صانع فيلم كردي لـ”العالم الجديد”: بتر يدي لم يعق قدراتي

يعرض ضمن فعاليات مهرجان دهوك السينمائي الدولي الثامن فيلم (الأراضي المتسخة Dirty lands) للمخرجين آلا…

يعرض ضمن فعاليات مهرجان دهوك السينمائي الدولي الثامن فيلم (الأراضي المتسخة Dirty lands) للمخرجين آلا هوشيار ورضا علائي وهو فيلم روائي طويل من إنتاج العام 2021 يروي قصة حقيقية هي قصة المقاتل (هالو رةمشتي) في 72 دقيقة، وتزامنا مع عرضه السينمائي الأول في العالم ضمن فعاليات المهرجان كان لـ”العالم الجديد” هذا الحوار مع صاحب القصة وبطلها والشخصية الرئيسة فيها والذي أدى دوره بنفسه في الفيلم.

س/ السيد رةمشتي أهلا وسهلا بك، هل يمكن أن تعرفنا على نفسك خارج الفيلم، من أنت ومتى انضممت لقوات البيشمركة؟

ج/ اسمي هالو رةمشتي، من مواليد العام 1983، مابين عامي 2003 و2004 انتسبت إلى قوات البيشمركة، في وقتها كنت في منصب عال في قيادة حزب شرقي كردستان، شاركت أنا وزوجتي في الحرب ضد داعش لمدة 4 سنوات، وفي تلك المعارك أصبت ثمان مرات، فقدت يدي، كُسرت أسناني، وأصيبت إحدى أذنَيَّ بالصمم، و36% من جسدي مصاب بحروق نتيجة متفجرات الـTNT. أنا في الحقيقة خبير متفجرات دولي، شاركت في عدة دورات تدريب دولية ما يقارب 20 دورة تدريبية عن أساسيات التعامل مع  الـTNT التي خلفتها داعش في المنطقة، أنا مهندس دولي لدي شهادات من عدة دول كألمانيا وأمريكا وبريطانيا وخضعت للتدريب تحت إشراف خبراء جيوش هذه الدول، عدت تقريبا بعد 18 يوما من إصابتي الأخيرة إلى المعركة، وقمت بتفكيك حوالي 20 طن من المتفجرات. كذلك أنا حاصل على شهادة ماجستير فخرية من جامعة تكساس وميدالية أفضل جندي حرب من دولة السويد، وميدالية الشجاعة (قارةمانةتى) من الحزب الديمقراطي الكردستاني، فضلا عن العديد من شهادات التكريم من عدة جهات دولية بسبب مشاركتي في الحرب ضد داعش، ولدي وثيقة اعتراف وشكر من كندا.

س/ كيف نربط هذه الحياة العسكرية الحافلة بالفيلم والسينما، وهي بعيدة جدا عن هذا المجال؟

ج/ بعد تركي للعمل الحزبي واجهت عدة صعوبات في الحياة، وكأن تلك البطولات تم تجاهلها ونسيانها جميعا، وهذا ليس مجرد سيناريو سينمائي، بل هي قصة حقيقية، هي قصة حياتي، أصبحت هذه القصة فيلما يحمل اسمي وأشارك فيه بهويتي الحقيقية وباسمي الحقيقي، فيلم (الأراضي المتسخة) من إنتاج جديد ويعرض للمرة الأولى حتى إنني شخصيا لم أشاهده حتى الان.

Image

س/ أنا شاهدت الفيلم وأسعدني أنني وجدتك حاضرا العرض، خصوصاً بسبب ظروفك الصعبة التي قد تسبب لك مشكلة في القدوم

ج/ ليس لدي مشكلة في الحضور، قد يعتقد الكثير من الناس أن يدي المبتورة ستعيق قدرتي على المشاركة في الكثير من الأمور وهذا غير صحيح فأنا رامٍ وسباح ماهر، وكذلك لدي الخبرة في الكثير من مجالات العمل فأنا كذلك مصمم موهوب، لكن عدم امتلاكي للجنسية العراقية والأوراق الثبوتية اللازمة تسبب لي بإشكاليات تتعلق بفرص العمل والتوظيف والتقدم في عملي إلى مرتبة أفضل، حتى على المستوى المادي فبسبب عدم امتلاكي للجنسية العراقية لم أستطع الاستفادة من التعويض الذي تقدمه حكومة اقليم كردستان لمصابي الحرب ضد داعش وذلك لأني كردي من كردستان ايران، حالياً أنا أُسير شؤون حياتي بنفسي دون إعانة.

س/ فكرة صناعة هذا الفيلم كانت لمن؟

ج/ أنا ومخرج الفيلم (ئالا هوشيار) أصبنا في اليوم نفسه في المعركة، إذ كان وقتها مصورا حربيا، وأنا كنت في وقتها مقاتلاً في صفوف البيشمركة، وشاركنا سوية في معارك كبرى قبل تعرضنا للإصابة وعولجنا في المستشفى نفسها، وهكذا كانت لدينا الكثير من المشتركات والذكريات، وبعدها قمنا بتحويل هذه الذكريات إلى سيناريو، كتبه (ئالا) بينما انا قمت بمساعدته من خلال إطلاعه على أحداث حياتي ومعيشتي اليومية، صحيح أني صاحب القصة وهذا السيناريو يحكي عن قصة حياتي لكنها في الحقيقة قصة العديد من بيشمركة كردستان ايران الذين أتوا إلى كردستان العراق وشاركوا في الحرب ضد داعش، فنحن قمنا بكسر الحدود ما بين الكرد ولم نعترف بها، شاركنا في الحرب، ونحن أخوة بالدم، ومعركة كردستان العراق هي معركتنا كذلك كما إن معاركنا هي معاركهم، ونحن شاركنا في الحرب ضد داعش الذين أرهبوا العالم كله وهذه الحقيقة يجب ان يدركها كل العالم، نحن الكرد أمة واحدة لا تفرقنا الحدود الموضوعة بيننا وسنكون أخوة وشركاء في المعركة دائماً.

والفيلم يطرح سؤالا من خلال قصتي، أنا إنسان مقاتل، لكن عند عدم وجود معارك أؤدي فيها واجبي ماذا أفعل؟ ماهي فرصي في الحياة؟ لا يساعد أحد في حمل أعباء المعيشة وهذه مشاكل موجودة بالفعل، لذلك في هذا الفيلم يتم تسليط الضوء على هذا الجانب، ويحمل رسالة إلى المعنيين يجب عليهم التركيز على هذه الفئة المكافحة بعد أن واجهوا صعوبات جمة في الحرب، وعانوا العديد من المصاعب.

على سبيل المثال أنا قمت بكتابة كتاب، ولكنهم لم يوافقوا على طباعته إلا بشرط أن تكون كل وارداته للجهة الناشرة، فقط سيكون اسمي على الكتاب ولن أحصل أي مربح آخر منهن وهذا ليس معقولاإذ لابد ان يجني أي منا ثمار تعبه على الأقل. فللأسف لاتتم الاستفادة من أشخاص ذوي خبرة مثل حالتي، التي يطرحها الفيلم، الذي اختصر وأشار إلى القضية بمثال واحد هو شخصيتي، فبدل أن يذهب بيشمركة سابق إلى أعمال أخرى كسائق تكسي أو التبليط والدهان، يجب أن تقوم الحكومة باستغلال هده الطاقات والخبرات الموجودة.

Image
 

س/ قبل هذا الفيلم هل كان لديك اي تجارب في التمثيل السينمائي، وهل كنت من متابعي ومحبي الأفلام وهل سيكون هذا الفيلم التجربة الأولى والأخيرة لك؟

ج/ لم تكن لدي أي تجربة تمثيلية سابقا، أبدا، لكني من متابعي ومحبي الأفلام السينمائية وخاصة التاريخية، لكني لست من المتخصصين في السينما. أما بخصوص تكرار التجربة فلا أعلم، ربما أفكر في هذا في حال طرح علي مشروع آخر.

س/ حتى ولو كانت القصة عن غيرك وليست عنك؟

ج/نعم بالطبع.

س/ أنت كإنسان عسكري ومعتاد أن توجه الأوامر لغيرك، هل وجدت صعوبة في أن تكون ممثلا وأن تتلقى الأوامر من المخرج؟

ج/ نعم كانت مشكلة كبيرة بيني وبين صناع الفيلم، ولب الإشكالية هو كوني قائداً عسكرياً سابقاً في الحزب وكنت دائماً في مركز توجيه الأوامر وهذه الأوامر كانت يجب ان تنفذ، ولكن عملي في الـTNT، خلق لدي نوعا من الصبر كما النملة التي تعيد المحاولة آلاف المرات حتى تنجز ماتريد، والعمل مع المتفجرات يتطلب ضبط النفس وعدم الخضوع للتوتر، لأن من قام بزرع العبوات إرهابي ومن يفككها يجب أن يكون هادئا ومدركا ماذا كان يفكر هذا الشخص عندما زرع هده القنبلة وهذا يتطلب الهدوء وضبط النفس إلى أقصى درجة.

ولذلك كله، فضلا عن كوني أدرك أن هذا العمل سيكون ناجحاً، فقمت بضبط نفسي قدر المستطاع ولبست ثياب الصبر وكان صناع العمل راضين وكنت راضيا بدوري، ويوجد احترام كبير بيننا، فنحن أصدقاء ونحترم ونحب بعضنا، ومرت أيامنا، وقمنا بإنجاز الفيلم بشكل رائع وأشير إلى ان أغلب طاقم العمل كانوا متطوعين وهذا يدعوا للتفاؤل.

Image

س/ كونك عسكري وفي الوقت نفسه ممثل، هل لك أن تضيف أمراً آخر بهذا الخصوص؟

ج/ عندما بدأت العمل في الفيلم كنت أعتقد أن طريقة العمل في الأفلام هي ان الكاميرا تسجل والممثل يقوم بالأداء وهذا كل مافي الأمر، لكن أثناء العمل في كل مرة كان يطلب مني تكرار المشهد بنفس الجمل والتعابير والحركات والإحساس والروح، وذلك كان من الصعوبات والتحديات العظمى لي، كما أن الصراخ علي لعدة مرات في موقع العمل من اجل ان اقوم بتكرار المشهد، كان يشعرني بعدم راحة .

س/ وهل لك أن تذكر لي مثالا محددا من الفيلم؟

ج/ لا أتذكر، لأنه مرت سنتين على قيامنا بالتصوير، ولكن في عدة مرات كان يتم اتخاد قرار وانا غير راض عنه، فأنفعل وأقول إنني لن أعمل مجدداً ومن ثم أهدأ ونعود إلى العمل. لكن في بعض الأحيان كان المصور يُعيد تصوير المشهد عشرين مرة للحصول على أفضل لقطة، وأحد المشاهد أعدناه 73 مرة على ما اعتقد على مدى ثلاثة أيام متتالية، بعض المشاهد كانت تعاد 60 مرة، وكانت كل مرة تتطلب الدخول في الحالة نفسها من الإحساس وذلك يتعب كثيرا كنا نحتاج إلى راحة، ولكن النتيجة ستكون أفضل ما يكون. 

س/ برأيك هل طرح القصة في فيلم روائي أفضل من طرحها في فيلم وثائقي؟

ج/ فيلم (Derty lands) لم يبتعد عن الوثائقي كثيرا، لكني أرى الكثير من الأفلام الوثائقية تسلط الضوء على أحداث قديمة بينما أحداث فيلمنا لازالت معاصرة، وبطل القصة نفسه يشارك في تمثيل الفيلم لذلك هذه الفكرة تختلف عن الأفلام والأفكار الأخرى، كما أن هذا الفيلم يقدم رسالة مهمة للغاية مفادها أن المحارب عندما تنتهي الحرب يمكنه العودة ليتأقلم مجدداً في مجتمعه بشكل جيد جداً على عكس العديد من الأفلام التي تقدم فكرة تعاكس هذا تماما، مثلا أحد أفلام رامبو نجده بعد عودته من الحرب عاد مجرما ولم يتأقلم مع واقعه، اما انا فمتصالح مع مجتمعي وهذا دليل انه ليس هناك حقيقة مسلم بها أن المقاتل بعد الحرب يجب أن يصبح مجرماً أو غير قادر على الاندماج مع مجتمعه.

ترجمة: روان فؤاد عبد

إقرأ أيضا