شح المياه وقلة التخصيصات المالية ترفعان معدلات الفقر

مع انتهاء العام الحالي، الذي شهد طرح الحكومة لأكثر من مبادرة اقتصادية، ما يزال الفقر…

مع انتهاء العام الحالي، الذي شهد طرح الحكومة لأكثر من مبادرة اقتصادية، ما يزال الفقر مسيطرا على بعض المحافظات الجنوبية وبنسب مرتفعة جدا، وهو ما عزاه خبراء إلى أسباب عديدة أبرزها شح المياه الذي أثر على مدخولات الفلاحين، بالإضافة فشل السياسات الاقتصادية للحكومة، وفي مقابل هذا تصطدم المؤسسات المختصة التي تخطط لتقديمها حلولا لمعالجة الفقر، بعدم وجود تخصيصات مالية لازمة.

ويقول مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك استراتيجبة وطنية لمكافحة الفقر، بدأت تأخذ فاعليتها تحت إدارة وزارة التخطيط، ولاسيما بعد أن ازدادت نسب الفقر لتلامس 30 بالمائة من سكان البلاد”.

ويعزو صالح ارتفاع نسبة الفقر، الى “التصحر وقلة المياه، التي أصبحت شبه شحيحة في المنطقة الزراعية الجنوبية، ما جعل وزارة الزراعة مضطرةً الى إيقاف 50 بالمائة من حملة الاستزراع الشتوية، وهذا ما ترتب عليه نقص حاد في مدخولات الفلاحين الجارية والمحتملة، لذا تقتضي مكافحة هذه الظاهرة بشمول أسر تلك المجموعات السكانية الريفية ببرامج واسعة للرعاية الاجتماعية، أي استهداف قرى الفلاحين التي تعطل إنتاجها الزراعي بسبب الجفاف وشمولهم ببرامج الرعاية الاجتماعية”.

ويضيف “من المفترض أن تشمل تلك الأسر بالسلات الغذائية وغيرها من النشاطات المعظمة للدخل الحقيقي، وهي مهمة أمست مشتركة ضمن استراتيجيات التوزيع العادل للدخل والانتاج بين وزارات التخطيط والعمل والشؤون الاجتماعية والمالية، لمكافحة الفقر للعائلات التي يتقاضى الفرد فيها دخلاً يوميا يقل عن دولارين، والعمل على تأمين 75– 80 بالمائة من حاجات المشمولين بالرعاية من مياه نظيفة ومأوى آمن وصحة وتعليم”.    

وكانت وزارة التخطيط أعلنت في اذار مارس الماضي، عن انخفاض نسبة الفقر في البلاد إلى 25 بالمائة من مجموع السكان، بعد أن كانت 31.7 بالمائة عام 2020، ووفقا لتصريح المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي فإن عدد الفقراء في العراق أقل من 10 ملايين شخص.

يشار الى أن البنك الدولي، حذر مطلع العام الحالي من احتمالية وصول نسبة الفقر في العراق إلى 50 بالمائة، وذلك مع تسجيل محافظة المثنى أعلى نسبة فقر في العراق حيث بلغت 52 بالمائة وتلتها الديوانية بمعدل 48 بالمائة وميسان 45 بالمائة، بحسب وزارة بيانات وزارة التخطيط.

وتعد الزراعة من أبرز المهن المتوارثة في المناطق الجنوبية والوسطى من البلد، لكن وفي ظل شح المياه خفضت المساحات التي يسمح بزراعتها الى 50 بالمائة بقرار من وزارة الزراعة، بالإضافة الى غياب الدعم الحكومي للمزارعين، الذين شكوا في تصريحات سابقة لـ”العالم الجديد” عن عدم وجود أي دعم سواء على مستوى السماد أو الاليات، وهذا يضاف الى تأخر صرف مستحقاتهم من الدولة، ما يدفعهم الى الإستدانة لزراعة أراضيهم. 

وسبق لـ”العالم الجديد”، أن فتحت ملف هجرة المزارعين من الريف الى المدينة، وتركهم لأراضيهم الزراعية للأسباب أعلاه، فضلا عن فقدان أغلب المحافظات لنسب عالية من مزارعها بسبب هجرة المزراعين.

إلى ذلك، تبين الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الفقر بحسب التشخيص الجديد، فانه ليس الفقر النقدي الذي نعرفه، إنما هو متعدد الجوانب، أي أن المواطن ليس فقط لا يملك النقود وإنما لا يملك الدواء ولا الخدمات ولا منزل يسكن فيه ولا المأكل والمشرب، وهذا فشل في السياسات الاقتصادية”.

وتلفت إلى أن “ازدياد حالات الفقر لا علاقة له بأسعار النفط أو غيرها، بل هو مرتبط بشكل مباشر بفشل السياسات الاقتصادية للسلطة القائمة”. 

وكانت الحكومة برئاسة مصطفى الكاظمي، ومنذ العام الماضي، قد ركزت في بياناتها على تحسين اقتصاد البلد، حيث أعلنت في تشرين الأول أكتوبر الماضي عن “الورقة البيضاء” التي تضمنت آليات جديدة للإصلاح الاقتصادي على أن يكون تنفيذها بين 3 و5 سنوات، وأبرز محاورها تحقيق الاستقرار المالي، وتعظيم الإيرادات من خلال تنويع الجباية، فضلا عن تقليل النفقات والقضاء على الفضائيين، وتحقيق الإصلاحات العامة في المصارف.

وعادت الحكومة في كانون الأول ديسمبر 2020، إلى خفض سعر قيمة الدينار أمام الدولار، في محاولة لتوفير سيولة نقدية، وذلك بعد الأزمة الاقتصادية الى ضربت البلد وحالت دون قدرة الحكومة على توفير رواتب الموظفين.

ومؤخرا، ارتفعت أسعار النفط العالمية، ما حقق فائضا ماليا كبيرا للعراق، حيث بلغت الأسعار نحو ضعف ما أقرت عليه موازنة 2021، ووفقا للمستشار المالي لرئيس الحكومة، فأنه أكد سابقا لـ”العالم الجديد” أن العجز في الموازنة اصبح من الماضي، لكن دون توضيح آليات صرف الاموال المتحققة من تغيير سعر النفط.

من جانبها، تبين عضو مفوضية حقوق الإنسان فاتن الحلفي خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “الازمة الاقتصادية وآثار تفشي فيروس كورونا، كلها مؤثرات أدت الى ارتفاع البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي ما أدى الى ارتفاع نسب الفقر”.

وتتابع الحلفي، أن “المفوضية رفعت الكثير من التقارير والحلول، ولكن الامر يتعلق بالجنبة المالية والموازنات، وكل المقترحات التي قدمت تحتاج الى موازنات خاصة وأموال لإيجاد الحلول لمشاكل الفقر، خاصة وأن غالبية هذه العائلات تسكن في العشوائيات وأماكن غير صالحة للسكن، وهذا ما يعيق الموافقة على المقترحات التي نقدمها”.

وتشير إلى أن “استمرار ارتفاع نسب الفقر، سيولد الجهل والمشاكل الاجتماعية والإرهاب، وهذا كله بسبب الفقر إذ يدفع المواطنين الى اللجوء لأمور غير صحيحة”.

يشار إلى أن وزارة التخطيط أعلنت الشهر الماضي، عن مضيها في الإعداد لإجراء المسح الاقتصادي والاجتماعي للعائلات بالتعاون مع البنك الدولي والمنظمات الدولية المعنية لوضع خارطة أكثر دقة لمؤشرات الفقر بأنواعه، بالإضافة الى مضيها بالاستعدادات لتنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن في العراق خلال العام المقبل 2022.

إقرأ أيضا