“قرايات عاشوراء” مهددة بالانحسار و”الملايات” يلجأن لـ”اتفاق صحي” بسبب كورونا

يظل شهر محرم الحرام هذا العام وسط انتشار خطير لفيروس كورونا، الأمر الذي يهدد إلغاء…

يظل شهر محرم الحرام هذا العام وسط انتشار خطير لفيروس كورونا، الأمر الذي يهدد إلغاء الطقوس المعتادة لدى المسلمين الشيعة المحتفين بذكرى مقتل الامام الحسين بن علي وأهل بيته وصحبه في كربلاء قبل نحو 1400 عام، ومن بين أبرز تلك الطقوس هي “القرايات”، وهي مجالس نسائية تُتلى فيها القصائد الرثائية وسط اكتظاظ المشاركات في غرف وصالات صغيرة، على الرغم من اتفاق “الملايات (المنشدات)”، على اتباع الاجراءات الصحية وتقليل عدد الحضور.

وتؤكد أم حسين، التي تقطن مدينة الصدر شرقي العاصمة بغداد، خلال حديثها لـ”العالم الجديد”، على استمرارها بإقامة المجالس الحسينية “اللطميات”، قائلة “سنستمر باقامة المجالس حتى في ظل انتشار فيروس كورونا، ولكن بكل تأكيد سنحرص على اتباع جميع الطرق الوقائية التي اعلنت عنها وزارة الصحة لمنع تفشي الوباء، وجعل هذه المجالس وسيلة للتضرع من اجل رفع البلاء عنا”.

واعتادت أغلب منازل المسلمين الشيعة في مدن وسط وجنوب العراق مع بداية شهر محرم وحتى العاشر منه (عاشوراء) وهو اليوم الذي حدثت فيه الواقعة التي شهدت مقتل الامام الحسين وأخيه العباس وأهل بيته وصحبه، وتم فيه سبي نسائه وبناته في كربلاء، ودائما ما تحتضن إحدى نساء المنطقة هذا الطقس في منزلها كل عام، فضلا عن وجود ملايات (منشدات) مشهورات في بعض المناطق اعتدن على التنقل من منزل الى آخر لاحياء تلك المجالس، وهو امر بات جزءا من الموروث الشعبي وثقافة المجتمع المحلي في كثير من مناطق الجنوب.

“مجالسنا، وكما هو معتاد، ستكون في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم”، هكذا تتابع أم حسين حديثها، مبينة أن “الطعام الذي يوزع كثواب، سيكون مغلفا ويوزع على الحضور لتناوله في منازلهم درءا لتفشي الفيروس، إذ لن تكون هناك موائد داخل المجلس هذا العام”.

وتنظم مجالس العزاء الحسينية، المعروفة شعبيا بـ”القراية- القراءة”، عبر تجمع عشرات النسوة في منزل احدى نساء الحي، التي اعتادت على تنظيم “القراية” في منزلها كل عام، وتتوسطهن “الملاية” وهي المنشدة التي تتلو “النعي” وهي القصائد الرثائية المكتوبة بلهجة عامية، تروي قصة مقتل الامام الحسين بن علي، على لسان شقيقته زينب او إحدى بناته، فتبدأ النسوة بالبكاء ويرتفع صوتهن بالعويل، وهن يشكلن دائرة، ومن ثم يبدأن بـ”اللطم” بعد فترة وجيزة من “القراية”، حتى تتحول وجوههن وصدورهن الى اللون الاحمر من شدة الضرب عليهن.

شعائر شهر محرم عديدة، وتشمل النساء والرجال، لكن لهذه “القرايات” النسائية خصوصية، كونها تجرى داخل منازل صغيرة في العادة، وبظل تفشي فيروس كورونا وارتفاع عدد الاصابات في العراق لأرقام غير مسبوقة، فان وزارة الصحة كشفت أن قرارات ستصدر بشأن هذه الشعائر.

وتبين عضو الفريق الطبي الاعلامي لوزارة الصحة ربى فلاح حسن، خلال حديثها لـ”العالم الجديد”، أن “هناك فرقا صحية جوالة داخل المناطق، ستقوم بالتعفير والتعقيم وإجراء الفحوصات لمتابعة بعض الحالات التي قد تسجل خلال عملية اقامة الشعائر الحسينية”.

ودعت الجميع الى “الالتزام بتعليمات وزارة الصحة من ارتداء الكمامات والكفوف لمنع تفشي فيروس كورونا خلال فترات الزيارة”، مبينة أن “تعليمات ستصدر أيضا بهذا الخصوص، وستكون هناك متابعة مستمرة لعمليات الالتزام من قبل المواطنين فيما يخص التباعد الاجتماعي وغيرها”.

ويعد “النعي” او الشعر الرثائي الذي يُتلى بصوت حزين، من أبرز سمات أهالي جنوبي العراق الذين يؤدون هذه القصائد بأطوار حزينية، خاصة وان الريف في هذه المناطق انتج عشرات المطربين العراقيين الذين عرفوا بشجنهم الكبير.

ومن المتعارف في هذه المنطقة من العراق، ان “الملاية” دائما ما تكون متواجدة عند المصائب، فتحضر مجالس العزاء العامة التي تقام عند وفاة أي شخص، اضافة الى المجالس الحسينية، ومؤخرا شهدت هذه المهنة تطورا، حيث باتت هناك قنوات على موقع اليوتيوب تمنح دورات تدريبية بطريقة أداء “النواعي (النعي)” في مجالس العزاء مع تعليم الاطوار الموسيقية وكيفية التحكم بالصوت خلال ادائها. 

وتواصلت “العالم الجديد”، مع إحدى الملايات وهي أم علي، التي تسكن في مدينة الصدر ايضا، حيث تقول “في كل عام من شهر محرم، نشهد اقامة اللطميات خلال الايام العشرة الأولى على وجه الخصوص في مناطقنا والبيوت القريبة منا عبر تجمع عدد من النساء لإحياء هذه الشعيرة”.

لكن أم علي تكشف عن اتفاق بين الملايات جرى هذا العام بسبب كورونا، ويتمثل بنقاط منها “التشديد على ارتداء الكمامات لكل مشاركة في المجلس، إضافة الى توفير المعقمات وعدم اصطحاب الاطفال، فضلا عن تقليل العدد المعتاد الذي كان يتجاوز 50 امرأة في الغرفة الواحدة”.

وتستطرد “لن يتم توزيع الثواب (الطعام) داخل المجلس الحسيني، بل يجب ان يكون الطعام مغلفا ليسمح لكل واحدة بأن تأخذه معها، تحسبا من ان تكون إحدى الحاضرات مصابة او لديها اعراض”.

ويوم امس الاول، ألغت العتبة الحسينية إقامة المحفل الخاص بتبديل الراية الذي يقام سنوياً ليلة الاول من شهر محرم الحرام بعد صلاة العشائين، إيذانا ببدء شهر الحزن، حسب ما جاء في بيان لها، حيث أكدت ايضا ان “تبديل الراية المباركة سيكون دون اي دعوة جماهيرية او شخصية، ولكن سينقل عبر وسائل الإعلام”.

يذكر أن تبديل الراية هو تقليد سنوي في مستهل شهر محرم من كل عام، يتم من خلاله استبدال العلم المرفوع فوق قبة مرقد الامام الحسين في كربلاء بعلم جديد، وسط حضور ديني وشعبي.

وفي خطوة مغايرة، فان الحاجة ام احمد، وخلال حديثها لـ”العالم الجديد”، اشارت الى انها قررت عدم “إقامة القرايات، وسأكتفي بتوزيع الثواب بعيدا عن التجمعات بسبب كورونا، خاصة وان العديد من النساء لازلن غير مؤمنات بوجود الوباء، لذا فعند إقامة اي تجمع لن يلتزمن بالاجراءات الصحية”.

وتؤكد أيضا أن “هذه الايام من شهر محرم الحرام مؤلمة بالنسبة لنا وتعودنا منذ سنين طوال اقامة الشعائر الحسينية خلالها، ونحيي الذكر الحسيني واقامة المجالس (اللطميات) او توزيع الثواب على الفقراء والمحتاجين، لكن هذا العام سنضطر الى الغاء تلك المجالس”.

إقرأ أيضا