الحكومة و”انتفاضة تشرين”.. وعود حذفتها السياسة

جاء تخصيص ملياري دينار لعلاج جرحى التظاهرات، ليجدد الحديث عن استجابة الحكومة لمطالب المتظاهرين، ما…

جاء تخصيص ملياري دينار لعلاج جرحى التظاهرات، ليجدد الحديث عن استجابة الحكومة لمطالب المتظاهرين، ما دفع العديد من الناشطين الى التأكيد على أن الحكومة لم تنفذ أي مطلب من مطالب “الانتفاضة” وأنها قامت بتسويفها، معتبرين علاج الجرحى بـ”الواجب”، وسط إصابة بعضهم بـ”العوق” نتيجة تلف أعضائهم خلال عامين من الإهمال.

ويقول الناشط منتظر بخيت خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الحكومة التي انتهى دورها حاليا، جاءت نتيجة الحركة التشرينينة، ولكنها لم تشكل باختيار المتظاهرين، ولم تخرج من رحمهم، وإنما جاءت عبر اتفاق بين الكتل السياسية الرئيسة في حينها، ووفق شروطها، أي أنها كلفت بخطوط عامة من قبل الكتل وسارت عليها”.

ويضيف بخيت، أن “هذه الحكومة نفذت ما أرادته الكتل السياسية، وليس ما أراده الشارع العراقي، على اعتبار أنها نصبت بإرداة الكتل السياسية وليس بإرادة الشارع العراقي”، مبينا “كانت هناك مهام أولية طالب بها المتظاهرون ولم يتم تحقيق واحدة منها، ومن أهمها التحقيق بجدية في ملفات الاغتيالات وقتلة المتطاهرين، ولحد الآن لم يتم الكشف عن الجهة التي تقف وراء ذلك، وبذلك فإن القاتل بقي حرا، على اعتبار أن الذين تم إلقاء القبض عليهم هم أدوات لاستمرار هذا النهج”.

ويردف أن “هناك مسألة أخرى وهي الاغتيالات والقمع الذي حدث خلال هذه الحكومة، مثل ما حدث في ساحة الحبوبي بمحافظة ذي قار والبصرة ومناطق أخرى، والتي ما زالت مستمرة مع القمع ذاته والاغتيالات التي طالت خيرة الشباب، حيث أن العنف مستمر ضد أي حراك”، مشيرا إلى أن “ما يخص إدارة الدولة بشكل عام، لم نلمس أي تحييد للفصائل المسلحة أو المليشيات والقتلة، فهي قائمة على وضعها ولم نر أي تحسن أو مؤشرات تدل على حسن تعامل الحكومة”.

وبشأن ما قدمته الحكومة لجرحى التظاهرات وعوائل القتلى، يشير بخيت إلى أن “من الواجب الطبيعي لأي بلد محترم أن يقدم الخدمة لضحايا الاحتجاجات، فبفضلهم وفضل هذه التضحيات تم إسقاط حكومة القناصين (الحكومة السابقة) وتشكيل حكومة جديدة، فهو ليس إنجازا بحد ذاته، وإنما هو واجب عليهم، إضافة إلى أنه تم جمع تبرعات لشاب مقعد في محافظة النجف ولم تكتمل التبرعات طوال سنتين، كما أن هناك أكثر من 20 ألف جريح لحد الآن لم يتم تعويضهم بأي شيء، حتى أن بعضهم أصيب بالعوق”، متسائلا “أين الإنجاز في وقت يفترض فيه إجراء عمليات فورية لبعض الجرحى، لاسيما وأن بعض العمليات معقدة ولا يمكن إجراؤها داخل العراق”.

وكان مجلس الوزراء، قرر في 21 من كانون الأول ديسمبر الحالي، تخصيص ملياري دينار لوزارة الصحة لتغطية علاج جرحى التظاهرات.

يذكر أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وجه في تشرين الأول أكتوبر الماضي، بالإسراع بإجراءات سمة الدخول “الفيزا” لإرسال جرحى تظاهرات تشرين من الشلل الرباعي إلى ألمانيا.

وقبل عامين من الآن، وفي الأول من تشرين الأول أكتوبر 2019، انطلقت تظاهرات شعبية للمطالبة بتوفير الخدمات وإبعاد الفاسدين عن سدة الحكم، لكن سرعان ما تحولت هذه التظاهرات الى انتفاضة شعبية بدأت من بغداد، وصولا الى البصرة في أقصى الجنوب.

وشكلت هذه الانتفاضة نقطة فارقة في تاريخ العملية السياسية بعد عام 2003، وأصبحت إيقونة لجمع كل أطياف المجتمع ووحدت مطالبهم، خصوصا بعد ما رافقها من قمع وعنف، أدى الى مقتل أكثر من 600 متظاهر وإصابة 26 الفا آخرين.

وأدت تلك الانتفاضة الى استقالة حكومة عادل عبدالمهدي، بناء على دعوة المرجعية الدينية العليا في النجف، التي ساندت الشعب في تظاهراته، ما أدى الى تكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل حكومة مؤقتة هدفها إجراء انتخابات مبكرة.

يشار إلى أنه بعد تولي الكاظمي رئاسة الحكومة، ارتفعت وتيرة الاغتيالات للناشطين والشخصيات البارزة بشكل كبير، من أبرزها اغتيال الخبير الأمني والاستراتيجي هشام الهاشمي، الذي اغتيل أمام منزله في تموز يوليو 2020، أي بعد شهرين من تولي الكاظمي لمنصبه، وإيهاب الوزني رئيس الحراك المدني الذي اغتيل في كربلاء خلال أيار مايو الماضي، أي قبيل فتح باب الترشيح للانتخابات التشريعية الأخيرة، فضلا عن حالات أخرى في البصرة وذي قار والديوانية وكربلاء.

الى ذلك، يبين الناشط محمود الحسيني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تظاهرات تشرين شحذت همم الشباب وأوضحت قدرتهم على إمكانية التغيير في العراق، وفرض قوتهم على الكتل السياسية، وشاهدنا الرعب الذي خلقته والتنازلات التي حصلت من قبل الجهات المتولية لزمام السلطة آنذاك”.

ويضيف الحسيني، أن “أيا من مطالب المتظاهرين لم يتحقق، بل على العكس تم تسويف غالبيتها، خصوصا فيما يتعلق بمحاسبة قتلة المتظاهرين، إضافة الى الخدمات وفرص العمل والقضاء على البطالة والفقر، وبالتالي فإن الحكومة لم تعر هذه الأمور أية أهمية ولم نشهد الاهتمام الكافي بتحقيقها”.

ويؤكد أن “ثورة تشرين خلقت مزاجا جديدا بالنسبة للشباب وحتى الكتل السياسية، بما يتعلق في إدراكهم أن هناك من يستطيع الخروج والمطالبة بالحقوق، كما أن المتظاهرين تمكنوا من الحصول على عدد لا بأس به من مقاعد البرلمان، ليصبح هناك من يمثلهم في السلطة التشريعية”.

ولغاية الآن، تعاني المحافظات الوسطى والجنوبية من تفشي البطالة، واستمرار تظاهرات الخريجين للمطالبة بالتعيين، فضلا عن ارتفاع نسب الفقر في البلد ووصولها لأكثر من 50 بالمائة في بعض المحافظات.

يذكر أن الكاظمي، أعلن في شباط فبراير الماضي، عن القبض على عناصر في “فرق الموت” المسؤولة عن اغتيال الناشطين والصحفيين، ومنهم الصحفي احمد عبدالصمد والمصور صفاء غالي في كانون الاول ديسمبر 2020.

وقد أصدرالقضاء حكما بالاعدام بحق المتهمين، الذين اعترفوا بهذه الجرائم، وذلك في تشرين الثاني نوفمبر الماضي. 

من جانبه، يؤكد الناشط محمد الياسري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحكومة جاءت نتيجة لاحتجاجات سياسية وليست خدمية فقط، وثوار تشرين خرجوا بمطالب سياسية، وهي تغيير قانون الانتخابات وعدة قوانين أخرى وحل الأحزاب وتفعيل القانون الخاص بها، وقد تم تحقيق بعض من هذه المطالب”.

ويلفت الياسري، إلى أن “قانون الأحزاب لم يفعل بعد، وأما محاسبة قتلة المتظاهرين فقد جاء بعد قتل المتظاهرين ولم يكن من المطالب الأساسية التي خرجت من أجلها التظاهرات، وهو ما لم يتحقق أيضا”، مبينا أن “هذه الحكومة قد تكون حققت نسبة 40 بالمائة من التزاماتها”.

يذكر أن قانون الانتخابات الجديد، تم تشريعه من قبل مجلس النواب السابق أواخر عام 2020، أي قبل مجيء حكومة مصطفى الكاظمي، فيما حققت الحكومة الحالية وعدها بإجراء انتخابات مبكرة، وهي التي جرت في تشرين الأول اكتوبر الماضي.

إقرأ أيضا