تعديل “الأحوال المدنية”.. “إهانة للمرأة” أم انتصار لـ”الروابط الأسرية”؟

فجرت قراءة مجلس النواب لمقترح تعديل المادة 57 في قانون الاحوال الشخصية (المعنية بفترة حضانة…

فجرت قراءة مجلس النواب لمقترح تعديل المادة 57 في قانون الاحوال الشخصية (المعنية بفترة حضانة الأم لطفلها بعد الطلاق)، جدلا كبيرا داخل قبة البرلمان وخارجها، فقد اعتبرته الجبهة المعارضة له “مذلا للمرأة ومنكلا بها”، مؤكدة أن مقترحي التعديل هم ذاتهم من سعوا لـ”قانون الاحوال الجعفري” ورفضوا تمرير قانون مناهضة العنف الاسري، فيما ردت الجبهة المؤيدة لتؤكد أن التعديل يسعى للحد من الطلاق ويقوي الروابط الأسرية ويمنح الطفل حضانة مشتركة بين الأب والأم.

وتقول عضو اللجنة القانونية النيابية بهار محمود في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك محاولات الان لاجراء توازن بين مصلحة الاب والام والطفل، واقتراحنا ان تبقى الحضانة كما هي عليه في القانون دون تعديلها”.

وتضيف محمود “أننا من أشد المعترضين على هذا التعديل، الذي يعتبر تهميشا لدور المرأة كما انه مخالف للمادة 29 من الدستور الفقرة ب، التي تقول ان (الدولة تكفل حق وحماية الأمومة)، وما يجري في هذا التعديل بصراحة هو سلب لحق الأم”.

وتبين أن “الكتل الشيعية هي من قدمته، وحاليا نرى أن تحالف سائرون من المؤيدين له وبقوة”.

وكان مجلس النواب، قرأ مقترح تعديل المادة 57 من قانون الاحواب الشخصية لسنة 1959، قراءة اولى في جلسته يوم الخميس الماضي.

ونص التعديل المقترح، على أن للأم الحق في حضانة الطفل بعد الطلاق حتى يتم السابعة من عمره، كما اشترط على أن تكون الام خلال فترة الحضانة “غير متزوجة إطلاقا”، إضافة الى تأكيده على سحب حضانة الطفل بعد السابعة من عمره، ومنحها للجد، في حال تعذر منحها للأب.

فيما نصت المادة 57 الاساسية، على ان للأم الحق في الحضانة حتى يتم الطفل العاشرة من عمره، وللمحكمة ان تأذن بتمديد حضانة الطفل حتى إكماله الخامسة عشرة، اذا ثبت لها بعد الرجوع الى اللجان المختصة الطبية منها والشعبية ان مصلحته تقتضي بذلك، فيما لم يرد في المادة أي منع من زواج الام ولا منح الحضانة للجد بدلا عنها.   

وحول هذا الأمر، يوضح الخبير القانوني طارق حرب في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذا التعديل يخالف الشريعة الاسلامية وأحكام الدستور ويخالف ما استقر عليه العمل بالقضاء منذ أكثر من 40 عاما، ويخالف حقوق المحضون وحقوق المرأة، ولا جنبة انسانية فيه سوى إذلال المرأة والتنكيل بها”.

ويضيف حرب أن “بعض الأزواج الذين طلقوا زوجاتهم يريدون إذلال النساء من خلال هذا القانون، كما أنه لا يخلو من وجهة سياسية ودعاية انتخابية، وإلا فأين كانوا عنه؟”، مبينا ان “المسؤول عن هذا الامر، هي الجهة ذاتها التي قدمت القانون الجعفري وعارضت خبراء الفقه الاسلامي بالمحكمة الاتحادية بشأنه”.

ويتابع “هذا القانون يخالف تحديدا المادة 41 من الدتسور، التي أناطت الحق للطرفين الزوج والزوجة بحضانة الطفل، ولم تعطه للزوج فقط، كما ان الدستور لم يؤخذ بالشريعة التي ينادون بان هذا التعديل مؤيد لها، وانما الدستور عمل بثوابت الاسلام”.    

يشار الى ان المادة 41 من الدستور العراقي، نصت على ان “العراقيين أحرارٌ في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون”.

وفي العام 2014، وقبل نهاية الدورة النيابية بشهرين فقط، صادق مجلس الوزراء على قانون الاحوال الشخصية الجعفري، وأرسله الى مجلس النواب، لكنه وضعا شرطا امام تمريره وهو “تشكيل لجنة من علماء الدين، تشكلها المرجعية الدينية العليا لمواكبة تشريع القانون في مجلس النواب استنادا إلى الدستور بعد تدقيقه بالتنسيق بين وزارة العدل والدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء”، نظرا لان القانون يعتبر مثيرا للجدل في الاوساط الدينية والاجتماعية، وعليه خلافات حتى بين الفقهاء.

وكان ناشطون ومثقفون عراقيون قد عبروا عن أسفهم لما عدوه تراجعا في بناء منظومة الدولة المدنية التي تعزز فكرة المواطنة.

الى ذلك، تبين الناشطة النسوية بشرى العبيدي في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذا التعديل للقانون هو ظلم للأمهات والأطفال أنفسهم، كما أن مقترح التعديل كتب بعقلية ذكورية بحتة لم تستشر الامهات ولم ينظر الى مصلحة الطفل، وانما كتب فقط بعقلية الاحزاب التي تريد ان تمرر هذا القانون”.

وتضيف العبيدي، أن “من اقترح التعديل، هم نفسهم من وقف بالضد من قانون مناهضة العنف الاسري، هم ذاتهم منذ 2003 لغاية الان يحاولون جاهدين ان يمرروا قانون الاحوال الشخصية الجعفري ويلغون القانون النافذ واعادتنا الى عهد الجواري”، منوهة الى أن “هذا القانون لم يكتب برؤية تأخذ بمصلحة الطفل بالدرجة الاولى، وانما يأخذ بنظر مصلحة الاباء المطلقين، واذا كان الطلاق من الاساس بيد الرجل فلماذا تتحمل المرأة كل التبعات المترتبة على هذا التصرف الأهوج”.

وتشير الى ان “التعديل سيئ فكرةً وصياغةً وتوجهاً، ويحرم الطفل من أمه ويحرمها ايضا من الزواج لبقية عمرها، وهذا لا عدالة فيه ويفترض ان يلغى كما انه لم يؤخذ ايضا برأي 3 لجان المفترض انها تكون حاضرة فيه، وهي المرأة والقانونية وحقوق الانسان النيابية، وانما تم التلاعب وغدر هذه اللجان والحركات النسوية”، مؤكدة ان “هذا التعديل هو اتجار سياسي لا مصلحة فيه، وسنتحرك نحو التحشيد الدولي ضد هذا الموضوع”.    

يذكر انه في العام 2019، كانت رئاسة الجمهورية قد أرسلت قانون مناهضة العنف الاسري الى مجلس النواب لغرض تشريعه، لكن تم تأجيله لاكثر من مرة، وفي حينها اصدر رئيس كتلة النهج الوطني عمار طعمة (القيادي في حزب الفضيلة الاسلامي) بيانا أشار فيه الى أن المشروع يحوي مضامين خطيرة على استقرار العائلة المسلمة العراقية ويستنسخ تجارب غريبة لتطبيقها، وأنّ رعاية الأولاد وحمايتهم يترتب عليه فصل الابن أو البنت القاصرَين من مسكن أبوَيهما ونقلهما إلى مركز إيواء بعيداً عن متابعة ورعاية والديهما، ويجعلهما في معرض خطر سيطرة الغرباء وأخطار الانخراط في علاقات مريبة مع ذوي الشذوذ الأخلاقي ومدمني المخدرات ومرتادي أماكن الرذيلة، في حين انتقد وزير العدل آنذاك حسن الشمري المنتمي لحزب الفضيلة، قرار مجلس الوزراء بتأجيل مشروعي قانوني الأحوال الشخصية والقضاء الجعفري وتعليقهما على موافقة المرجعيات الدينية العليا.

وأضاف طعمة في بيانه آنذاك، أنّ، القانون يدعو إلى أنّ أيّ خلاف أو إشكال يقع بين أفراد العائلة يتحوّل إلى موضوع في المحكمة، وهل تستقر العائلة المبنية علاقتها على المودة والتراحم إذا استبدلت مساعي الصلح والإصلاح الأسري بشكاوى ومراكز الشرطة.

ويبين النائب عن كتلة النهج الوطني حسين العقابي في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العمل جار على تمرير تعديل القانون بهذه الدورة، لان القانون النافذ حاليا بهذه المادة فيه غبن واضح للرجل الذي هو اب لهذا الطفل”.

ويشدد العقابي، على أن “تكون العلاقة متكافئة في الطفل المشترك بينهما، فضلا ان العرف والقانون والشرع يؤكد الولاية للاب، فلماذا هذا الاجحاف بهذا التشريع النافذ الان، حيث الاب لا يرى ابنه سوى ساعة او اثنتين خلال الشهر، ولا يخضع لرقابته وتربيته، وهذا امر غير سليم”، مؤكدا “عدلنا التشريع بما ينسجم مع عدالة ومبدأ الشريعة الإسلامية، حيث ان المادة الحالية ظالمة ومجحفة والعدالة غائبة عنها، لذلك نحن نعمل على تمرير القانون ونوجد توازن منطقي”.

ويستطرد “هذه المادة حتى في أوروبا غير موجودة، وردود فعل المنظمات النسوية كانت أنانية وقاسية جدا”.

وكان مقترح تعديل المادة 57 من قانون الاحوال الشخصية، قد طرح في اواخر العام الماضي داخل قبة البرلمان، من قبل كتلة حزب الفضيلة النيابية (النهج الوطني)، بدعم من جهات دينية اخرى، لكنه لم يمرر في وقتها ولم يستوف عدد التواقيع اللازمة لإدراجه في جدول اعمال مجلس النواب، ومن ثم انشغل البرلمان في حينها باقرار قانون الموازنة الاتحادية وتعديل قانون المحكمة الاتحادية.

من جانبه، يؤكد النائب عن تحالف الفتح محمد البلداوي في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الاعتراض حصل من قبل مجموعة صغيرة من النواب، ولكن بالمحصلة فان القانون تمت قراءته قراءة أولى، وهو ما نصت عليه المواد 120 وصعودا من قانون مجلس النواب، التي تشتمل على عرض القوانين عبر جمع تواقيع اكثر من 160 نائبا”.

ويضيف البلداوي، أن “بعض النواب النساء اعترضن على القانون، حيث ينظرن الينا وكأننا نريد ان نجزّئ الأسرة ونفككها، وان يكون هناك سباق بين الأم والأب على حضانة الطفل، في حين انه يجب ان يكون هذا النظام راع ومحافظ للأسرة، بحيث يدفع إلى تماسكها وليس تفكيكها، ويدفع أيضا لتقوية الروابط والالتزامات بين الام والاب والأطفال”.

ويشير الى أنه “مع الأسف دائما ما تكون هناك النظرة الضيقة والقصيرة للبعض، دون أن تكون هنالك رؤية استراتيجية، حيث أننا اذا ما أتحنا للاب والام الحضانة بشكل يسير، فانه سيدفعهم للطلاق، في حين اننا نضع القيود التي تقيد من حالات الطلاق ونحاول لم شمل الأسرة”.

ويتابع “نريد توفير الحياة الكريمة لنخلق انسانا سويا غير مشوه، وحتى لا تنتقل له الانعكاسات السلبية من الطلاق ما بين الزوجين ويعاني ما يعاني ويكون انسان سيئا أو مجرما”.

يذكر أن مدير حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري في وزارة الداخلية العميد علي محمد سالم، كشف في كانون الاول ديسمبر العام الماضي، أن مجموع حالات العنف الأسري وصلت خلال 2020 إلى 15 ألف حالة، وبالتزامن مع هذا العدد، فان حالات الطلاق ترتفع شهريا في البلد بحسب إحصائيات مجلس القضاء الاعلى، وكان اخرها احصائية الطلاق لشهر ايار مايو الماضي، حيث بلغت 4660 حالة.

إقرأ أيضا