واشنطن بوست: محاولة اغتيال الكاظمي ونتائجها العكسية المذهلة

تنشر “العالم الجديد” ترجمة لمقال الصحفي الأمريكي ديفِد إغناتيوس في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية بشأن…

نشر الصحفي ديفيد إغناتيوس مقالا في جريدة “واشنطن بوست” الأمريكية حول محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الاحد الماضي، إذ تنشر “العالم الجديد” نص ترجمته التي أعدها لها المترجم والكاتب إبراهيم عبدعلي: 

على الرغم من الظروف السياسية الصعبة في بغداد، كانت المحاولة الأخيرة لاغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مفاجئة لكثير من العراقيين، وقد قوضت جهود المليشيات المدعومة إيرانياً التي كانت تحاول إبعاده عن السلطة، فالهجوم الجبان كما وصفهُ الكاظمي، قد نددت به الأمم المتحدة وإدارة بايدن، فضلاً عن شريحة واسعة من السياسين العراقيين وحتى إيران، التي تعد متهماً أساسياً في محاولة الاغتيال المنفذ بثلاث طائرات مسيرة عن بعد صباح الأحد الماضي. وقد كانت اثنتان من تلك الطائرات قد أسقطت في حين استطاعت احداهن ضرب مقر إقامة الكاظمي، الفيلا الصغيرة المنسقة بالفن المعاصر، حيثُ التقيت بها الكاظمي شخصياً قبل شهورٍ قليلة ماضية.

لقد كتبت رندا سليم، رئيسة قسم حل النزاع في معهد الشرق الأوسط، مختصراً عن الآثار الناجمة من الحادث عبر رسالة بريدٍ الكتروني مقتضبة بالقول: إن “هناك كما كافيا من الأدلة الظرفية التي تشير الى أن المليشيات المدعومة إيرانياً هي التي خططت لهذا الهجوم، لكن الهجوم بالفعل قد أتى بنتائجٍ عكسية، حيث كانت حركة غبية وقصيرة النظر أدت الى نتائج على العكس بالضبط لطموحاتهم المتمثلة في محاولة منع الكاظمي من الحصول على ولاية ثانية، إذ قدمت محاولة الاغتيال تلك احتمال بقاء الكاظمي لولاية ثانية على أنه أمرٌ شبه حتمي”.

من الجدير بالذكر أن الكاظمي كشخصية نادرة في الشرق الاوسط، استطاع أن يقف بوجه التهديدات القادمة من إيران وحلفائها من غير أن يرف لهً جفن، فقد عاش الكاظمي في الفترة الماضية في مرمى النيران منذ أن تسلم مسؤولية مكتب رئيس الوزراء في آيار مايو 2020 وحاول أن يتخذ مسارا بين تطلعات الولايات المتحدة الامريكية وإيران. منذ ذلك الوقت والمليشيات المدعومة إيرانياً التي تهاجم المنطقة الخضراء التي قتلت أحد أصدقائه وتحدت مسؤوليه الأمنيين في حملةٍ من قبل تلك المليشيات بغية إخافته.

إن الغضب الذي يعتري تلك المليشات ضد الكاظمي ناتجة جزئية عن الثمار المرة التي حصدتها الأخيرة على خلفية فشلها في انتخابات الشهر المنصرم، إذ كان الفائز في تلك الانتخابات هو الرجل الزئبقي، ذو المزاج المستقل رجل الدين العراقي مقتدى الصدر، الذي حاول كالكاظمي أن يبدو بعيداً عن إيران ووعد انهُ لن يدع العراق في متناول قبضتها. وقد فاز حزب الصدر بـ73 مقعداً من ضمن 329 مقعداً في البرلمان العراقي، مشكلاً أكبر كتلة، أما التحالف المقرب من إيران والمعروف بالفتح والذي يتضمن بعض المليشيات، فقد فاز بسبعة عشر مقعدا فقط.

وكان من المتوقع أن يبدأ الكاظمي في محادثاتٍ جديدة لتشكيل الحكومة الجديدة مع الصدر والقياديين السياسيين الاخرين نهاية الشهر الحالي أو بداية شهر كانون الاول ديسمبر المقبل.

وبمجرد الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات، بدأت المجاميع المدعومة إيرانياً بالتصريح بوجود تزوير، على الرغم من أن صناديق الاقتراع كانت مراقبة من قبل الامم المتحدة ومجاميع أخرى مستقلة، بل وذهبت المليشيات الى إطلاق تظاهرات تحمل اسم “أوقفوا السرقة”، بمفارقةٍ غريبة وإشارة الى الرئيس السابق دونالد ترامب.

لقد تحول الصدام الى العنف، عندما قام بعض اعضاء المليشيات بمحاصرة المنطقة الخضراء ومهاجمة عناصر الامن العراقي التي تحمي المكاتب الحكومية والسفارات الاجنبية في المنطقة، إذ أطلقت القوات الامنية النار وقتلت متظاهرين. ولقد صرح لي مسؤول عراقي مقرب من الكاظمي أن اكثر من 80 منتسباً للقوات الامنية العراقية و27 متظاهرا كانوا قد أصيبوا، كما أكد المسؤول قائلاً: إن “هذهِ الحملة صممت لمنع التجديد للكاظمي”، كما أكد المسؤول العراقي أن الكاظمي كان يحاول الى التخفيف من حدة الصدام.

وحدثت محاولة الاغتيال في صباح يوم الاحد، وتصاعدت المشاعر الغاضبة للكثير من العراقيين الذين كانوا يأملون من الكاظمي محاربة الفساد العام في العراق والسير على الخيط الرفيع بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران. وكان الكاظمي قد أكد عبر تصريحٍ رسمي لمكتبه بأن الحكومة “ستقوم بملاحقة من قاموا بجريمة الامس”، مضيفاً “نحن نعرفهم جيداً وسنكشفهم”، كما قدم الكثير من السياسيين العراقيين بيانات مساندة للكاظمي.

من جانبها، حاولت إيران وحلفاؤها من المليشيات تقديم تصورٍ متوقع عن أن الولايات المتحدة هي التي يجب أن تلام جراء تصاعد المواجهة ومحاولة الاغتيال، فقد ذكر الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الايرانية سعيد خطيب زادة، أن “هذا النوع من الحوادث هي في الحقيقة من جملة الحوادث التي تتلاءم مع مصالح المجموعة التي حاربت الاستقرار والأمن والاستقلال ووحدة اراضي العراق منذ اكثر من 18 سنة”.

بيد أن هذا النوع من الخطاب المضاد لأمريكا ليس من المتوقع أن يكون ذا تأثير كبير حتى بين العراقيين المؤمنين بنظرية المؤامرة، ويبدو أن من السهل دحض هكذا ادعاء كون الطائرات المسيرة المستهدفة تم ضبطها، كما أن نجاة الكاظمي من محاولة الاغتيال منحتهُ فرصة افضل من سابقتها الأسبوع الفائت في البقاء في السلطة وتحشيد قواته للبدء بعملية الاصلاح التي يحتاجها العراق بشدة.

إقرأ أيضا