أزمة المياه في العراق.. مقترحات لتقنين الاستهلاك وتحذيرات من تهديدها للاقتصاد

يوما بعد آخر، تتفاقم أزمة شح المياه في العراق لتنذر بخطر وشيك، وسط توصيات خبراء…

يوما بعد آخر، تتفاقم أزمة شح المياه في العراق لتنذر بخطر وشيك، وسط توصيات خبراء بضرورة العمل على إيقاف الهدر من خلال تقنين الزراعة واستخدام آليات الري الحديثة لاستغلال كميات المياه الواصلة للعراق بشكل مناسب، إلا أن المحافظات الزراعية تطالب الحكومة بالضغط على تركيا وايران لاطلاق كميات أكبر، بعد انخفاض الأراضي الزراعية بنسبة 50 بالمئة بسبب شح المياه، ما اعتبر مهددا رئيسا للاقتصاد.

 

ويقول الخبير المائي عادل المختار في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “كميات المياه الموجودة في العراق تكفي للشرب، ولكن هناك مناطق لا تصل اليها سوى ذنائب الأنهار أي نهاياتها، والمفروض على الدولة أن توفر أنابيب من أجل سد شح المياه لهذه المناطق”.

ويضيف المختار، أن “المشكلة تكمن في الزراعة، حيث ان وزير الموارد المائية اقترح تقديم شكوى ضد دول المنبع، لكن هذا الامر مبالغ فيه، إذ نلاحظ ان مصر على سبيل المثال وصلت إلى مجلس الأمن الدولي، ولم تحقق اي شيء في قضية الصراع على نهر النيل مع اثيوبيا”، مؤكدا ان “تركيا صرحت من جانبها انه يتم هدر كميات كبيرة من المياه، وبالتالي لا توجد نتائج من الدعوى الدولية”.

ويبين أن “الخطة الزراعية في العراق، مبالغ فيها ويتم فيها هدر كميات كبيرة من المياه بسبب استخدام منظومات الري القديمة، ونحن ننصح وزارة الزراعة بإعادة النظر في السياسة الزراعية ولكن لا يوجد من ينفذ”، مضيفا ان “العراق يحتاج الى 25 مليار متر مكعب من المياه سنويا في الصيف، و10 مليار متر مكعب سنويا في الشتاء، وهذه الكميات غير متوفرة ومن الصعب الحصول عليها، لذا يجب تقليل استخدامات المياه وفي الزراعة تحديدا، حيث انها تستهلك 70 بالمائة من ايرادات المياه، ويجب خفضها الى 40 بالمائة”.

وينوه الى ان “سد مكحول وحده يحتاج إلى 3 مليارات متر مكعب من المياه، ونحن نعاني من شح فيها، لذا يجب أن يتم تغيير نمط الري من النمط القديم إلى النمط الحديث، والذي يتمثل بالري بالتنقيط حيث ان هذه العملية وحدها يمكن ان تشكل  فرق 2 مليار متر مكعب سنويا”.

ويتابع “وهناك جانب آخر، فان وزارة الزراعة جعلت تربية الاسماك في احواض، وهذا بحد ذاته هدر للمياه، ولو قنن لوفر 1 مليار متر مكعب من المياه”.

وكانت منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة “يونيسيف”، حذرت في 28 آب اغسطس الماضي، من تعرض صحة الأطفال العراقيين للخطر جراء عدم حصولهم على المياه الصالحة للشرب، حيث أن 3 من كل 5 أطفال في العراق لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب، فيما أكدت أن موسم الأمطار في العراق لعام 2020-2021 هو الأكثر جفافا خلال 40 عاما مضت، ما تسبب في نقص حاد لتدفق المياه في نهري دجلة والفرات.

ويعاني العراق من أزمة كبيرة في المياه، بسبب تقليل تركيا لاطلاقات نهري دجلة والفرات وقطع ايران لمنابع الانهر الواصلة للعراق، ما أثر بشكل كبير على الخطة الزراعية للموسم الماضي، فضلا عن تأثيره على الاسماك، حيث ارتفع اللسان الملحي وادى لنفوق كميات كبيرة في احواض الاسماك بمحافظة البصرة مطلع شهر آب اغسطس الماضي.

وفي 10 تموز يوليو الماضي، كان وزير الموارد المائية مهدي رشيد، هدد باللجوء إلى المؤسسات الدولية لاستحصال حقوق العراق المائية من إيران، مؤكدا ان الجانب الإيراني لم يبد أي تجاوب معنا ومازال يقطع المياه عن أنهر وجداول سيروان والكارون والكرخة والوند، ما سبب أضرارا جسيمة لسكان ديالى التي تعتمد بشكل مباشر على المياه القادمة من إيران، منتقدا رفض إيران عقد اجتماع كان مقررا في منتصف حزيران يونيو الماضي، وأجل بسبب الانتخابات الإيرانية.

يذكر انه تم تغيير مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر الأراضي الزراعية في محافظة البصرة.

 

ويشار الى ان المتحدث باسم الوزارة عون ذياب، كشف لـ”العالم الجديد”، في 12 حزيران يونيو الماضي، ان الوزارة ترغب بالوصول إلى اتفاقية ثنائية مع تركيا، وهذا الموضوع يحتاج الى جهد ليس بالقليل، لكن الشيء الايجابي هو أن هناك مذكرة تفاهم موقعة عام 2014 صادق عليها البرلمان التركي، وفيها نص يفيد بأن على تركيا الالتزام بتأمين حصة مياه معقولة وعادلة للعراق من نهر دجلة، وان اعتراف تركيا بهذا الموضوع يعتبر تقدما في هذا المجال.

 من جانبه، يبين المدير العام لمديرية المياه في محافظة واسط اركان الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق لغاية الآن لا يمتلك أي اتفاقية مع دول منابع الأنهر مثل تركيا وايران، وبالنتيجة لا تصل إلى العراق الحصة المائية المقررة عالميا”.

وينوه الشمري، الى أن “شح المياه أثر بشكل كبير على الزراعة والمياه الصالحة للشرب”، مضيفا “أننا نعاني من شح المياه بشكل دائم، وخصوصا في فصل الصيف، حيث أن الخطة الزراعية الصيفية، إذا تمت مقارنتها بخطط السنوات السابقة، فهي لا تشكل سوى 40 بالمئة مما كان يزرع سابقا، بالتالي هذا ينعكس سلبا على الواقع الاقتصادي للمزارعين والفلاحين، لاسيما وأن محافظة واسط موردها الاساسي والاقتصادي هي الزراعة وأي انحسار لهذه المساحات هو انحسار للاقتصاد”.

ويلفت الى أنه “لو كانت المياه موجودة بصورة صحيحة وبوفرة، يمكن أن تكون الخطة الصيفية هي بديلا لزراعة 192 ألف دونم يمكن أن تكون 300– 500 ألف دونم، ما يغطي المنتوج المحلي والحاجة المحلية، حتى أنه يمكن أن يكون هناك فائض يصدر للمحافظات الأخرى، خصوصا أن أغلب المحافظات تعتمد على واسط في منتوج الحنطة”.

ويوضح أن “هناك مليونين و600 ألف دونم صالحة للزراعة ومتعاقد عليها، وتم استغلال 50 بالمائة فقط منها، بسبب عدم وجود المياه الكافية، ومع ذلك نواجه تحديات كبيرة من كل عام في زراعة هذه المساحة”.

يشار الى أنه من المحافظات المتضررة، هي ديالى وواسط، حيث أكد مدير مديرية اعلام زراعة محافظة ديالى محمد جبار لـ”العالم الجديد”، الشهر الماضي، أن نقص المياه تسبب بغياب الخطة الزراعية الصيفية لهذا العام، فمحاصيل الشلب والذرة الصفراء والقطن، من المحاصيل الصيفية لكن زراعتها ستغيب هذا العام، بسبب جفاف البحيرات، وفي حال بقي وضع المياه بديالى على ما هو عليه، فان الخطة الشتوية لا يمكنها أن تتم أيضا.

وفي وقت سابق، كشف مدير زراعة محافظة واسط اركان الشمري أن الخطة الزراعية التي تم إقرارها للمحافظة هي 90 الف دونم، بعد أن كانت 250 الف دونم في العام الماضي، في ظل تأكيده فقدان 50 بالمائة من المياه عن العام الماضي، ما أدى الى انحسار الاراضي الزراعية في الموسم الحالي.

ومنذ سنوات، تحاول تركيا استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، من خلال سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل، عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

 يذكر أنه لا توجد أي اتفاقية بين العراق وتركيا بشأن ملف المياه، فقد وقع العراق وتركيا وسوريا بروتوكولا أول في العام 1920 وقد فرض هذا البروتوكول قيودا على إقامة السدود بما لا يلحق ضررا بالأطراف الأخرى الموقعة، وفي العام 1946، ادخل العراق وتركيا قضية المياه في “معاهدة الصداقة وحسن الجوار” التي وقعها البلدان.

وفي العام 1978، وقعت بغداد وأنقرة بروتوكول تعاون اقتصادي وتقني، بعدما استكملت تركيا سد كيبان على مجرى نهر الفرات، ما الحق ضررا بمصالح بحصة العراق المائية.

إقرأ أيضا