غياب سليماني.. هل بات سببا لتشظي مواقف “المقاومين” حيال “الانسحاب الامريكي”؟

مواقف متضاربة ومتعددة بشأن قرار انسحاب القوات القتالية الامريكية من العراق، صدرت من أطراف سياسية…

مواقف متضاربة ومتعددة بشأن قرار انسحاب القوات القتالية الامريكية من العراق، صدرت من أطراف سياسية ومسلحة تمثل ما يعرف بالمقاومة، ما طرح أسئلة عدة حول سبب الانقسام بين مرحب ومندد، وإذ عزاه محللون سياسيون الى حالة التشظي التي تركها غياب القائد الراحل لفيلق القدس الايراني قاسم سليماني، أكدوا أن واشنطن لن تنسحب من العراق وما يجري هو تغيير “مسميات” فقط.

ويقول المحلل السياسي صلاح الموسوي في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “موقف تحالف الفتح والتيار الصدري، قبل زيارة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الى واشنطن، كان متساهلا تجاه قضية انسحاب القوات الامريكية، قياسا بموقف الفصائل المسلحة والمتهمة باستهداف المصالح الامريكية”.

ويضيف الموسوي أن “ما حصل خلال زيارة الكاظمي لواشنطن ليس بشيء جديد، بالنسبة لما كان متداولا حول قضية تحويل وجود القوات الامريكية بالعراق من قوات قتالية الى قوات تدريب وغيرها”، مبينا أن “جميع رؤساء الوزراء زاروا أمريكا، وكل الزيارات لم تحسم موضوع التنافس الامريكي الايراني حول العراق، والكاظمي لا يختلف بشيء عن سابقيه”.

وحول المواقف المتباينة بين الفصائل المسلحة بشأن قرار انسحاب القوات الامريكية وتحويلها الى مستشارين ومدربين، يوضح الموسوي، أن “هناك اختلافا واجتهادات داخلية بين الفصائل، خصوصا بعد اغتيال قاسم سليماني، الأمر الذي أثر على هذه الفصائل، وبالتالي ظهرت اجتهادات واستقلالية من قبل بعضها”.

ويؤكد أن “قرار الانسحاب لن يتم، وأمريكا لن تغادر العراق، حيث ان الكثير من الفئات السنية والكردية وغيرها تطالب بالأساس بهذا الوجود”، كما أن حتى المطالبين بالانسحاب فهم يعرفون هذه الحقيقة، ان امريكا لن تنسحب”.

ويوم 25 تموز يوليو الحالي، وصل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الى العاصمة الامريكية واشنطن، والتقى في اليوم التالي الرئيس الامريكي جو بايدن، وذلك بالتزامن مع مفاوضات الجولة الرابعة والاخيرة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، التي كان ملف انسحاب القوات الامريكية القتالية من العراق في مقدمتها.

وبحسب البيان الختامي المشترك الصادر عن حكومتي العراق وأمريكا، فان الولايات المتحدة جددت احترامها لسيادة العراق والقوانين العراقية، فيما أكد العراق من جانبه، التزامه بحماية افراد التحالف الدولي الذين يقدمون المشورة والتدريب للقوات الامنية العراقية.

واتفق الوفدان، بعد استكمال مباحثات الفرق الفنية الأخيرة، على أن العلاقة الأمنية بين البلدين ستنتقل بالكامل الى المشورة والتدريب والتعاون الاستخباري، ولن يكون هناك أي وجود لقوات قتالية أمريكية في العراق بحلول 31 كانون الأول ديسمبر 2021.

الاعلان الامريكي عن عدم بقاء قوات قتالية في العراق بحلول نهاية العام الحالي، قوبل بمواقف عراقية متعددة، فمن جانب الامين حركة النجباء، إذ قال نائب أمينها العام نصر الشمري في حديث صحفي: “لا نثق بالأمريكيين ولا نوافق على أي وجود لقواتهم، ونرفض الوجود الأمريكي ونطالب بالخروج الكامل للقوات الأمريكية”.

وتبع هذا الموقف، موقف مؤيد آخر صدر من كتائب حزب الله، وعبر حساب أبوعلي العسكري، الناطق باسمها، ان الكتائب تبحث اتخاذ موقف مسؤول “شرعي واخلاقي ووطني” يلاحظ فيه حجم المغالطات في بيانات الحكومتين العراقية والامريكية، مؤكدا أن الكتائب ستعلن عن موقفها بـ”شجاعة”.

هذه المواقف، جاءت مغايرة تماما لموقف تحالف الفتح، الذي يعتبر الممثل السياسي لجميع هذه الفصائل، ولها ارتباط وثيق ومباشر بقادته، حيث أكد التحالف في بيان أنه يرحب بما حققه المفاوض العراقي من إنجاز وطني بالاتفاق على خروج القوات القتالية بشكل كامل في نهاية هذا العام، وعدها خطوة إيجابية متقدمة باتجاه تحقيق السيادة الوطنية الكاملة.

وبالاضافة الى هذا البيان، جاء موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي انضم الى تنسيقية المقاومة العراقية بهدف اخراج القوات الامريكية، مؤيدا للبيان الختامي، حيث قدم شكره الى المقاومة العراقية، موجها كلامه لها “شكرا للمقاومة العراقية الوطنية فها هو الاحتلال يعلن عن بدء انسحاب قواته القتالية أجمع. لننتظر وإياكم إتمام الانسحاب”، مبينا “شكرا للجهود المبذولة لبلورة هذه الاتفاقية ولا سيما الأخ الكاظمي (رئيس الحكومة العراقية)”.

كما دعا الصدر الى وقف العمل العسكري للمقاومة بشكل مطلق، والسعي لدعم القوات الأمنية العراقية من الجيش والشرطة لاستعادة الأمن وبسطه على الأراضي العراقية.

وحول هذه المواقف، وحقيقة الانسحاب الامريكي من العراق، يبين المحلل السياسي رعد الكعبي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قضية انسحاب القوات الامريكية حسمت قبل زيارة الكاظمي، وعليه عندما انتشر البيان الذي تضمن عدم بقاء القوات الامريكية بحلول نهاية السنة، فانه لا يعني انها ستغادر بل ستتغير مهمتها”.

وبشأن اختلاف مواقف الكتل السياسية من هذا القرار، يوضح أن “الكتل السياسية لديها مواقف ليست موحدة حول الطريقة التي ستتعامل بها الحكومة العراقية مع القوات الامريكية، وفي ضوء توقعاتها جاءت بياناتها مختلفة وليست موحدة”.

ويشير الى أن “لدى الفصائل إطارا عاما في التعامل مع الكاظمي وحكومته، وهذا الاطار يتمثل في عدم اتخاذ موقف إزاء العمليات التي تعرضت لها مقراتها من قصف امريكي، ولذلك وبحسب المعطيات فانها وتحديدا في هذه الجزئية، ستقوم بالتصعيد أكثر من السابق وستكون هناك ردود فعل اكثر قساوة بالنسبة للبعض، والتي لم يعلنوا عنها حاليا، وهذه كلها ضغوطات، بل حتى من المتوقع ان يطرح موضوع استجواب الكاظمي في البرلمان لمعرفة الملفات التي اتفق عليها مع امريكا بسبب الغموض الحاصل فيها”.

يشار الى أن مسؤول العلاقات الخارجية في إقليم كردستان سفين دزيي، اكد في 25 تموز يوليو الحالي، أن حكومة الإقليم لا تؤيد انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق، بسبب ما وصفه بعدم استقرار البلاد وتدخلات الدول الأخرى في شؤونه الداخلية وعدم اكتمال قدراته العسكرية.

ومنذ 2014، تقود واشنطن تحالفا دوليا لمكافحة داعش، حيث ينتشر بالعراق نحو 3 آلاف جندي للتحالف، بينهم 2500 أمريكي.

ومنذ اغتيال واشنطن لقائد الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، في 3 كانون الثاني يناير 2020، ارتفعت وتيرة الاستهدافات لمصالح القوات الامريكية في العراق، فضلا عن تصويت مجلس النواب بعد ايام من الاغتيال، على قرار يقضي باخراج القوات الاجنبية من البلد.

ولجأت الفصائل المسلحة في استهدافها المصالح الامريكية، الى استخدام صواريخ الكاتيوشا والعبوات الناسفة وصواريخ غراد والطائرات المسيرة، ما أدى الى رد واشنطن، عبر استهدافها مواقع للفصائل عند الحدود العراقية السورية.

الى ذلك، يبين المحلل السياسي المقرب من الفصائل المسلحة، عباس العرداوي في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الولايات المتحدة الامريكية تريد الالتفاف على قرار الشعب العراقي والبرلمان المتعلق باخراج القوات الاجنبية من الاراضي بشكل تام، بعد عمليات ضغط متواصلة من الشارع، إضافة الى ضربات موجعة وجهتها فصائل المقاومة للقوات الامريكية”.

ويلفت الى أن “هذا الالتفاف سيكون عبر استبدال العناوين والقواعد واستبدالها بالناتو أو سحب قطعات واستبدالها بقطعات أخرى او ستكون مجرد استبدال للبدلات العسكرية، لا تبديل واقع ووجود، لكن منهج السيطرة والهيمنة الامريكية سيبقى مستمرا”، مشيرا الى أن “المطلوب من واشنطن تنفيذ الانسحاب الكامل والتعامل بشكل دبلوماسي بالمثل، والانتهاء من ملف الضغط الاقتصادي وتوجيه العقوبات التي طالما استخدمتها كورقة ضغط ضد الرافضين لوجودهم حتى تنتهي المسألة”.     

وكان الكاظمي قد زار واشنطن في آب اغسطس 2020، والتقى خلالها الرئيس الامريكي في حينها دونالد ترامب، وبدأ معه مشروع “الشام الجديد”، وقد حمل الكاظمي رؤية المشروع وأجرى فور عودته زيارة سريعة الى العاصمة الاردنية عمان، والتقى فيها العاهل الاردني عبد الله بن الحسين والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

في حزيران يونيو 2020، انطلقت اولى جولات الحوار الستراتيجي العراقي الأمريكي، وجرى استكمال الجولة الثانية في زيارة الكاظمي الى واشنطن، فيما عقدت الجولة الثالثة من الحوار في 7 نيسان ابريل الماضي، والتي حسم فيها موضوع انسحاب القوات القتالية، ورهنها بعقد مباحثات فنية لتحديد الموعد وجدول الانسحاب.

إقرأ أيضا