التشوهات الولادية.. عوامل اجتماعية وصحية ينعشها الصمت الحكومي

“أعيش مأساة وكارثة”، هكذا اختصرت هدى عبدالله، حياتها مع أطفالها الخمسة الذين ولدوا بتشوهات خلقية،…

“أعيش مأساة وكارثة”، هكذا اختصرت هدى عبدالله، حياتها مع أطفالها الخمسة الذين ولدوا بتشوهات خلقية، تمثلت بفتحات في القلب والظهر، ما أدى بها الى الرقود في المستشفى لأشهر طويلة نتيجة للتدهور المتكرر لحالات أطفالها الصحية.

وتوضح هدى خلال حديثها لمراسل “العالم الجديد” الذي تجول في إحدى مستشفيات الأطفال بجانب الكرخ في بغداد “امتنعت عن الولادة لأكثر من مرة، بسبب اختلاف الدم بيني وبين زوجي، وهو ما لا يسمح لنا بالولادة، لكن إجبار زوجي وأهله كان سببا فيما أعيشه الآن”.

وتكمل عبدالله وهي في منتصف العقد الثالث من عمرها، أن “الطفل الأخير الذي أرقد معه حاليا في المستشفة لديه 3 فتحات في القلب وفي الظهر، ناهيك عن موارد الخلل الصحية الأخرى”، متابعة “أمضيت شهورا طويلة وأنا في المستشفى من مولود لآخر، وكلهم بنفس الحال”.

وقد رصد مراسل “العالم الجديد” عشرات الحالات من الأطفال الراقدين في الردهات، وأغلبهم يعانون من التشوهات، فيما توفي بعضهم خلال زيارته الى المستشفى.

وكانت دراسة نشرتها مجلة التلوث البيئي والسُمّي في العام 2012 أشارت إلى أن نسبة التشهوات الخَلقية في العراق ازدادت من 23 حالة من كل 1000 ولادة حية عام 2003 إلى 48 حالة عام 2009، وهي آخر إحصائية بهذا الشأن صدرت لغاية الآن.

وحول هذا الأمر، تقول عضو الفريق الإعلامي ربى فلاح خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “فحص الدم قبل الزواج موجود ومعمول به، ولكن هناك أسباب كثيرة لما نشاهده من تشوهات وأهمها عمر المرأة أو المشاكل الصحية التي تعانيها أو طريقة التغذية خلال فترة الحمل أو الأمراض الأخرى مثل سكري الحمل أو الضغط”.

وتضيف فلاح، أن “بعض العوامل الوراثية بإحدى عوائل الأب أو الأم يمكن أن تظهر بالطفل بالإضافة الى أسباب جينية أخرى، ونحن لدينا فحص الغربلة، ما بعد الولادة للطفل الرضيع في المراكز الصحية الأولية، حيث يتم أخذ أرقام هواتف الأهل للاتصال بهم في حال وجود مشكلة بالطفل بعد ظهور نتائج الفحوصات”.

لكن الطبيبة النسائية نور لميع، فقد أشرت خلال حديثها لـ”العالم الجديد”، أن “أول المشاكل هي زواج الأقارب بالنسبة للتشوهات، إضافة الى عدم وجود وعي صحي والكثير من الأزواج لديهم أمراض وراثية، إلا أننا نشهد غياب المتابعة بشكل تام، وحتى عند مراجعتهم للأطباء فإنهم لا يقولون الحقيقة كما هي من أجل أن تكون الصورة واضحة لدى الطبيب بأخذ الإجراء اللازم”.

وتؤكد لميع “شهدنا في الفترة الأخيرة زيادة بإصابات السكري والضغط، وهذه أيضا من مسببات التشوه، إضافة الى الغدد وغيرها من الأمراض، وذلك يضاف الى غياب الاهتمام بالتحاليل التي تسبق الزواج لمعرفة صنف الدم الذي يلعب دورا أساسيا بالتشوهات الحاصلة”.

وتكشف أن “التزوير بالنسبة للتحاليل قبل الزواج موجود أيضا مقابل مبالغ مالية، كما هو الحال بالنسبة لكارت اللقاح الخاص بكورونا، والغريب أن غالبية النساء المتزوجات لا يعرفن فصيلة الدم الخاصة بهن”.  

يذكر أن زواج الأقارب أو ما يعرف بـ”الزواج التقليدي” من الزيجات المنتشرة في العراق، خاصة الفتيات دون الـ20 عاما، وذلك بالإضافة الى زواج القاصرات، الذي يسجل نسبا مرتفعة في العراق، وعادة ما يرتبط بارتفاع معدلات حالات الانتحار لدى الفتيات وحالات الطلاق أيضا.

قصة هدى، ليست الوحيدة، إذ تقول سارة عبدالواحد، وهي بداية العشرينيات من عمرها، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الطبيبة أخبرتني بأن نسبة صحة الطفل وولادته بشكل سليم هي صفر بالمائة، وأكدت أنه سيولد مشوها، وعلى إثر ذلك قررنا أنا وزوجي إجراء عملية إجهاض للطفل، إلا أن أهل زوجي قالوا لو تم هذا فإنه سيكون على حساب طردي أنا من البيت”.

وتشير إلى أن “الطفل ولد بنقص عظمتين في الصدر مع نقص أحد الغضاريف في ظهره، بمعنى أنه يتحرك من منطقة العليا فقط والجزء الأسفل من جسمه شلل تام”، مضيفة “الآن تركوني وحدي بالمستشفى ومضى على وجودي أكثر من شهرين مع إجراء 4 عمليات كبرى للطفل، ولغاية الآن وضعه لم يستقر وأخبرني الأطباء أنه بأفضل الأحوال فإن الطفل حتى وإن عاش فانه لن يتجاوز الـ17 عاما”.

إقرأ أيضا