المرأة والفن الإسلامي.. الخط العربي والزخرفة الإسلامية أنموذجا

تتنوع مشاركات المرأة في مجالات الفنون بمختلف أصنافها، ولكل دولة عربية خصوصية في إسهامات المرأة…

تتنوع مشاركات المرأة في مجالات الفنون بمختلف أصنافها، ولكل دولة عربية خصوصية في إسهامات المرأة في الفن التشكيلي وفي الفنون الإسلامية على وجه الخصوص، وتُرجع الفنانة الدنماركية (بيا جونسن) اتجاه المرأة للفنون الإسلامية على وجه الخصوص إلى كون الفنون الإسلامية “أكثر إثارة لاستكشافها والعمل فيها، ليس لسهولتها بالقياس إلى الفن التشكيلي وأنما لإثارتها وكثرة تفصيلاتها التي هي بحاجة للاستكشاف” وهذا ما قد يُغري المرأة بسبر أغواره.

على العكس مما ذهب إليه الفنان التشكيلي العراقي المغترب (ستار كاووش) في كون الفنون الإسلامية تؤطر حرية الفنانة وتحصرها في خيارات أقل، إذ يرى في حديث لـ”العالم الجديد، إن “هذا الموضوع ربما يجعل المساحة التي تتحرك فيها الفنانة، محددة وخياراتها أقل، فالفن برأيي يجب أن يكون مفتوحاً على كل الاتجاهات والأفكار والاحتمالات، كي تكون ثماره متعددة وتأثيره يصل الجميع. غير أن الفنانات يمكن أن يستلهمن شيئاً من تقنيات وملامح وأساليب الفن الإسلامي أو العربي أو الأرابيسك بشكل عام، ويوظفن ذلك بأعمال معاصرة، وبذلك يمزجن بين التاريخ والحاضر“.

وتتمتع مشاركة المرأة العربية في الفنون من مختلف الدول العربية بخصوصية تنبع من خصوصية كل مجتمع ورؤيته للفنون عموما، ولوجود المرأة في الوسط الفني، فضلا عن الدعم الذي توفره الحكومات للسيدات العاملات في مجال الفنون، ونستعرض هذه الخصوصية في ثلاث دول عربية تشترك في الثقافة والموقع الجغرافي فضلا عن اشتراكها بالدين والقومية التي ترتبط بطريقة مباشرة بالثقافة والفن الإسلاميين، وهذه الدول هي العراق والكويت والإمارات العربية المتحدة.

في الكويت ترى الفنانة التشكيلية (كوثر الصفار)، أنه لا يوجد دعم للفن في الكويت بصورة عامة وللنساء بصورة خاصة، وتضيف انطلاقا من تجربتها الشخصية: “أنا بوصفي مرأة هناك الكثير من الأمور لايمكنني أن أقوم بها هناك، فعملي في صب المعادن يجعلني أعمل في وسطٍ خالٍ من النساء تماما، لكن في يومنا الحالي بدأت بعض المؤسسات تنشئ صفوفا مخصصة للنساء في بعض المجالات الحرفية مثل اللحيم، وهذا أعده تطورا، لكنه ليس كافيا، فأنا زرت في دولة الإمارات مؤسسة (تشكيل) وأتمنى ان يكون لدينا في الكويت مكان مثله، مكان فيه نتعلم ونشعر بالأمان بسبب كونه اشبه بمجتمع فني ملتحم، ليس كما هو الحال في الكويت، إذ المجتمع الفني الكويتي متشتت” وترجع (الصفار) عدم الدعم هذا إلى طبيعة المجتمع الكويتي الذي هو من وجهة نظرها ضعيف الاهتمام بالفنون، ولا يرى فائدة تُجنى منها، ووضع  المرأة في المجتمع الكويتي برأيها “يعتمد بصورة أساسية على العائلة نفسها، لكنه عموما جيد إلى حد كبير، في ما عدا مجال الفن، فهي تتمتع بحريتها هناك من ناحية العمل والدراسة، فأنا مثلا درست في أمريكا وانكلترا، فهناك تشجيع كبير للتعليم لكن ليس للفنون” وتفسر الفنانة هذا من منطلق المردود المادي الذي يحصل عليه الفرد الكويتي إزاء ما يقدمه من حرفة أو فن، رابطة بين ماضي المجتمع وحاضره قائلة: “ماضي المجتمع الكويتي كان معتمدا على الحِرَف وكان المردود المادي له قليل، لذلك بدأت العوائل تطمح بان يكون لأولادها وجود في مجالات الأعمال التي تدر مردودا ماديا جيدا كأن يصبحوا أطباء أومهندسين، ومن بين الفنون يحضى فن العمارة بتقدير العوائل الكويتية بالتحديد“.

وفي العراق تمارس المرأة بشكل عام الفن التشكيلي مثل الرجل دون إختلاف ظاهر، غير ان خصوصيتها وفقا لما يشير إليه (كاووش) تتمحور حول الوقت الذي يتاح لها لممارسة الفنون “وبما أن الفن بطبيعته يحتاج إلى تفرغ ووقت وبحث مستمر وممارسة عملية دائمة، دون توقف أو عقبات، فقد يؤثر وضع المرأة في العراق على ذلك، بسبب منح الوقت للإهتمام بالعائلة أو بسبب بعض التقاليد الإجتماعية التي تعيق وجود المرأة في مرسمها الخاص أو حتى تَنَقُلها بين هذا المعرض وذاك الغاليري، أو حتى في اختيار الوقت المناسب الذي تمارس فيه عملها الفني بسبب الإلتزامات العائلية” وهذا ما أشارت إليه السيدة (سمية جاسم) الخزافة العراقية المقيمة في الإمارات العربية المتحدة في معرض حديثها عن معرضها المشترك (صلة حرف وخزف) فهي ربطت نجاحها في الاشتراك في هذا المعرض وربما معارض أخرى باستطاعتها التوفيق بين التزاماتها العائلية والعمل الفني، أما من ناحية الموهبة الفنية وممارستها فيستوي هيها الرجل والمرأة في العراق وتتزايد الموهبة وتتطور مع الممارسة الفعلية للعمل الفني في ظل حرية يكفلها المجتمع والجو العام في المنطقة.

وان انتقلنا إلى في الإمارات العربية المتحدة، فإننا كنا قد لحظنا كثرة عدد السيدات المشتغلات في مجال الفنون الإسلامية ولاسيما الخط العربي والزخرفة الإسلامية، وهذا ما أكدته الخطاطة الإماراتية (فاطمة الظنحاني) في حديثها لـ”العالم الجديد”، أن “هناك إقبالا نسائيا في الإمارات على الفن التشكيلي عموما والخط العربي خصوصا فصار عدد السيدات اللاتي يعملن في مختلف الفنون الإسلامية والمعمارية والتشكيلية أكبر، ولاسيما في مجال الخط فإن عدد السيدات تغلب على عدد الرجال وصار التنافس بينهما واضحا في تقديم الاعمال وكذلك  في المستوى الفني”، وتغلب لعنصر النسوي في الإمارات في مجال الفنون والخط على وجه التحديد على الرجل ترجعه (الظنحاني) إلى التوجه العام في الدولة فالرجل له مجالات مختلفة تشغله عن الخط، بينما تجد المرأة شغفها في مجال الفن التشكيلي والخط على وجه التحديد.

الخط العربي فن رجالي أم نسوي؟!

هل يرتطب الخط العربي بالأقلام الرجالية إن صح التعبير؟ أم انه لا يرتبط بجنس محدد، ويمكن للمرأة ممارسته والإبداع فيه، أجاب عن هذا الخطاط العراقي (محمد النوري) المدرس في مركز الشارقة للخط العربي منذ تأسيسه قائلاً: “في السابق قيل أن الخط هو فن رجالي والزخرفة فن نسائي، وخطّأنا هذه الفكرة، وأنا أحد الذين يعتقدون بعدم صحتها، ولإثبات أن هذا المفهوم خاطئ عمدنا إلى إبراز أهمية المرأة ودورها في المجال، وشملنا النساء الخطاطات والمزخرِفات بورشات عمل في العراق والإمارات، ففي العراق مجموعة من الفنانات الخطاطات المتميزات وكذلك في الإمارات تغلَّب عدد الخطاطات النساء على الخطاطين الرجال، فالخط العربي لا يقف عند جنس الرجل، فالمرأة العربية استطاعت الإبداع في العديد من المجالات فلم لا تستطيع الابداع في مجال الخط العربي؟”، وعن علاقة المرأة العربية بالخط العربي والزخرفة الإسلامية أشار السيد (خالد الجلاف) الخطاط والفنان التشكيلي ورئيس جمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة الإسلامية ونائب رئيس تحرير مجلة حروف عربية إلى أن “الخط العربي ليس له جنس، انما كل من يستطيع ممارسته يمكنه ذلك، الرجل والمرأة وحتى الأطفال، فمن له القدرة والصبر على تعلم قواعد هذا الفن يمكنه تعلمه والارتقاء به، ففي التاريخ العربي والإسلامي كانت دائما الخطاطات موجودات في دواوين الخلفاء والسلاطين، وأذكر منهم (عبد الرحمن الناصر) في الأندلس كان لديه خطاطة تعمل في بلاطه أَطلَقَ عليها اسم (قلم) وكانت تجيد أنواعا متعددة من الخطوط العربية وهذا دليل ان الخطاطات المُجيدات كان لهن وجود منذ القدم“.

وعن الجانب الكمي والنوعي في وجود الخطاطات يرى (النوري) منطلقا من خبرته التعليمية التي تكونت خلال عشرين سنة من تدريس الخط “في الإمارات المرأة بسبب تفرغها استطاعت الاهتمام بدراسة الفن والخط، وهذا ما أفسح لها مجالا للعمل في مجال الخط، أما الرجل بسبب عمله فقد يكون تفرغه للفن أقل. أما في العراق فعددهن أقل جدا، لكن في أيامنا هذه مع انتشار التعليم عن بُعد وجدتُ إقبالا من النساء العراقيات على تعلم الخط العربي سواء كُنَّ داخل العراق أو خارجه، غير اننا عندما كنا طلابا في كليات الفنون التشكيلية كان العدد محدودا والأسماء معروفة، وقلة العدد هذه لم يكن بالضرورة يقابلها جودة نوعية”، ويشير الخطاط العراقي (مصعب شامل الدوري) مدرس فن الزخرفة والتذهيب إلى اجتهاد الخطاطات العراقيات على قلتهن في مجال الخط، وتَتَلمُذ عدد منهن على يد أبرز أساتذة الخط العربي في العالم الإسلامي، ومنهن السيدة (فرح عدنان) والسيدة (جنة عدنان) وهما من تلميذات الخطاط الشهير الأستاذ (حامد الآمدي)، وهو من أعلام الخط العربي من الأتراك، وقدمن تجربة مميزة في مجال الخط ولاسيما في تشكيل لوحات الخط على أشكال خرائط الدول العربية.

ومن اللافت للنظر أن عدد الخطاطات في دولة الإمارات العربية المتحدة يفوق عدد الخطاطين بنسبة كبيرة جدا، وهذا ما أشارت إليه كل الآراء التي استطلعناها من الخطاطين والخطاطات، وأكده السيد رئيس جمعية الإمارات للخط العربي والزخرفة الإسلامية قائلا: “هنا في الإمارات العربية المتحدة عندما أسسنا جمعية الإمارات لفن الخط العربي كانت نسبة 90 % من المؤسسين من أخواتنا الخطاطات، وهذا ما يلفت النظر في الإمارات في الوقت الذي تغلبت في الدول العربية الأخرى نسبة الذكور على الإناث

الخطوط التي تستعملها المرأة في أعمالها

تتنوع الخطوط العربية في أشكالها وفي حجم حروفها وتشكيل كلماتها، وتوظيف التكوينات الفنية في بناء اللوحة الخطية، ومن هنا طرحنا سؤالا على خطاطين وخطاطات للاستطلاع حول الخطوط التي تختص بها الخطاطة المرأة أو تُكثر استعمالها، واتفقت الآراء في الغالب على أن إبداع المرأة لم يقتصر على نوع محدد من الخطوط مع تفضيلها في بعض الأحيان لخطوط بعينها، فيشير (الجلاف) إلى أن المرأة تحب بطبيعتها الجماليات والزخارف، ويجد أن أغلب الخطاطات يحبذن استعمال خط (جليّ الديواني)، وهو خط تزييني أكثر من كونه وظيفي ويستعمل في التزيين غالبا، وهو خط جميل وقابل للتشكيل، كذلك يملن لاستعمال خط (الديواني) و(النستعليق)، ويضيف “في يومنا الحالي لا يقف أمام طموح المرأة أن تكون بارعة في الخطوط التي كان يبرع الرجال فيها، كخط (الثلث) القوي والذي يظهر قدرات الخطاط، وهذا ما صار متعارفا عليه ليس بين الخطاطات العربيات فقط وإنما غير العربيات كذلك، منهن (نورية غارسيا) إحدى الخطاطات الإسبانيات، وخطاطات أخريات في تركيا مثلا، ولا نستطيع في الأعمال الفنية الخطية أن نفرق بين لوحات النساء ولوحات الرجال، فلا ترتبط الخطوط بالأجناس، فمَن يستطيع التقدم ويمكن أن يكون مبدعا في المجال، وقد تتقدم المرأة على الرجل، فالتقدم في الخط يقترن بالتكرار والممارسة والاستمرارية، فضلا عن المشاهدات والتلقي والاطلاع على العديد من اللوحات في الخط“.

أما الخطاطة الإماراتية فاطمة سالمين الحائزة على جائزة الخطاط الاماراتي في ملتقى الشارقة للخط عام 2018، فتحدثت انطلاقا من تجربتها الشخصية عن تنوع التشكيلات والألوان التي تنجز فيها لوحاتها في الخط العربي، ساعية من خلالها إلى إضافة عنصر جمالي يبتعد بلوحاتها عن اللوحات الخطية التقليدية، من خلال التنويع بالألوان بعيدا عن الأسود والبني التقليديين المتعارف عليهما في فن الخط. وعن أنواع الخطوط التي ترى (السالمين) أن المرأة أكثر استعمالا لها تقول: “ليس هناك خط معين تتميز المرأة باستعماله، لكني أجد أنها تميل أكثر لاستعمال خط (جليّ الديواني) لكونه سلس وسهل التشكيل ويتمتع بالمرونة، وقد يعتمد هذا على طبيعة المرأة ويرجع إلى ميلها إلى الأمور الجمالية اكثر من الرجل الذي يكثر في لوحاته خط (المحقق والثلث) الصلب والقوي، لكني شخصيا أميل لخط الثلث“.

كوثر جبارة: ناقدة أدبية وفنية حاصلة على الدكتوراه في الأدب العربي

 

إقرأ أيضا