“الجرائم العائلية”.. ظاهرة تتنامى عاما بعد آخر ومطالبات بتشكيل هيئة لـ”بناء الأسرة”

عاما بعد آخر، تشهد “الجرائم العائلية” تناميا خطيرا، ما قرع جرس الإنذار حيال ظاهرة قد…

عاما بعد آخر، تشهد “الجرائم العائلية” تناميا خطيرا، ما قرع جرس الإنذار حيال ظاهرة قد تتطور سريعا، في حين تباينت أسبابها بحسب المختصين، بين التأثير التنكولوجي الى مستوى الفقر، في ظل مطالبات بتشكيل هيئة معنية ببناء الأسرة على أسس صحيحة، بعد تأشير غياب “التنظيم السليم” لها، كأحد أسباب ارتفاع نسبة هذه الجرائم.

ويقول مدير الشرطة المجتمعية غالب العطية في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك زيادة في الجرائم الأسرية، كأن يقتل أب ابنه أو امرأة تقتل زوجها أو غير ذلك من الجرائم، إذ نلاحظ ارتفاعا سنويا لمستوى هذه الظاهرة، وهذا كله مؤشر لدينا وندرس طبيعتها والحلول والمقترحات بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والوزارات والحكومة للقضاء على هذه الجرائم”.

ويعزو العطية أسباب تنامي تلك الظاهرةـ الى “جملة دوافع منها تعاطي المخدرات، كون الكثير من تلك الجرائم ترتكب تحت تأثير التعاطي، أو أنها تحدث نتيجة التطور التكنولوجي ووسائل الاتصال، وعدم التعامل الصحيح معها وتقليد الثقافة الغربية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما ساعد على زيادة نسبة الجرائم الأسرية”.

وبين فترة وأخرى، تنتشر في وسائل الاعلام اخبار عن حدوث جريمة قتل داخل عائلة واحدة، وذلك بالتزامن مع ارتفاع عدد حالات العنف الاسري منذ أكثر من عام بسبب اجراءات الحظر بعد تفشي فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد. 

ومن ابرز الجرائم التي سجلت مطلع هذا العام، هي إقدام أب في محافظة ميسان على إعدام أولاده الثلاثة شنقا حتى الموت، بسبب خلافات مع زوجته، إضافة الى إقدام شاب على قتل شقيقته البالغة من العمر 25 عاما، وهي أم لطفلين، باطلاق النار عليها، وفر هاربا بقضاء كفري بمحافظة ديالى.

وحول هذا الأمر، تبين عضو مفوضية حقوق الانسان فاتن الحلفي في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “موضوع العنف الأسري وصل إلى مرحلة ابتعد فيها عن مفهوم العنف الاعتيادي، وتحول إلى حالة من القضايا الجنائية، وأصبحت هناك حالات قتل عائلية بين الأسر”.

وتردف الحلفي، أن “هذه القضية مقلقة، وازدادت خصوصا عند انتشار فيروس كورونا، باعتبار ان أكثر العوائل تعرضت لضرر اقتصادي بسبب الحجر، وهو ما انعكس سلبا على حياة الأسر”، مبينة “طالبنا بتشكيل هيئة طارئة للوقوف على الاثار النفسية لكل شخص يقدم على هذه الحالات، لأن من المؤكد أن هناك أسبابا وراء هذه الجرائم”.

ولغاية الان يفتقر العراق الى التشريعات اللازمة لحماية الأسرة والعناية بها، خاصة في ظل ارتفاع حالات زواج القاصرات، فضلا عن تردي الوضع الاقتصادي وانتشار تعاطي المخدرات، ومن ابرز القوانين التي لم تمرر في مجلس النواب هو قانون مناهضة العنف الأسري، وذلك بسبب اعتراضات بعض القوى الاسلامية عليه، وبررت ذلك بكونه يتعارض مع التعاليم الاسلامية ويساهم بتفكك العوائل، حسب ما قالت.

من جانبه، يرى الباحث الاجتماعي محمد المولى في حديث لـ”العالم الجيد”، أن “هذا الموضوع ليس بجديد، وإنما متجدد، حيث ان الشعب العراقي عانى من ضغوطات كثيرة والأسرة العراقية كان لها الحصة الأكبر من هذه المعاناة”.

ويشير المولى، الى أن “هذه المعاناة ازدادت بعد كورونا والحجر الصحي، حيث لم يكن هناك خروج وحتى الخروج أصبح مشروطا، وهذا الأمر كان له انعكاس في جهة ثانية ليس الجهة الصحية، وانما الجهة النفسية التي تضررت كثيرا”، متابعا أن “هناك اتجاها عنفيا الان يتسرب من خلال الافلام والمسلسلات، حيث ان الحالة الاجتماعية جميعها تشجع وتساعد على هذه التطورات، خاصة مع وجود الانترنيت وانتشار الافلام والالعاب، هذه جميعها قاعدة اجتماعية”.

ويبين اليوم لا نتكلم عن احداث تراتبية وخلافات عائلية، وانما عن احداث تسلسلية اجتماعية نفسية، يمكن ان تؤدي في لحظة من اللحظات الى ساعة انفعال وغضب، يكون ضحيتها احد افراد العائلة”.

ويوضح “هذه الأمور جميعها تجعل الانسان مستعدا للانفعالات النفسية والتصرفات غير المنضبطة، وجل ما يحدث من عنف أسري ليس مبرر، وانما هو عبارة عن تراكمات لما يعانيه المجتمع والشارع والحياة الاعتيادية من ضغوطات، والتي من ضمنها ارتفاع درجات الحرارة وغلاء المعيشة”، متابعا “يجب ان يكون هناك علاج رئيسي وهيئة لرعاية الأسرة، تبدأ من تكوين الاسرة بشكل حقيقي الذي ليس له وجود الآن، إضافة الى ضغوطات الاهل او الارتباطات العامة التي تحدث خارج القاعدة المجتمعية، إذ حتما هذا الخليط سيؤدي الى نتائج مجتمعة عكسية وهذا ما يحدث الان”.

وينوه الى ان “البناء الأسري يحتاج تضحية والى الكثير من المرتكزات والنفس الطويل، وكلا الرجل والمرأة في هذه الفترة غير مهيئين، لان ليس هناك دعم وارشاد مجتمعي حقيقي لكلا الطرفين، حيث توجد دائرة عنف ألقت بظلالها على نفسية المواطن وكانت نتيجتها العنف الأسري الموجود حاليا، وستستمر هذه الأمور وتتضح اكثر ان لم نجد معالجة حقيقية للساعة البايولوجية وللبناء الأسري”.  

ويستدرك “هناك امور كثيرة لعلاج هذه الحالات، منها امور نفسية واجتماعية وما نشدد عليه منذ فترة هو يجب أن تكون هناك هيئة لبناء الاسرة لنعلم كيف نسير بالاسرة وكيف نعمل عليها اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا، مع النظر بشكل حقيقي للعمر بين الزوج والزوجة والاطفال، والبيئة المرتطبة بهم، لنخرج ببناء سليم حقيقي تشرف عليه الدولة وله خصوصية لكل مواطن، حيث انه بغير هذه الامور ستستمر المشاكل الى فترة طويلة”. 

يذكر أن مدير حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري في وزارة الداخلية العميد علي محمد سالم، كشف في كانون الاول ديسمبر الماضي، أن مجموع حالات العنف الأسري وصلت خلال 2020 إلى 15 ألف حالة، وبالتزامن مع هذا العدد، فان حالات الطلاق ترتفع شهريا في البلد بحسب إحصائيات مجلس القضاء الاعلى، وكان اخرها احصائية الطلاق لشهر ايار مايو الماضي، حيث بلغت 4660 حالة.

إقرأ أيضا