التجنيد الإلزامي.. هروب للأمام أم خطوة لـ”ضبط” المجتمع؟

بعد نحو عقدين من إلغائه، يعود “التجنيد الإلزامي” أو “خدمة العلم” الى الواجهة مجددا بعد…

بعد نحو عقدين من إلغائه، يعود “التجنيد الإلزامي” أو “خدمة العلم” الى الواجهة مجددا بعد إقرار حكومي، ما ووجه بتضارب في الرؤى حول ايجابياته وسلبياته، ففيما اعتبر دليلا على “ضعف الحكومة” و”فشلها أمنيا” وخطوة اقتصادية فاشلة تهدف الى “الهرب للأمام”، وصف من جانب آخر بأنه طريقة صحيحة لـ”ضبط وبناء” المجتمع.

ويقول الخبير الأمني عدنان الكناني في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الحديث عن التجنيد الإلزامي في هذا الوقت، هو أشبه بكلمة حق يراد بها باطل، حيث أن القوات العراقية غير مهيأة لاستقبال أعداد كبيرة جدا، كما أن عسكرة المجتمع العراقي توحي بضعف حكومي وعدم إيجاد الحلول الخاصة”.

ويضيف الكناني، أن “بعض القادة العسكريين يتحدثون عن حاجتهم لظهير أمني، وعندما نشاهد ضابطا رفيعا يتكلم بمثل هذا الكلام، فهذا يشير الى مخطط لجعل العراق ينزلق الى النفير العام، وعسكرة المجتمع التي ستدفع نحو الفشل الأمني وسقوط الدولة العراقية”.

ويشير الى أن “الذهاب نحو التجنيد الالزامي يتطلب دعما لوجستيا وتجهيزات عسكرية ووسائط نقل ومعسكرات ومراكز تدريب ومعلمين ودوائر تجنيد وارزاق يومية، وهذه كلها مبالغ مالية كبيرة”، مبينا أن “على الحكومة الاهتمام بالآليات ودعم الاجهزة الامنية، خصوصا وأننا في معركة عقول ولا نحتاج الى أعداد كبيرة من الجنود، خصوصا فيما يتعلق بالجهد الاستخباري ورصد المعلومات ونحتاج قوة مدربة ومهيئة”.

ويلفت الى أن “هناك حديثا عن الجانب الايجابي من هذا القرار، ويتمثل بمزج الدماء العراقية من أبناء الوسط والجنوب والغربية، لكن كان الأجدر توزيع وتوظيف أبناء العراق ضمن ما هو موجود حاليا لتصبح العلاقات طيبة ووطيدة وإنشاء روح العمل والمساواة”.

ويوم أمس الأول، قال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في تغريدة له بموقع تويتر “أنجزنا اليوم ما تعهّدنا به منذ لحظة تسلّمنا المسؤولية أمام شعبنا والتأريخ، بإقرار خدمة العَلم التي ستكرّس القيم الوطنية في أبنائنا، وطرحنا مشروع صندوق الأجيال، الذي سيحميهم من الاعتماد الكامل على النفط، ومعاً سنمضي إلى الانتخابات المبكرة وفاءً للوعد”.

وتوقفت خدمة العلم “التجنيد الإلزامي” منذ عام 2003، بعد إسقاط النظام السابق، حيث كانت تفرض على كل شاب يبلغ الـ18، وتكون فترة خدمته حسب شهادته الدراسية.

وعقب إعلان الكاظمي، أعلن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عباس سروط، في حديث تابعته “العالم الجديد”، أن القرار إيجابي لتشكيل قوة احتياطية تصد أي خطر خارجي، كما أن له أهمية في بناء جيل جديد بشكل صحيح، وعدم انجرافهم بأمور أخرى، فيما أوضح تفاصيل القرار بأن راتب الخدمة سيحدد وفق المناطق الساخنة والخطورة، فيما ستكون الخدمة من سنة ونصف إلى سنتين لمن لا يملك شهادة، أما خريج الاعدادية فستكون خدمته سنة واحدة، وخريج الكلية ستة أشهر، والماجستير والدكتوراه شهرين، ومن لا يستطيع ذلك فعليه دفع البدل، وان الاعمار المطلوبة هي ذاتها التي كان معمولا بها في النظام السابق من مواليد 1988 فصاعدا، أي من عمر 18 إلى 35 عاما.

ويأتي إقرار الحكومة لقانون الخدمة الإلزامية، استجابة لمسودة قانون قدمتها وزارة الدفاع في العام الماضي، الى شورى الدولة لتدقيقه من الناحية القانونية.

يشار الى أن الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، كان قد حل الجيش العراقي السابق، وأقر إعادة إنشاء جيش جديد يعتمد على التطوع وليس التجنيد الإلزامي.

وحول الجوانب الاقتصادية للتجنيد الإلزامي، توضح الخبيرة بالشأن الاقتصادي سلام سميسم في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذه الخطوة هي اقتصادية بامتياز، وليست سياسية او عسكرية، فهي خطوة للهروب الى الأمام أي بدلا من التفكير بحلول لتخفيض معدلات البطالة بالمجتمع العراقي، يريدون أن يزجوا الشباب في هذه المكانات لإعطائهم رواتب وتقليل البطالة”.

وتلفت الى أن “هذه الخطوة ليست حل اقتصادي، لأنه بحساب الجدوى الاقتصادية لها فإنها ستكون غير مجدية، لان الحكومة ستصرف عليه اكثر مما ستجنيه، وكان من الممكن ان تقوم الحكومة باتباع سياسات اخرى لتقليل البطالة افضل من موضوع التجنيد الإلزامي، ومع الاسف لجأوا الى هذا الحل الذي سيكون عبئ على الدولة”.

وتؤكد “كان من الممكن ان يكون هناك تجنيد ولكن ليس عسكري، أي تجنيد لاجل إعادة مشاريع الاعمار وهو سيكون مفيد وفيه مردود اقتصادي”.

ويشهد العراق منذ سنوات طويلة، تظاهرات مستمرة وكبيرة يذهب ضحيتها العشرات من الشباب نتيجة لقمع الاجهزة الامنية، وغالبا ما تنحصر مطالب المتظاهرين بتوفير فرص عمل والقضاء على البطالة وتوفير الخدمات وحياة كريمة للمواطن.

كما يواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوعة تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن دون تحقيق أي وعد، بل تستمر عجلة التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.

وفضلا عن القطاع الحكومي، فان مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا بل وإنهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للانتاج، من استمرار التيار الكهربائي او الحماية اللازمة، خاصة في ظل الاحداث الامنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول الى مستهلك للبضائع المستوردة.

من جانب آخر، يبين الباحث الاجتماعي محمد المولى في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التجنيد الالزامي ضرورة ملحة مجتمعية وطريق صحيح للبناء، ولكن اذا تم التعامل معه بالنظرة القديمة فسيكون اتجاها خاطئا بكل تفاصيله، إذ يجب أن تعاد الصياغة وفقا لأمور تتلاءم مع المجتمع الحالي”.

ويلفت المولى، الى أن “الشعب الآن لا يستقبل التجنيد كما في النظام السابق، ولابد من إعادة الصياغة بإدارة جديدة، حيث أن التجنيد هو تعليم على الضبط وتشجيع على الدراسة بشكل حقيقي، وبناء مجتمعي ولكن مع مراعاة اعادة تغيير الصيغ السابقة، أما موضوع البدل، فهو غير مجد لانه يصنع فروقات مجتمعية، واذا اعيدت من جديد ستعاد بالمحسوبية ولن تكون ضمن الامور الناجحة”.

يشار الى أنه منذ حل الجيش العراقي بعد عام 2003، طرحت العديد من القوى السياسية بالاضافة الى عسكريين سابقين، ضرورة إعادة التجنيد الإلزامي، وخاصة بعد تشكيل اول حكومة منتخبة، كما كان الحزب الإسلامي أعلن في العام الماضي عن تأييده لقانون التجنيد الإلزامي، معتبرا أن من مصلحة البلاد عودة التجنيد لأجل تعزيز الوحدة الوطنية وتخفيف العبء على الدولة.

إقرأ أيضا