الجيش العراقي يدشّن مئويته الثانية بنقطة تحول  تاريخية

في ذكراه الأولى بعد الـ100، يشهد الجيش العراقي نقطة تحول كبيرة عبر توجهه نحو البناء…

في ذكراه الأولى بعد الـ100، يشهد الجيش العراقي نقطة تحول كبيرة عبر توجهه نحو البناء والإعمار الطوعي، وهو ما وضع المختصين بالشأن العسكري والاجتماعي في دوامة من الأسئلة، في ظل عدم اكتمال تجهيزات الجيش بالشكل اللازم، لكن ذلك لم يمنع بعضهم من الإشادة بهذه الخطوة واعتبارها “إيجابية”.

البداية

ففي 6 كانون الثاني يناير 1921، تأسس الفوج الأول في الجيش العراقي، تحت اسم “فوج موسى الكاظم”، وكان النواة الأولى في مسيرة الجيش الطويلة، ومن ثم تأسست قوتان جوية وبحرية، ثم أصبح الجيش يتكون من أربع فرق، الأولى والثالثة في بغداد بينما كانت الفرقة الثانية في كركوك والرابعة في الديوانية.

ويحتفل الجيش العراقي يوم غد الخميس، بالذكرى الـ101 لتأسيسه، وبهذه المناسبة، اجتمع رئيس أركان الجيش الفريق الأول ركن عبدالأمير يارالله بقادة في الجيش قبل أيام، ووجههم بـ”المساعدة في بناء المدراس وتأهيل الطرق والجسور”، مشددا على إظهروا لهم الجيش كمساعد للدولة والمواطنين، ودون أن تعودوا لين ولديكم كافة الاماكنيات، واذا لم تكفي فابمكان قائد القوات البرية توفيرها”.

وأكمل يارالله في حديث متلفز تابعته “العالم الجديد”: “إذا شاهدتم جسرا آيلا للسقوط أو مدرسة بحاجة لترميم أو دائرة، اهتموا بها على الفور، أظهروا الوجه الآخر للجيش، وهو وجه العمران والبناء، ومدوا علاقة طيبة مع المواطنين لتكسبوا حبهم، خاصة وأننا مقبلون على الذكرى 101  لتأسيس الجيش”.   

التجهيزات والمهام

يقول الخبير الأمني سرمد البياتي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الجيش العراقي ما تزال فيه لغاية الآن العديد من الصنوف التي تهتم بالأمور البنيوية، لكن هي بالحقيقة ما زالت تقاتل عناصر داعش، وما زال الوضع الأمني غير مستقر في بعض المناطق، لكن لا بأس أن نستفيد من التجربة المصرية التي شاركت في الكثير من عمليات تشييد المدن”.

ويستطرد البياتي “الأمر يحتاج الى الكثير من الأموال، ونحن بحاجة الى تطوير المنظومة العسكرية وبناء دفاعات جوية وطائرات مسيرة وكاميرات حرارية وغيرها من الاحتياجات، ومن المفترض انه بعد الاكتفاء من سد النقوصات والاحتياجات في المنظومة العسكرية وتكون للعراق القدرة الكافية للسيطرة على سمائه وأرضه، ففي ذلك الحين نستطيع أن نستفيد من الجيش في اختصاصات أخرى”.

 

ويؤكد أن “اختصاص الجيش العراقي هو حماية حدود الوطن ومداخله من أي أخطار خارجية أو داخلية، لذلك عندما يكون الجيش مجهزا تجهيزا كاملا ولا يوجد أي خلل في تجهيزاته، عندها نفكر بالاستفادة من الجيش كما هو الحال في التجربة المصرية، ويمكن أن نستفيد منه في المحاولة لإعادة البنى التحتية التي دمرتها الحروب، لكني أرى الآن أن الإنفاق يمكن أن تتحول الى تجهيز الجيش بالصورة الصحيحة، بدلا من صرفها على ترميم البنى التحتية من قبله”.

يذكر أن قطعات تابعة لوزارة الداخلية، بدأت منذ أكثر من شهر بحملة لترميم الأبنية المدرسية في العاصمة بغداد، وقد تكفلت هذه القطعات بتوفير الجهد البشري بالاضافة الى بعض المواد الخاصة، وقد بلغ عدد المدارس التي رممتها هذه القطعات نحو 40 مدرسة، في مبادرة لاقت استحسان الطلاب ومدراء المدارس، الذين شكو من عدم توفر الاموال اللازمة من وزارة التربية لأعمال الترميم.  

يشار إلى أن الجيش العراقي مر بأحداث مفصلية كبرى، بداية من قيادة بعض الضباط فيه لانقلابات عسكرية، ومرورا بـ”القرار السياسي” الذي كان له التأثير الأكبر على مسيرة الجيش ووصولا الى القرار الأمريكي بـ”حله” وتأسيس الحالي الذي يعد امتدادا له. 

وقد خاض الجيش العراقي 16 حربا ونزاعا، داخليا وخارجيا، انتصر في بعضها وهزم في بعضها الآخر، فيما كانت بعض هذه النزاعات “مسيسة”، ما أنتج ردود فعل “سلبية” تجاه المؤسسة العسكرية.

الى ذلك، يبين الخبير الأمني عماد علو خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذه الأمور ليست من مهام الجيش العراقي، على الرغم من أن الجيش بصورة عامة هو مؤسسة مستهلكة وليست منتجة”.

ويلفت إلى أن “بعض الدول مثل مصر وغيرها وحتى في أوروبا وآسيا، استخدموا الجيش فيها للعمل في مشاريع الإعمار والبناء وفتح الطرق وغيرها من المشاريع، وأن هناك قسما من المؤسسات العسكرية في بعض البلدان أسست شركات معينة وشارك فيها الجيش، والأرباح توزع على المنتسبين أو تؤخذ لصالح القوات المسلحة لمساعدة خزينة الدولة على سد احتياجات القوات المسلحة من المعدات والاسحلة وغيرها”.

ويستدرك علو “لكن يبدو أن هناك حاجة الى التوجيه من قبل رئاسة الوزراء لدخول الجيش بهذا الموضوع، على الرغم من أننا نواجه تحديات أمنية داخلية قد لا تسمح باستخدام الموارد البشرية للجيش والقوات المسلحة في مثل هذه الأعمال، فما زلنا نواجه تحدي الإرهاب، ونحتاج إلى مسك الحدود ومنع التهريب ومواجهة تهريب المخدرات، كما أن هناك أمورا تتعلق بالمناطق المتنازع عليها، وهذه جميعها تتطلب موارد بشرية، فلا يمكن أن نأخذ هذه الموارد ونضعها في عمليات بناءء مدارس وغيرها”. 

وبشأن مشاركة الجيش في هذه الأعمال قبل 2003، يوضح علو، أن “المؤسسة العسكرية سابقا قبل 2003، كان لديها معامل، حيث كل فيلق معمل خاص به، مثل معمل الميدان والمعمل المتوسط ومعسكر الرشيد، كما أن هناك معامل لعمل الأثاث مثل معمل القاعدة والذي ينتج المقاعد والأسرة ومعدات التدريب وبمستوى درجة أولى، وكان هذا الإنتاج يستخدم لتأثيث غرف المسؤولين بالنسبة إلى القوات المسلحة والقادة، إضافة إلى مسائل أخرى كان يدخل الجيش فيها مثل بناء الجسور وقضايا اعمار معينة، حيث كانت هناك إمكانيات متراكمة واجهزة ومعدات للقيام بهذه المسألة، على عكس الوقت الحالي”.     

عسكرة المجتمع!

الى ذلك، يبين الباحث الاجتماعي أحمد ريسان خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الجيش يعتبر من العناصر الرئيسة لتشكيل الدولة، ولا يمكن أن تكون هناك دولة دون جيش، سواء كان عدده كبيرا أو صغيرا، كما أن عناصر الجيش معروفة بالتزامها العالي من ناحية الانضباط، لكن واجبات الجيش هي محددة وتكون خارج حدود المدن، وهي عملية متعارف عليها حتى في المنظمات الرسمية العالمية فيما يخص الجيش”.   

ويردف ريسان “لكن في ظل أوقات معينة يكون فيها الأمن مستتبا فلا ضير أن يشارك الجيش في بعض الممارسات الاجتماعية كقوة عددية كبيرة جدا، خاصة وأن معظمهم من الشباب ولديهم القدرة على العمل بشكل صحيح، وأيضا لا ضير من تقربهم من المدنيين، فهو مهم في وقت السلم لا في وقت الحرب، ففي الوقت الحرب يجب أن تحافظ المؤسسة العسكرية على طبيعتها الانضباطية”.

ويلفت إلى أن “عملية المشاركة ببناء البنى التحتية من قبل الجيش سيساهم بخدمة اجتماعية مدنية، وخاصة في وقت السلم، وسيحقق هذا النوع من المساهمات التواصل بين العناصر العسكرية والمدنيين، ويشعر الجندي بحاجة المجتمع، وهذا أفضل من تحول الجيش الى مؤسسة استهلاكية فقط، نظرا لاحتياجاته الكبيرة من الغذاء والملابس والتجهيزات والمعدات، فاذا ساهم الجيش بهذه النشاطات فستكون بادرة ايجابية جدا”.

وحول تأثير مساهمة الجيش بهذه المبادرات، وهل تكون عسكرة للمجتمع أم لا، يوضح ريسان أن “هذه المبادرات لا تعتبر عسكرة للمجتمع المدني، لأن الأمر ليس مساعدة المجتمع المدني للملاكات العسكرية، وإنما العكس، فالملاكات العسكرية هي من تساعد وتبادر ببناء المدارس وتأهيل الطرق، وهذا يحول المبادرات الى ايجابية وليست فيها أي نقاط سلبية”.   

حروب خاضها الجيش

البداية من عام 1941، حيث خاض العراق الى جانب المانيا وايطاليا حربا ضد المملكة المتحدة، الهند، أستراليا، نيوزيلندا، اليونان والأردن، لتنتهي بهزيمته وتثبيت العرش الهاشمي وتأسيس حكومة موالية لبريطانيا. 

وفي عام 1967، تجددت الحرب العربية مع اسرائيل، بمشاركة العراق و6 جيوش عربية، ليسطر فيها الجيش العراقي بطولات كبرى، رغم هزيمة الجيوش العربية مشتركة، بالحرب.

في عام 1973، حقق الجيش العراقي وبالاضافة الى 11 جيشا انتصارا كبيرا على اسرائيل، أدّى إلى هُدنة في ظل وجود أراض عربية محتلة، وفيه نجحت مصر بتدمير خط بارليف واستعادة أجزاء من شبه جزيرة سيناء، واستعادت سوريا مدينة القنيطرة ودمرت خط آلون، وتوقف الهجوم العربي على إسرائيل، بموجب وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة.

ومن أكبر الحروب التي خاضها العراق، وأطول حرب تقليدية في القرن العشرين، هي الحرب العراقية – الايرانية 1980 – 1988، التي انتهت بقرار مجلس الأمن رقم 598، وموافقة البلدين على وقف إطلاق النار، وفيها كان يتكون الجيش العراقي من 12 فرقة عسكرية.

عام 1990، دخل الجيش العراقي الى دولة الكويت، وسيطر عليها وأعلن العراق ضم الكويت اليه كمحافظة 19، لتنتهي هذه الحرب بالهزيمة، وفرض عقوبات دولية على العراق من قبل التحالف الدولي لتحرير الكويت بقيادة الولايات المتحدة عام 1991.

عام 2003، هزم الجيش العراقي، بحربه امام التحالف الدولي، الذي أسفر عن إسقاط نظام صدام حسين بالكامل، وإنهاء وجود حزب البعث فيه، وإنشاء حكومة مدنية من قبل الائتلاف الدولي لقيادة العراق خلال المرحلة الأولى التي تلت الحرب.

في 1943 – 1945، دخل الجيش العراقي بمواجهة مع “ثورة بارزان الثانية” الكردية، وانتهت بهزيمة الثوار أو المتمردين الكرد، ليشارك في عام 1948، بالحرب العربية ضد اسرائيل، الى جانب 7 جيوش عربية، وكان له الدور الأبرز فيها، وحقق انتصارات كبيرة، رغم اعلان الهدنة رسميا وسيطرة اسرائيل على الاراضي الفلسطينية.

وفي 1961 – 1970، دخل الجيش بحرب مع القوى الكردية، انتهت بتثبيت اتفاق الحكم الذاتي.

وفي عام 1974، دخل الجيش العراقي بمواجهة جديدة مع الكرد، أدت الى استعادة السيطرة على اقليم كردستان من قبل الدولة العراقية آنذاك.

وفي عام 1991 ايضا، دخل الجيش العراقي بمواجهة مع “المنتفضين” في جنوب البلاد، وهي “الانتفاضة الشعبانية” وفي ذات الوقت دخل بمواجهة مع القوى الكردية في شماله، لتنتهي بإنهاء الانتفاضة في الجنوب ومنح الكرد الحكم الذاتي، وتم تأسيس إقليم كردستان.

وفي 1995، شارك الجيش بـ”الحرب الكردية” التي جرت بين القوى الكردية في اقليم كردستان لصالح الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وانتهت بانسحاب الجيش من الاقليم.

وفي عام 1999، أنهى الجيش انتفاضة لأتباع المرجع الديني محمد محمد صادق الصدر، وذلك بعد اغتياله من قبل النظام السابق برئاسة صدام حسين.

في عام 2014، خسر الجيش العراقي ايضا في أول مواجهة مع تنظيم داعش في 3 محافظات عراقية، ليعود في عام 2017، معلنا الانتصار الأكبر على التنظيم عبر تحرير كافة الاراضي العراقية من سيطرته.

وفي عام 2017، تحرك الجيش العراقي، لاستعادة محافظة كركوك من سيطرة اقليم كردستان، بعد تلويح الاقليم بالانفصال عن العراق كدولة مستقلة.

المواقف من الجيش

في كل ما ورد أعلاه من حروب ونزاعات، كان للسياسة الدور الأكبر فيها، كون المؤسسة العسكرية أصبحت بعد تولي حزب البعث الحكم في العراق، أداة لتنفيذ خططه، بعد أحكام القبضة عليها بـ”القوة”.

الجانب الكردي، لم يعلن عن تعطيل الدوام الرسمي اليوم بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش، وخاصة الذكرى المئوية، رغم أن هذه الذكرى تعد عطلة رسمية في العراق بصورة عامة.

ويتهم الكرد الجيش العراقي ولا سيما في عهد النظام السابق بالمشاركة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتنفيذ إبادة جماعية بحقهم.

ومن جانب بعض الناشطين والمدونيين، فقد اعتبر الكثير منهم أن دور الجيش رغم كل الانتصارات التي تحققت في بعض الحروب، فانه لم يعد القوة الأولى في البلد لحفظ أمنه، بعد تحوله الى “أداة سياسية”، بل عجزه عن السيطرة على الانفلات الأمني داخل البلد في السنوات القليلة الماضية.

وفي عام 2003، وبظل سلطة الائتلاف المؤقتة، فقد تم حل الجيش العراقي بقرار من الحاكم المدني بول بريمر، لتبدأ مسيرة تشكيله الجديد، الذي لم ينقطع عن سابقه.

إقرأ أيضا