الفساد يطال النفايات.. بلديات العاصمة تتحدث عن خفايا تراكمها

تراكم النفايات في الأزقة والاماكن العامة، ظاهرة تزكم منذ سنوات أنوف البغداديين، وهو أمر ليس…

تراكم النفايات في الأزقة والاماكن العامة، ظاهرة تزكم منذ سنوات أنوف البغداديين، وهو أمر ليس بعيدا عن “الفساد والرشى” بحسب مسؤولين في بلديات العاصمة، ممن عزوا الأمر الى نقص في الآليات والأيدي العاملة و”الإهمال” الحكومي.

ويقول مسؤول بلدية منطقة الشعلة شمالي العاصمة مصطفى كمال في حديث لـ”العالم الجديد” إن “السبب الحقيقي في زيادة انتشار النفايات بالعاصمة بغداد، يعود الى قلة الكابسات (عجلات رفع وكبس النفايات) خصوصا في المناطق المزدحمة ذات الاكتظاظ السكاني والمناطق الشعبية، حيث لا توجد فيها سوى كابسة واحدة، وبالتالي فهي لا تستطيع جميع هذه النفايات كلها وكبسها في الوقت ذاته”.

ويبين كمال، ان “عجلات البلدية لو تعرضت الى عطل ما، فان تصليحها يستغرق ثلاثة اشهر على الاقل، وهذا يعود الى الاهمال الكبير من قبل الادارة او الجهات المعنية بموضوع النفايات، وهذا يؤدي الى تكدس النفايات بشكل يومي واتساعها”.

ويلفت الى ان “قضية الرشاوى والابتزاز حاضرة وبقوة في موضوع عدم نقل النفايات، حيث ان القائمين على هذه الامور دائما ما يبتزون بعضهم البعض عبر تصوير تجمعات النفايات والتهديد بإيصالها لجهات عليا في حال لم يدفع الشخص الاخر مبلغا ماليا من اجل تمشية الامور”، مستدركا أن “قلة الايادي العاملة مسبب اخر، حيث تمتنع امانة بغداد او الجهات المعنية بتعيين موظفين جدد والاعتماد على الموجودين وهم قلة، بالتالي فان هذا يسبب ارهاقا ويؤدي الى تكاسل بالعمل”.

ويتابع “لا ننسى أن الكثير من الاهالي غير مهتمين بموضوع النظافة من الاساس، حيث ان هناك بعض الاماكن المخصصة للنفايات ولكنهم يتعمدون رميها في اماكن عامة، وهو ما يؤدي الى كثرة أماكن جمع النفايات وبالتالي فان البلدية لا يمكنها الذهاب لهذه الاماكن جميعا”. 

وتتراكم في العاصمة بغداد، أطنان من النفايات وخاصة في المناطق الشعبية المكتظة بالسكان، وكان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي قد وجه حديثا لامانة العاصمة في ايار مايو الماضي قائلا “على أمانة بغداد تحمّل كامل مسؤوليتها والقيام بواجباتها”، وشدد على ضرورة تفعيل حملات تنظيف واسعة لأحياء العاصمة ورفع النفايات، والحفاظ على المناطق الخضر والحدائق العامة.

توجيه الكاظمي، دفع امين العاصمة علاء معن الى دعوة أهالي العاصمة إلى “دعم عاملي النظافة وإسنادهم من خلال الالتزام بجمع النفايات في أماكنها المخصصة”، مؤكدا ان “النظافة مسؤولية مشتركة تهدف إلى إظهار بغداد بشكل أجمل”.

فيما يبين المواطن ابو سلام، وهو من سكنة منطقة السيدية غربي العاصمة، ان “النفايات اصبحت ظاهرة معيبة في بغداد، حيث اصبحنا نشاهدها حتى في المتنزهات، وحقيقة هذا يعود الى قلة الوعي والثقافة”.

ويضيف ان “رمي النفايات في الشارع او من نوافذ العجلات، ظاهرة تفشت بشكل كبير ايضا، وحقيقة من لا يحافظ على نظافة منطقته او بلده، فهو بكل تأكيد يعكس طبيعة حياته داخل منزله والتي ستكون مشابهة لما يقوم به من تصرفات خارجه”.

ويوضح ان “دوائر البلدية صراحة تتحمل جزءا من هذه الظاهرة، حيث ان البعض منها لا يعمل كما هو مطلوب منه، وبعضهم لا ينقل اي نفايات اذا لم تشترك معهم باشتراك شهري قدره 10 الاف دينار (نحو 7 دولارات) او يومي بـ1000 دينار (نحو 70 سنتا)، وفي حال لم تدفع فان نفاياتك تبقى لشهر كامل دون أن ينقلوها وهذه الظاهرة انتشرت ايضا بشكل كبير في بغداد”. 

ويردف أن “هذه النفايات تتسبب بنشر الامراض والروائح الكريهة، وضحيتها دائما الاطفال، وان بقائها لفترة طويلة ممكن ان يجعل منها عبارة عن سموم خطيرة، وعلى الحكومة أن تخصص أماكن خاصة بها، وأن تراقب عمل مجالس البلديات بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية والرشى، كما عليها ان تقوم ببرامج تثقيفية بخطورة هذه الاوساخ على حياة الانسان”.    

ويقع في الجانب الجنوبي الشرقي من العاصمة، وتحديدا بين أسفل مقتربات الطريق السريع الرابط بين منطقتي بغداد الجديدة والدورة، موقع لطمر النفايات، وغالبا ما ترتفع مع اعمدة الدخان ويشاهد المواطنين آليات رفع النفايات وهي تفرغ حمولتها في هذا الموقع، وذلك بالاضافة الى معمل وفرز النفايات، الذي افتتحته بلدية المحمودية جنوبي العاصمة، الذي يقع على مساحة 64 دوما، ويعمل بطاقة تصل الى 200 طنا في اليوم الواحد.

وبالانتقال الى مدينة الصدر شرقي بغداد، وهي الأعلى بعدد السكان في العاصمة، فيقول تحسين الشويلي، وهو مسؤول في بلدية المدينة، إن “كل زقاق في مدينة الصدر اصبح في مدخله مكب نفايات، ما دفع المواطنين الى وضع صور رموز دينية لمنع رمي النفايات قرب منازلهم”.

ويتابع، أن “النفايات التي يتم رميها مساء يوم الخميس، فأنها تبقى بالشارع لغاية يوم الاحد صباحا، وهذا مؤشر خطير على انتشار الفيروسات والامراض، خاصة واننا نعيش في مرحلة انتشار فيروس كورونا وغيره من الامراض الخبيثة، وحقيقة هذه مشكلة يجب ان تلتفت لها امانة العاصمة وتعالجها، خاصة وان النفايات تقطع الطريق في بعض الأزقة لكثرتها خلال الفترة المذكورة اعلاه”.

ويؤكد “لدينا طاقم يعمل ليلا بالاضافة للطاقم الصباحي، إلا ان التعداد السكاني الهائل لاهالي مدينة الصدر هو السبب الرئيس في انتشار النفايات بهذا الشكل” مبينا ان “كميات النفايات في تصاعد مستمر رغم تخصيص المزيد من الاليات والأيادي العاملة، لكن في كل منزل بمدينة الصدر توجد ما يقارب 3 عوائل”. 

وفي تموز يوليو من العام الماضي، طالب النائب الاول لرئيس مجلس النواب حسن كريم الكعبي، المنحدر من مدينة الصدر، مجلس الوزراء ووزارة المالية وأمانة بغداد بالتحرك “العاجل” لانقاذ مناطق مدينة الصدر من تراكم النفايات لأكثر من شهر، وذلك لعدم تأمين التخصيصات المالية من قبل وزارة المالية إلى أمانة بغداد باعتبار الأخيرة احدى دوائر التمويل الذاتي.

 

وذلك، بعد ان كانت أمانة بغداد، قد أعلنت منتصف أيار مايو 2020، أن ملاكاتها في بلديتي الصدر الأولى والثانية، ترفع 1600 طن من النفايات كمتوسط معدل يومي.  

وليس بعيدا عن مدينة الصدر، فمنطقة الرشاد شرقي العاصمة، وبحسب عضو المجلس البلدي فيها محمد الدراجي، فهي “منطقة منكوبة”، إذ يبين “بدءا من أحياء المنطقة (المعامل والسعادة والكرامة وصولا الى سبع البور) جميعها متعبة واساسا لا توجد فيها اي خدمات”.

ويضيف في حديثه لـ”العالم الجديد” ان “المشكلة تكمن في ان بعض المناطق لدينا تابعة لامانة العاصمة، في حين ان القسم الاخر هو تابع لمحافظة بغداد، وهذه حقيقة مشكلة بحد ذاتها حيث لا توجد مركزية في العمل”، متابعا “الوقت الحالي كله امراض، مثل كورونا والفطر الاسود، ومع هذا فان اعمدة الدخان تتصاعد بشكل غير طبيعي جراء حرق النفايات بشكل عشوائي”.

وينوه الى أن “الامراض التي تتسبب بها النقايات كثيرة في هذه الاحياء، وذلك في وقت لم تمارس وزارة الصحة دورها الطبيعي، حيث ان ابسط مركز صحي لدينا لا يوجد فيه أي علاج والمستشفيات بعيدة”، مضيفا ان “اعداد العاملين غير كافية مقارنة بمنطقة الكرادة التي تشهد استمرار العمل ليلا ونهارا”.

ويشير الى ان “مناطقنا تشهد غياب تام للكابسات، فانها تأتي كل يومين او ثلاثة ايام مرة واحدة”.   

يذكر ان هناك العديد من مشاريع إنشاء معامل لإعادة تدوير النفايات وتحويلها الى مواد صالحة للاستخدام، مثل الأسمدة او فرز المواد الصلبة فيها، قد طرحت خلال الاعوام الماضية، لكن في عام 2014 وبسبب الأزمة المالية والحرب على تنظيم داعش توقفت اغلبها، ما دفع امانة بغداد الى طمرها بالطرق التقليدية.

وكان معاون مدير دائرة المخلفات الصلبة والبيئة في أمانة بغداد أحمد عبد الإله، كشف العام الماضي عن وجود ثلاث شركات إحداها تركية قدمت طلبات للاستثمار في مشروع تدوير النفايات وإنتاج الطاقة الكهربائية، فيما بين ان هناك مفاوضات مع وزارة الكهرباء لشراء الطاقة الكهربائية الناتجة من المشروع، لكن البدء بهذا المشروع يحتاج الى تشريعات قانونية تزيل العقبات من امامه.

إقرأ أيضا