراقي تجاه التدخل التركي ضعيف جدا، حيث تدور هناك حرب دامية بين حزب العمال الكردستاني وتركيا منذ أكثر من 30 عاما”.

ويضيف عبدالله “عندما تتخذ تركيا حزب العمال الكردستاني ذريعة لاحتلال جزء من العراق مقابل صمت حكومي، فهو أمر مؤسف جدا ومشجع لبقية الدول المجاورة على احتلال أراض عراقية”، مبينا أن “لتركيا أطماعا تاريخية في الموصل وكركوك، واردوغان لم يخف ذلك من خلال تصريحاته التي قال فيها سنعيد اراضينا شمال العراق إلى أحضان الدولة التركية، وكل ذلك مقابل صمت عراقي وحتى الجامعة العربية والمجتمع الدولي”.

وقال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أمس الأول الاثنين، خلال مشاركته قمة الناتو في بروكسل “قررنا اتخاذ خطوات من شأنها تعزيز البعد السياسي للناتو مع جعله أقوى عسكريا”، كما نقلت وسائل اعلام تركية ان اردوغان شدد في خطابه في قمة الناتو والاجتماعات الثنائية على ضرورة إنهاء الدعم لتنظيمي “بي كا كا”.

ومنذ مطلع العام الحالي، صعدت تركيا من عملياتها في العراق، بشكل غير مسبوق، إذ أطلقت أكثر من عملية عسكرية، كان آخرها في نيسان أبريل الماضي، حيث نفذت عملية برية عبر انزال جوي في دهوك، وأنشأت سيطرات في القرى، ثم تبعها إعلان رسمي من وزير الداخلية التركي سليمان صويلو حول إنشاء قاعدة عسكرية جديدة شمالي العراق، وهو ما دفع وزير الدفاع التركي خلصوي أكار الى دخول الاراضي العراقية وتفقد الجنود الاتراك، دون أي موافقات رسمية.

ومؤخرا اشتدت حدة الاشتباكات بين القوات التركية والعمال الكردستاني، ما أدى الى نشوب خلاف بين الأحزاب الكردية حول طبيعة التعامل مع العمال الكردستاني، وحول “شرعية” وجوده أيضا، بعد تأثر القرى والتوغل التركي في العمق العراقي، حيث بلغ 40 كليومترا لأول مرة.

وحول هذا الأمر، يلفت الصحفي العراقي المعتمد لدى الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي (الناتو) حسين الوائلي في حديث لـ”العالم الجديد”، الى أن “الأوروبيين الآن مع العمليات التركية لضرب حزب العمال الكردستاني، فالموقف الأوروبي تغير لأسباب كثيرة منها أنه بحاجة تركيا في أماكن أخرى”.

ويوضح الوائلي، أن “الناتو بحاجة الى تركيا التي تعتبر عضوا فيه، لملء فراغ انسحابه من أفغانستان، حيث اتجه الى اختيار تركيا للتواجد في ذلك البلد بعد انسحابه منه”، مبينا أن “دخول القوات التركية لافغانستان، سيكون بوساطة قطرية، حيث أن الناتو مصر على وجود أحد أعضائه في أفغانستان الذي خرج منه نتيجة لرفض الأفغان لأي وجود أجنبي في بلدهم”.

ويتابع أن “الغرب أعلن عن دعمه لتركيا في عملياتها، وبالمقابل فان تركيا أبلغت الناتو بأنها تحارب الإرهاب وتحمي مصالح أوروبا، ما دفع بالدول الأوروبية وأمريكا الى الإشادة بدور تركيا، لكنها أقدمت على نوع من المكاشفة معها، وطلبت منها في الوقت نفسه، مراعاة ملف حقوق الانسان بما يخص الحريات العامة والمعتقلين الأتراك والأجانب لديها منذ الانقلاب الفاشل في العام 2016”.

ويلفت الى “حدوث توافق بين فرنسا وتركيا على حل المشاكل العالقة بينهما، وهو ما سيساعد تقليل الرفض للدور التركي في شمال العراق”، متابعا أن “كل هذه المعطيات ستقوي من الوجود التركي شمالي البلاد”.

وعن تحرك العراق نحو مجلس الأمن بشأن التوغل التركي، يبين “لا أعتقد أن الأمر سيأخذ مجراه، لكون المجتمع الدولي الآن له مصلحة مع تركيا، في وقت لا تربطه أي مصالح مع العراق حتى يستجيب لملف التوغل التركي”.

وكان أردوغان قد طالب حلف شمال الأطلسي “الناتو” بشكل علني، لإسناد القوات التركية خلال عملياتها في العراق، وهو ما جوبه بصمت رسمي، وتزامن ذلك الحديث، مع توجه الناتو لزيادة عدد قواته في العراق من 500 الى 4 آلاف عنصر، وهو ما أعلن عنه رسميا من قبل الحلف، لكنه جوبه بنفي عراقي، وبقي القرار دون تنفيذ لغاية الان.

وتستمر العمليات التركية دون توقف في العراق، وتحديدا في القرى التابعة لمحافظتي السليمانية ودهوك، فضلا عن إنشاء نقاط أمنية في العديد من القرى، التي فرضت فيها القوات التركية حظرا للتجوال لتنفيذ عملياتها، وذلك بالتزامن مع استهداف مدينة مخمور، التي اعتبرها أردوغان “معقلا” للعمال الكردستاني وشببها بجبال قنديل، الامر الذي ادى الى تنفيذ ضربات جوية فيها ايضا.

من جانبه، يبين القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني محسن السعدون في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قضية السيادة وحماية الحدود العراقية هي محصورة بالحكومة المركزية في بغداد، والعدوان التركي مستمر منذ اشهر طويلة في شمال العراق دون وجود موقف قوي وحازم بحجم ما يجري من خرق علني للسيادة، ابتدأ من القصف المستمر وتجريف الاراضي وتهجير العوائل”.

ويشير السعدون، الى أن “الاتفاقية المنعقدة بين العراق وتركيا في زمن النظام السابق وتحديدا بثمانينيات القرن الماضي، سمحت بالدخول لعشرين كلم من الجانبين في حال وجود ارهابيين، ولكن هذا الملف تطور”، متابعا أن “السيادة دستوريا والتي تشمل الأراضي الموجودة بين العراق وايران وتمتد إلى إقليم كردستان وتركيا وسوريا هي من صلاحيات الحكومة العراقية وليس إقليم كردستان، وعليه فهي من يجب أن تتفاوض وتضع حدا للخروق”.

وكان قضاء سنجار هو الهدف التركي المعلن، حيث يعتبر معقلا لعناصر الحزب العمال الكردستاني، وهو ما دفع بالفصائل المسلحة العراقية لارسال ألوية عسكرية الى القضاء، وتمركزت فيه لصد اي عملية تركية محتملة داخل القضاء الذي يقع جنوب غربي نينوى ويعد موطنا لتواجد أبناء المكون الإيزيدي في العراق، والذي تعرض الى إبادة على يد تنظيم داعش في آب 2014، حيث اختطف التنظيم الاف النساء والاطفال، فضلا عن قتل الاف آخرين، ومؤخرا تم الاعتراف بما تعرض له المكون كـ”إبادة جماعية”.

وقد بدأت سلسلة العمليات العسكرية التركية عقب زيارة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي الى أنقرة في 17 كانون الاول ديسمبر 2020، وبحسب ما كشفته “العالم الجديد” حينها، في تقرير سابق، فان الكاظمي أبلغ أردوغان بعجزه عن تنفيذ اتفاق بغداد– أربيل للسيطرة على سنجار وطرد عناصر حزب العمال الكردستاني منها، ومنح الضوء الأخضر لأردوغان بالدخول الى سنجار، تحت مظلة تحالف الناتو، حيث كانت بغداد واربيل، قد وقعتا في 9 تشرين الأول أكتوبر 2020، اتفاقا سمي بـ”التاريخي”، يقضي بحفظ الأمن في قضاء سنجار من قبل قوات الأمن الاتحادية، بالتنسيق مع قوات البيشمركة المرتبطة بإقليم كردستان، وإخراج كل الفصائل المسلحة وإنهاء وجود عناصر العمال الكردستاني “PKK”.

من جانب بغداد، يؤكد النائب عن تحالف الفتح احمد الكناني في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “السبب في التمادي التركي هو ليس الأتراك فحسب، وإنما الموقف العراقي الذي اكتفى بالتصريحات فقط، وبالتالي فاننا اليوم لا نعتب على الجانب التركي لأنه يريد أن يحمي مواطنيه واراضيه من حزب العمال الكردستاني، لكن عتبنا على الحكومة العراقية”.

ويلفت الى أنه “لم نلاحظ اي تدخل من قبل الحكومة العراقية ولا من قبل الاقليم ولا من قبل القوى السياسية التي صدعتنا بموضوع قوى الدولة وقوى اللادولة”، مبينا “كل هذه المؤشرات تعطي الجانب التركي الاريحية بالتصرف، لانه حتى هذه اللحظة لم يجد ردودا من قبل الخارجية العراقية والقوى السياسية”.

وحول إمكانية استجواب رئيس الحكومة في البرلمان او استضافته بشأن التوغل التركي، يبين الكناني “لن تأتي القوى السياسية بالكاظمي أو حكومته الى قبة البرلمان ومحاسبتهم بشأن ما يحدث من احتلال تركي لأراضي العراق، كون هذه الحكومة جزءا من منظومة القوى السياسية”.

يشار الى انه في شباط فبراير الماضي، اعلن عضو لجنة الأمن والدفاع النائب كاطع الركابي، أن مجلس النواب العراقي، سيكون له تحرك لغرض معرفة حقيقة قيام الجانب التركي بالعمليات العسكرية في شمال العراق بضوء اخضر من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وسيكون هذا من خلال توجيه اسئلة برلمانية للكاظمي، وكذلك استضافة القيادات العسكرية المسؤولة عن هكذا قضايا.

إقرأ أيضا