الفوائد “الفاحشة” لقروض المصارف.. ضرر بالاستثمار وانعكاس لـ”التضخم” غير المعلن

لغط شعبي وأسئلة كثيرة حول نسبة الفائدة “المرتفعة” و”الفاحشة” التي تفرضها المصارف العراقية على القروض…

لغط شعبي وأسئلة كثيرة حول نسبة الفائدة “المرتفعة” و”الفاحشة” التي تفرضها المصارف العراقية على القروض الممنوحة للمواطنين، وتصل في بعض الأحيان لنحو 75 بالمئة، وهي نسبة يراها بعض الاقتصاديين تمثل نسبة التضخم في العملة المحلية، التي يتم “التستر” عليها لأسباب سياسية، فضلا عن تأكيدهم على أن ارتفاع نسبة الفائدة يضر بالاستثمار ولا يشجع عليه، محملين البنك المركزي كامل المسؤولية.

وتقول الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تحديد سعر الفائدة يخضع للبنك المركزي، وهذا أمر معروف لدى دول العالم أجمع وفي العرف الاقتصادي والمصرفي”.

وتضيف سميسم “عادة ما ترتبط أسعار الفائدة بمعدلات التضخم في البلاد، ولذلك فهي تحدد من قبل البنك المركزي، لأنه هو من يقيس التضخم، ولذلك هو من يقرر سعر الفائدة وسعر الخصم على الكمبيالات وإعادة الخصم”، مبينة أن “هذا النظام سارٍ على جميع البنوك الأهلية والحكومية، كونها تخضع مرجعيتها للبنك المركزي، الذي يسمى اقتصادبا ببنك البنوك، ولذلك فهو من يحدد كل الفوائد وهو ما نلاحظه عند تتبع العقوبات والإجازات والقروض والمبادرات فهي كلها تمنح من البنك المركزي”.

وتبين ان “كل اسعار الفائدة هي انعكاس لمعدل التضخم بالبلد، لكنهم لا يعلنونه لاسباب سياسية، وهذا الامر منذ النظام السابق ولغاية الان، إذ لا يعرف الجميع معدل التضخم”، متابعة “عندما تريد الحكومة تقليل سياسة الاقراض تقوم بزيادة سعر الفائدة، وعليه فان المواطنين يقومون بوضع أموالهم في المصارف، كي يحصلوا على أرباح عالية، وهم يتصورون انه بهذه الطريقة يقل التضخم، لكن هذا الامر يقابله جرس إنذار وهو عندما يكون سعر الفائدة مرتفعا فان الاستثمار يقل”.  

وكان عضو اللجنة المالية النيابية احمد مظهر الجبوري، وصف فوائد سلف وقروض مصرف الرافدين بـ”الفاحشة والخيالية”، في بيان له قبل اكثر من شهر، مؤكدا انه تلقى شكاوى كثيرة ومستمرة حيال آليات منح السلف للموظفين من قبل مصرف الرافدين بسبب بطء الآليات والفوائد الفاحشة المترتبة على السلف، حيث بلغت 9 بالمائة، أي تبلغ نسبة الفائدة المترتبة على قرض قيمته 5 ملايين مثلا، مليونان و700 ألف دينار، و6 ملايين دينار على قرض الـ10 ملايين، و8 ملايين دينار على قرض الـ15 مليون، و10 ملايين دينار على قرض الـ20 مليون، و13 مليون دينار على قرض الـ25 مليونا.

ويعاني العديد من المواطنين في العراق، من ضعف اقتصادي كبير وخاصة خلال العامين الماضيين بسبب أزمة جائحة كورونا وتوقف أغلب الأعمال، ما دفعهم الى التفكير بالاقتراض لاطلاق مشاريع عمل خاصة بهم، وإن كانت صغيرة، إلا أن نسبة الفائدة المرتفعة، فضلا عن التسديد الشهري للقرض، أدى الى عزوف بعضهم عن هذا النوع من الاقتراض. 

وحول هذا الامر، يبين الخبير الاقتصادي ملاذ الامين في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المصارف العراقية تفرض فوائد سنوية على القروض، تكاد تكون قليلة عند قراءتها وهي 7 – 8 بالمئة سنويا، ولكن في الحقيقة أن هذه الفوائد تؤخذ من قيمة القرض، ولو افترضنا اننا أخذنا قرضا مقداره 100 مليون دينار، فان الدفع السنوي سيكون 7 ملايين ونصف المليون كفوائد، عدا التسديد الأساسي، وعند جمع هذه الفوائد على 10 سنوات تكون قيمة الفائدة 75 مليون دينار، وهو مبلغ كبير جدا”.

ويلفت الأمين، الى أن “السلطة التشريعية او البنك المركزي، من المفترض ان يحددا قيمة الفوائد وجعلها تناقصية في كل سنة من قيمة المبلغ”، مؤكدا أن “هذا الإجراء يعبر عن طمع مجحف بحق المستلفين من البنوك والمصارف العراقية”.

ويردف “هناك مصارف حكومية وهي الرشيد والرافدين وغيرها، فان تنظم عملية قروضها تتبع الحكومة نفسها، في حين المصارف الأهلية تتبع البنك المركزي الذي أعطاهم فسحة تحديد نسبة فوائد القروض دون قيود”. 

وتأتي نسب الفوائد المرتفعة، بالتزامن مع تذبذب نسبة الفقر في البلد، ففي اذار مارس الماضي، اعلنت وزارة التخطيط عن انخفاض نسبة الفقر الى 25 بالمائة، بعد ان كانت 31.7 في عام 2020، وبحسب البيان فان عدد الفقراء في العراق أقل من 10 ملايين شخص، من أصل 40 مليونا و150 ألف نسمة.

من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي باسم انطوان في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “القروض تقرر من قبل البنك المركزي، حيث هو المسؤول عن السياسة النقدية في حين أن وزارة المالية مسؤولة عن السياسة المالية”.

ويشير انطوان، الى أن “البنك المركزي عندما يلاحظ توفر النقد في السوق، ويتوفر بشكل كبير، فان عليه أن يخفض سعر الفائدة حتى يشجع المواطنين على الاقتراض وخلق حركة وفرص عمل”، متابعا ان “القروض الصناعية والتجارية والبناء تختلف عن بعضها البعض، حيث ان قروض السكن تكون بفائدة تصل إلى 4 بالمائة وهي العقاري والاسكان، اما الصناعي فلا تتجاوز فوائده 4 بالمائة ايضا، في حين تبلغ فائدة مصرفي الرشيد والرافدين 8 بالمائة او اكثر بقليل”.

ويوضح أن “المشكلة بالأساس في المصارف الأهلية، حيث تصل فوائدها إلى 15 بالمائة، وعليه لا يوجد عمل لدى المستلف يمكنه من تغطية الفائدة، وهي لا تشجع على الاستثمار من الأساس، كونها طويلة الأمد”، مشيرا الى أن “هناك قروضا أخرى تسمى قروض السوق والاقتصاد الرمادي، حيث تقوم قسم من البنوك بشراء الدولار ويبدأون باقراضه على مدى أشهر لصغار التجار بأرباح تصل إلى 30 بالمائة، وهي لا تخضع لمقاييس الاقتصاد والسوق، وهذا لا يمر عبر أجهزة الدولة، بل تتحكم فيه مافيات القطاع الخاص الطفيلي وليس الاصيل”.  

وكان المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أكد في تصريح صحفي سابق، ان فوائد القروض تهدد الاقتصاد العراقي، داعيا مجالس إدارات المصارف العراقية الى العمل على تقليلها، فيما بين أن أسباب ارتفاع نسبة الفائدة تعود الى التحرر الذي شهدته المصارف العراقية، حيث أعطيت الحرية لادارة مجلس المصارف لتحديد الفائدة على القروض والودائع في البنك المركزي، كما ان فائدة البنك المركزي كبيرة جدا، وهي بحاجة الى إعادة النظر، لا سيما وان أقصى حد لنسبة الفائدة في مصارف دول العالم هي 6 بالمائة.

إقرأ أيضا