الابتزاز الإلكتروني.. خطر يهدد المجتمع وخوف من التبليغ عنه

“كانت تدفع احدى السيدات راتبها الشهري للمبتز لمدة سنة كاملة”، بهذه الكلمات يختصر ضابط قصة…

“كانت تدفع احدى السيدات راتبها الشهري للمبتز لمدة سنة كاملة”، بهذه الكلمات يختصر ضابط قصة احدى حالات الابتزاز التي صادفها اثناء عمله في مدينة النجف، حيث كانت الضحية تدفع تلك الاموال من خلال قيامها بتحويل كامل راتبها الذي تستلمه من الرعاية الاجتماعية لمواطن من احدى المحافظات، قبل ان تتمكن الشرطة المجتمعية من القبض عليه، حتى تبين فيما بعد انه احد اقاربها من الدرجة الاولى، وتمكن من اختراق صفحتها على موقع التواصل (الفيس بوك).

 

ويتحدث مدير شعبة الشرطة المجتمعية في محافظة النجف المقدم ضابط كاظم زوين ان “هناك العديد من طرق الابتزاز في العراق، لكن العادات والتقاليد والاعراف الاجتماعية، كانت ولا زالت تمنع الذين يتعرضون للابتزاز من التبليغ”.

وشهدت النجف، وهي المدينة ذات الطابع الديني المحافظ، تسجيل 40– 50 حالة ابتزاز، اغلب ضحايها من الإناث، بحسب زوين، الذي اكد ان “عدم قدرة الضحايا الاناث على توفير متطلبات المبتز، يدفع بهن الى الانتحار او الهروب، كما حصل مع فتاة من محافظة صلاح الدين، إذ استطاع المبتز في تلك العملية من الوصول الى حساب (الفيس بوك) لشقيق الضحية وصار يتواصل معه بصفة (فتاة) ويتواصل مع الضحية وتهديدها بإرسال الفديوهات والصور الخاصة بها الى (شقيقها).

وكشف زوين ان “الضحية لم تجد في وقتها من وسيلة الا التواصل مع الشرطة المجتمعية واخبارهم بضرورة حل الموضوع او انها (تهرب) بعيدا عن اهلها خشية (القتل)، وهنا استطاعت الشرطة المجتمعية ان تحل هذا الامر بعد معرفة المبتز والتوصل اليه من خلال تشكيل فريق عمل وابلاغه بالمواد القانونية المترتبة على الابتزاز من الحبس والغرامات المالية”.  

“و.ف” تتحدث ايضا عن تعرضها للابتزاز عبر صورها الشخصية ومقاطع الفديوهات التي ارسلتها في وقت سابق عبر المحادثات على حسابها في الانستغرام، وذلك بعد خداعها من قبل المبتز.

في تلك الفترة، لم تكن “و.ف” قادرة على الوصول الى حسابها في الانستغرام، ما دفعها الى الطلب من احد الاشخاص مساعدتها في فتح الحساب، وبعد ان قامت بارسال الايميل والرمز السري، قام الشخص بفتح الحساب وحفظ المحادثات، وأوهم الفتاة بان “هكر” سيطر على حسابها.

قانونيا، فيشير المحقق القضائي قيس التميمي الى ان “قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، لم يشر صراحة إلى جرائم الابتزاز الإلكتروني، ولكنه عالج جريمة الابتزاز المالي في المادة 452، وبحسب هذه المادة اولا: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنين أو بالحبس من حمل آخر بطريق التهديد على تسليم نقود أو اشياء اخرى غير ما ذكر في المادة السابقة، و ثانيا: تكون العقوبة مدة لا تزيد على عشر سنين اذا ارتكبت الجريمة بالقوة أو الاكراه”.

ويعرف التميمي الابتزاز الإلكتروني بأنه “عملية تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مواد فيلمية أو تسريب معلومات سرية تخصه، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين كالإفصاح بمعلومات سرية خاصة بجهة العمل أو غيرها من الأعمال غير القانونية”.

وعادة ما يتم تصيد الضحايا عن طريق البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة مثل الفيس بوك وتويتر وإنستغرام وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي، نظرا لانتشارها الواسع واستخدامها الكبير من قبل جميع فئات المجتمع، بحسب التميمي، الذي يؤكد تزايد عمليات الابتزاز الإلكتروني في ظل تنامي عدد مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي والتسارع المشهود في اعداد برامج المحادثات المختلفة.

فيما يوضح المحامي غسان اللبان انه “يُعاقب بالحبس مدة لاتقل ثلاث سنوات ولاتزيد عن خمس سنوات أو بغرامة تصل الى 10 ملايين دينار، كل من ابتز او هدد شخصاً اخر الكترونياً او عبر برامج التواصل الاجتماعي”.

الابتزاز “الدولي”

في الاونة الاخيرة اصبحت مكاتب تحويل الاموال لخارج العراق تشهد إقبالا كبير باشخاص يحولون الاموال لعدد من البلدان وابرزها “المغرب”، حيث تعمل فيه احدى الشبكات الخاصة بالابتزاز.

شبكات الابتزاز في المغرب، تعمد الى التواصل مع الضحية عبر حساب باسم فتاة، وتدعي انها ترغب بالتحدث الى الضحية عبر الفيديو ومن ثم تطلب منه (خلع ملابسه)، وهنا تقوم بتصويره وهو “عار”، وبعد ذلك يتجه المبتز الى انشاء صفحة على الفيس بوك وارسال طلبات صداقة، لاصدقاء الضحية، ويهدده بارسال الفيديو اليهم في حال لم يدفع المبلغ، الذي عادة يكون “500 دولار” او اكثر.

لكن في العراق، تعمل الشرطة المجتمعية التي انشأت حديثا على الحد من الابتزاز الذي يتعرض له الاشخاص داخل البلد، وبرغم الامكانات البسيطة التي تعمل ضمن إطارها، إلا انها استطاعت حل الكثير من المشاكل التي تتعلق بالابتزاز الالكتروني.

وهنا يوضح يشير المقدم ضياء كاظم زوين ان “التعامل مع المبتزين في العراق يتم بطريقتين، الاولى منها يكون معروفا ويمكن الوصول اليه مباشرة كأن يكون قريب او صديق الضحية او يمكن الوصول الى (مختار) المنطقة التي يسكن فيها، ويكون عمل الشرطة المجتمعية هي تعريف المبتز بالمواد القانونية التي تتعلق بجريمته وضرورة الكف عن الامر، فتنتهي عملية الابتزاز بالغالب بهذه الخطوة”.

اما عن الطريقة الثانية، فيقول “بعض الحالات تتطلب الوصول الى رفع شكوى لدى المحاكم المختصة، لكن الشرطة المجتمعية ساهمت من خلال المنتديات الخاصة بها في المحافظة وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني بتقليل الظاهرة”.

 

وتعود الشرطة المجتمعية في هيكليتها الى وزارة الداخلية في قسم الاعلام والعلاقات، ويشكو العاملين فيها من قلة الدعم الاعلامي للتعريف بالادوار التي يقومون بها في المجتمع والتعريف باهمية دورها في الحد من الابتزاز. 

فقراء بالتكنولوجيا

تتحدث “ف.ع” عن عملية الابتزاز التي تعرضت لها احدى زميلاتها عبر برنامج (التلغرام)، حيث استطاع المبتز فيها من خداع الفتاة نتيجة عدم معرفتها الكافية بالامور التكنلوجية وطلب منها ارسال الرمز الذي وصل اليها بحجة اختراقها (للقواعد)، وقام بعد ذلك بالتواصل معها في الواتس آب، عبر “رقم دولي”.

الفتاة قدمت شكوى في حينها، الى الامن الوطني، وبحسب كلامها، فقد تم ابلاغها بعدم القدرة على التحرك لان الرقم دولي، مبينة “لقد عملت مع زملاء لي على نشر ان القضية وصلت للامن الوطني، وذلك في مجموعات خاصة بنا، وبعدها توقفت عملية الابتزاز، إذ اتضح ان المبتز موجود بيننا في المجموعات الخاصة”.

الابتزاز داخل اسوار الجامعات

يبدو ان الابتزاز لا يتوقف على طبقة دون اخرى من المجتمع، فاصبح يتوغل في المجتمع بشكل كبير جدا حتى وصل الى اسوار الجامعات، حيث تتحدث (غ . م) عن القصة التي تعرضت لها زميلتها في الجامعة، إذ قام شاب مرتبط بفتاة بتهديدها بنشر المحادثات والصور.

وتروي “غ.م” ان الضحية استعانت باستاذ في الجامعة، لكنه اشترط رؤية الصور قبل تدخله لحل الموضوع، لكن الفتاة رفضت قبل معرفة العقوبة التي سيتعرض لها زميلها.

ارهاب الابتزاز

مع تزايد حالات الابتزاز والتطور التكنلوجي الكبير الذي يبدوا ان العراق قد وصل اليه مؤخرا، نلاحظ تزايد حالات الابتزاز، ففي احدى منشورات الشرطة المجتمعية كانوا يتحدثون عن فتاة تتعرض للابتزاز لفترات طويلة، والتزمت الصمت بسبب خوفها من (الفضيحة)، حتى تبين فيما بعد ان المبتز هي (شقيقة) الضحية وهي من تعمل على ابتزازها لاسباب مختلفة.

ويلجىء الاغلب للسكوت وخصوصا (النساء) خوفا من “العشيرة” او العادات والتقاليد، ويخضع القسم الاخر منهم الى أوامر المبتز خوفا من (القتل) بعد علم الاهل بذلك الامر، والبعض الاخر يخشى الدخول في سلك المحاكم والبلاغات خوفا من تعقد الاجراءات او خشية (النساء) من دخول مراكز الشرطة بداعي العادات والتقاليد.

“تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.

إقرأ أيضا