علاقة الفصائل المسلحة بايران.. ظاهر “يتصدع” وباطن “يتماسك”

بين “التخلي ونفي العلاقة”، تبقى مسألة ارتباط الفصائل المسلحة بايران “شائكة”، ففيما يؤكد قيادي في…

بين “التخلي ونفي العلاقة”، تبقى مسألة ارتباط الفصائل المسلحة بايران “شائكة”، ففيما يؤكد قيادي في المكتب السياسي لاحدى الفصائل بان اعلان طهران “عدم صلتها” بالفصائل العراقية في الامم المتحدة “حقيقي” وليس “مناورة سياسية”، أشار محللون، إلى أن النفي الايراني هو “مناورة” وليس “إعلان براءة”، مؤكدين أنه زاد من “حرج” الحكومة العراقية التي أصبحت أمام خيارين إما لدمج الفصائل بالأجهزة الأمنية او “مواجهتها“.  

ويقول المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة عصائب اهل الحق محمود الربيعي في حديث لـ”العالم الجديد” إن “تصرف الجمهورية الاسلامية طبيعي جدا، وهو فيه رد على الاتهامات للعراق، حيث أن الحشد الشعبي هو حشد عراقي، وفصائل المقاومة عراقية، قاومت الاحتلال الامريكي ومن ثم تصدت لزمر داعش تلبية لنداء المرجعية الدينية“.

وكانت وكالة “أرنا” الايرانية الرسمية، قد نشرت رسالة مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانتشي، إلى الأمم المتحدة، ردا على البلاغ الذي تقدمت به واشنطن بشأن توجيهها ضربة لمواقع الفصائل المسلحة في العراق وسوريا قبل ايام، وجاء فيها “لقد قلنا مرارا في الماضي ومن ضمنها في رسائلنا الموجهة الى رئيس مجلس الامن الدولي، بان الجمهورية الاسلامية الايرانية لا صلة لها بصورة مباشرة او غير مباشرة باي هجوم مسلح من قبل اي مؤسسة او شخص ضد موظفين او منشآت اميركية في العراق“.

وتابع روانتشي في رسالته “بناء على ذلك فان اي مسعى لتوجيه مثل هذا الاتهام لايران تصريحا او تلميحا، هو مسعى خاطئ ويفتقد حتى للمعلومات الموثوقة الأكثر بديهية القابلة للاثبات ولا اساس له تماما، لذا فاننا نرفض مثل هذه المزاعم بحزم ونعتبرها بانها باطلة من الناحية القانونية وفاقدة لاي تاثير“.

ويضيف الربيعي في حديثه “بشكل صريح أعلنا مرات عديدة واخرها كان كلام الشيخ قيس الخزعلي قبل ايام في كلمته الاخيرة بمناسبة ثورة العشرين، ان موقفنا من الاحتلال لا علاقة له بالجمهورية الاسلامية الايرانية ولا بالملف النووي، واننا سنستمر في مقاومة وجود القوات الاجنبية العسكرية على الارض العراقية ما دام هذا الوجود مخالف للدستور وبالضد من ارادة الشعب وقرار البرلمان”، مبينا “كما نطالب الحكومة العراقية بالسعي الجاد لإجلاء هذه القوات عن العراق“.

ويتابع ان “الموقف طبيعي وهو رد على الاتهامات التي عادة تطلقها وسائل الاعلام ومراكز بحوث ودراسات مرتبطة سواء بالولايات المتحدة الاميركية او في بعض الجهات والدول المعادية للعراق والجمهورية الاسلامية الايرانية“.

 

وحول ما اذا كان الرد الايراني، هو مناورة سياسية، يوضح الربيعي “هذه ليست مناورة، بل كشف طبيعي وحقيقي لطبيعة العلاقة بين الدول، والجمهورية الاسلامية اعلنت هذا بشكل صريح وكذلك العراقيون اعلنوا، وبالتالي لا اعتقد وجود اي مناورة في هذا الامر والحقيقة التي يجب ان تكشف هي الدور الامريكي التخريبي في العراق وخطورته وتأثيره على امن واستقرار وسيادة واستقلال البلد“.

وبشأن اعتبار الرد الايراني، تخليا عن الفصائل المسلحة في العراق، يشير الربيعي الى أنه “لا يوجد شيء اسمه براءة، وانما هو كشف لحقيقة واقعية تقول بان امريكا احتلت العراق وان دور الجمهورية في مساعدة العراق في مواجهة داعش كان بطلب من الحكومة العراقية عبر المستشارين والاسلحة، التي كانت تأتي للحكومة العراقية وكانت تستخدمها ألوية الحشد الشعبي لتحرير الارض“.

ويؤكد أن “هناك محاولات من الاعلام المعادي للعراق لتشويه قضية دفاع العراقيين عن حقوقهم وعن وطنهم، وبالتالي نعتقد بان موقف العراقيين واضح من خلال تصريحات هيئة الحشد الشعبي وقادة المقاومة وكذلك من خلال السلوك الذي سلكته الجمهورية الاسلامية في موقفها بالامم المتحدة“.

وفجر يوم 28 حزيران يونيو الماضي، نفذت واشنطن 3 ضربات جوية، ضربتان منها في العمق السوري وأخرى في العمق العراقي، وجميعها عند الشريط الحدودي بين البلدين، وأدت الضربة في الاراضي العراقية الى تدمير موقع لكتائب حزب الله سيد الشهداء، ما اسفر عن مقتل 4 مقاتلين، وبحسب بيان أصدرته وزارة الدفاع الامريكية “البنتاغون” عقب تنفيذ الضربة، فانها جاءت بأمر من بايدن، كما انه “وجه بمزيد من العمل العسكري لتعطيل وردع هجمات جماعات مدعومة من إيران ضد مصالحنا في العراق”، وأشار الوزارة الى ان “المواقع التي استهدفناها كانت تستخدم من قبل فصائل مثل كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء، واتخذنا الإجراء الضروري والمناسب والمدروس للحد من مخاطر التصعيد ولإرسال رسالة ردع واضحة لا لبس فيها“.

وجاءت هذه الضربة، بعد سقوط 3 طائرات مسيرة مفخخة قرب الموقع الجديد للقنصلية الامريكية في اربيل فجر يوم 26 حزيران يونيو الحالي، ما أثار ردود فعل منددة واسعة في حينها، خاصة وانه ضمن الاسلوب الجديد للفصائل المسلحة، المتمثل باستخدام الطائرات المسيرة، الذي بدأ منذ نيسان أبريل الماضي، الامر الذي أثار قلق واشنطن، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

في 21 ايار مايو الماضي، كشفت وكالة رويترز، ان الفصائل العراقية الكبيرة الموالية لإيران اضطرت إلى التراجع بعد أن أدى رد فعل شعبي عنيف إلى مظاهرات حاشدة ضخمة ضد النفوذ الإيراني في أواخر عام 2019، وقد تعرضت لانقسامات هنا بعد وفاة سليماني واعتبرتها إيران أكثر صعوبة في السيطرة عليها، ما دفع طهران الى الاعتماد على مجموعات أصغر يجلب أيضا مزايا تكتيكية، وهي أقل عرضة للاختراق ويمكن أن تكون أكثر فعالية في نشر أحدث التقنيات التي طورتها إيران لضرب خصومها، مثل الطائرات المسلحة بدون طيار، كما جاء في تقرير الوكالة.

وتضمن التقرير ايضا ان مسؤولا أمنيا عراقيا أكد أن “الفصائل الجديدة مرتبطة مباشرة بالحرس الثوري الايراني. إنهم يأخذون أوامرهم منهم وليس من أي جهة عراقية“.

وفي العراق، بلغ عدد الفصائل المسلحة حسب اخر احصائية 68 فصيلا، تنقسم مرجعياتها الى أقسام عدة، منها تتبع الولي الفقيه أو ما يصطلح عليها بالولائية، وأخرى تتبع المخابرات الايرانية، وأخرى ترتبط بالمرجع الديني الاعلى في النجف علي السيستاني، وبعض هذه الفصائل شكلت احزابا وشاركت في العملية السياسية وبات لها تمثيل نيابي، فضلا عن حصول بعضها على وزارات في الحكومات العراقية، طيلة السبع سنوات الماضية، حيث برزت عام 2014 عند اجتياح تنظيم داعش للاراضي العراقية.

الى ذلك، يبين الخبير الامني أعياد الطوفان في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ايران أعلنت عن سحب يدها من الفصائل المسلحة، وهذا ما سمعه الشعب العراقي، لذا على الحكومة العراقية دمج الفصائل ضمن مؤسساتها العسكرية في وزارتي الدفاع والداخلية والا سيواجهون مصيرا خطيرا“.

ويردف أن “المفاوضات جارية في فيينا بين ايران والدول الاوربية وامريكا، حيث لا بد من تقليم اظافر ايران بالمنطقة”، موضحا ان “كل الدول مصلحتها فوق كل اعتبار، وايران مصلحتها القومية فوق كل اعتبار ايضا، وانها قد ضحت بهؤلاء الذي كانوا أدواتها لأنها لن تستطيع المطاولة لا معهم ولا مع الغرب“.

ويؤكد “لم يعد للحكومة اي حجة، المهم الان يجب عليها اتخاذ اجراءات رادعة وحاسمة لإعادة الوضع الى نصابه، وحتى عملية إشراكهم لم تكن بالسهولة، خصوصا غير المنضبطين والذين يقاتلون في سوريا والولائيين ايضا منهم“.

وشكلت هذه الفصائل المرتبطة بايران، تهديدا للمصالح الغربية في البلاد، وخاصة بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس في 3 كانون الثاني يناير 2020 قرب مطار بغداد الدولي، حيث ارتفعت منذ ذلك التاريخ وتيرة الهجمات ضد المصالح الاجنبية والامريكية تحديدا في العراق، حتى بلغت مرحلة تهديد واشنطن بغلق سفارتها في بغداد والتعامل “بشكل مباشر” مع هذه الفصائل.

ومنذ اغتيال سليماني، تصرح ايران علنا بضرورة توجه العراق لاخراج القوات الامريكية من اراضيه، وهو الامر الذي تمسكت به هذه الفصائل ودخلت بصراع مع واشنطن، التي ردت اكثر من مرة بقصف مقار للفصائل ومخازن اسلحة لهم داخل العراق وفي الحدود، كرد فعل على استهداف مصالحها بصواريخ الكاتيوشا.

من جانبه، يؤكد المحلل السياسي محمد نعناع في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما يجري من موقف ايراني تجاه الفصائل المسلحة بالعراق، هو مناورة بالتأكيد وليس براءة، حيث ان ايران متبنية لهذه الفصائل وداعمة لها عضويا وماليا لخدمة القضية الايرانية، وعليه فهي ليست براءة وليس لدينا معلومات بان ايران تخلت عن هذه الفصائل او أعطتها الضوء الاخضر للتصرف بما يحلو لها او جعلتها هي تختار طريقها، وانما هي مرتبطة بها ارتباط مباشر لدعم القضية الايرانية والشيعية بالمنطقة عموما“.

ويضيف نعناع، أن “القضية مناورة وترجع لسببين، أولها ان ايران تريد ان يستمر الضغط بالعراق لكي تعلم امريكا بان هذا الضغط دائم على قواعدها ومصالحها، وهذا يعني انه لا تفاوض على العراق الا بعد الملفات الكبرى كالملف النووي والعقوبات، وثانيا حتى هذه الفصائل تعمل ما تريد وتتصرف كما تشاء بالعراق وايران غير مسؤولة عنها وهذا الاتفاق السائد الان بينهم“.

ويشير الى ان “واشنطن والرئيس جو بايدن تحديدا، يتجه الى استهداف هذه الفصائل بشكل اكبر، وباتجاهين اولهما العقوبات التي تقلص حركة الاموال ومشاريعها واضافة الى ذلك الاستهداف العسكري، حيث ان امريكا ستلجأ الى ضربات مميتة لهذه الفصائل عبر طيرانها العسكري وتخسر من خلالها الفصائل الجهد اللوجستي الذي تعبت عليه في نقل الصواريخ والمقذوفات الى الحدود السورية والاردنية او حتى السعودية”، مبينا ان “امريكا تريد ان تبيد هذه القدرة العسكرية للفصائل واستهداف هيكلهم المالي وتقليص نفوذهم“.

ويضيف أن “الحكومة ستكون محرجة من جهة اعلان ايران ان الفصائل غير مرتبطة بها وتخلت عنها، ومن جهة اخرى ان الحكومة لا تستطيع مواجهة هذه الفصائل، حيث كلما اعتقلت قياديا بحقه تهم او تغلق مكانا، فتتم مواجهتها ولن تتمكن من المضي، وهذا الحرج سيظهر ضعف الحكومة ويجعلها امام خيارين، وهي كما طلب من الكاظمي أن يغض النظر او يواجه بشكل يلجم هذه الفصائل ويحد من حركتها وهو الخيار الافضل له“.

ويعد النفوذ الايراني، هو الاقوى في العراق في ظل الصراع الدولي الدائر في البلد، وباتت “أذرعها” في العراق تشكل تهديدا لدول تناوئها ايران، ومؤخرا قاد العراق وساطة بين ايران والسعودية، وانطلقت اولى جولات التفاوض في بغداد يوم 9 نيسان أبريل الماضي.

وبحسب تقرير روتيرز، الذي صدر في أواخر ايار مايو الماضي، فان مسؤولين أمنيين عراقيين أفادوا بأن ما لا يقل عن 250 مقاتلا سافروا إلى لبنان على مدى عدة أشهر في عام 2020، حيث قام مستشارون من الحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” اللبناني بتدريبهم على قيادة الطائرات بدون طيار، ونيران الصواريخ، وزرع القنابل، والدعاية للهجمات على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكان أحد مسؤولي الأمن العراقيين، قال إن “الجماعات الجديدة تعمل سرا وقادتها، غير المعروفين، مسؤولون مباشرة أمام ضباط الحرس الثوري الإيراني”، بحسب رويترز.

ونقل التقرير ايضا عن مسؤولين أمنيين عراقيين ومصادر غربية أن الجماعات الجديدة تقف وراء هجمات، بما في ذلك ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة في قاعدة عين الأسد الجوية العراقية هذا الشهر، ومطار أربيل الدولي في نيسان، وضد السعودية في كانون الثاني، وكلها تستخدم طائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات“.

إقرأ أيضا