أنبوب البصرة- العقبة النفطي.. منفذ جديد للعراق أم هبة سياسية؟

تجدد الحديث عن مشروع الأنبوب النفطي الذي يربط البصرة بميناء العقبة الأردني، بعد إعلان عمان…

تجدد الحديث عن مشروع الأنبوب النفطي الذي يربط البصرة بميناء العقبة الأردني، بعد إعلان عمان جهوزيتها وأنها فقط تنتظر بغداد للتوقيع على الاتفاقية قبل نهاية كانون الثاني يناير الحالي، ما اصطدم بمدى أهلية حكومة التصريف الحالية للتوقيع، وإعادة الحديث حول جدواه الاقتصادية، في ظل تكاليفه الباهظة على العراق من جهة، وضرورة البحث عن منفذ جديد لتصدير نفطه من جهة أخرى.

ويقول الخبير النفطي كوفند شيرواني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أنبوب نفط البصرة– ميناء العقبة في الأردن، هو من المشاريع التي أقرت لإيجاد تقارب اقتصادي بين العراق والأردن ومصر، لكن كلفته ستكون عالية إضافة الى أن النفط الذي يباع للأردن هو بسعر تفضيلي وسيباع جزء منه لمصر أيضا بسعر تفضيلي”.

ويؤكد شيرواني، أن “العراق لن يجني أي فائدة اقتصادية من هذا الأنبوب، خصوصا وأن أسعار النفط ستكون دون السعر العالمي، لذا يجب إعادة احتساب الجدوى الاقتصادية له”، مبينا أن “من الأفضل دراسة احتمالات أخرى، بدلا عن الأنبوب، ومنها توسيع قدرة الموانئ النفطية في البصرة الواقعة على بحر ولا تحتاج إلى استثمار أو صرف مبالغ كبيرة”.

ويؤكد أن “هذا الإصرار على إنشاء الأنبوب بهذا التوقيت، يعود لدوافع سياسية، الغرض منها دعم الدول التي دعمت العراق سياسيا مؤخراً وبالذات الأردن ومصر”.

وكان وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة، أعلن أمس الثلاثاء، أن الوزارة تنسق مع الجانب العراقي تمهيدا للتوقيع على اتفاقية مد أنبوب نقل النفط من مدينة البصرة العراقية إلى ميناء العقبة، مؤكدا أنه لم يتبق سوى بعض التفاصيل القانونية بشأن الاتفاقية، متأملا التوقيع على الاتفاقية قبل نهاية الشهر الحالي.

ووفقا للجانب الأردني، فإن تكلفة تنفيذ المشروع تقدر بين 7– 9 مليارات دولار، وأنه يمنح الحق للأردن بشراء 150 ألف برميل نفط يوميا.

يذكر أن وزارة النفط العراقية، سلطت الضوء على تاريخ مفاوضات مشروع إنشاء أنبوب “البصرة– العقبة” النفطي، قبل أشهر عدة، مستعرضة كافة المراحل التي مر بها المشروع، منذ عام 1980 ولغاية الآن، وأكدت أن آخر المحطات، هي أن المشروع لا زال قيد النقاش الفني والتجاري، رغم وصول المفاوضات الى مراحل متطورة، بهدف أن يضيف المشروع قيمة اقتصادية للعراق والأردن، شريطة تخفيض كلف التنفيذ الى ما دون الـ9 مليار دولار.

يشار إلى أن “العالم الجديد”، تناولت في تشرين الأول أكتوبر الماضي، تأكيد محللين سياسيين على اعتبار الأردن، العراق ركيزة أساسية لاقتصادها، كونه معتمدا بشكل كبير على الاقتصاد العراقي، سواء من النفط أو لتصريف بضائعها بالإضافة الى ميناء العقبة ورؤوس الأموال العراقية فيها.

وبحسب التقرير السابق للصحيفة، فإن وفدا أردنيا زار العراق العام الماضي، وأكد أن هناك 15 مليار دينار أردني (نحو 21 مليارا و157 مليون دولار) هي قيمة الأرصدة العراقية الموجودة في المصارف الأردنية، لكنه رفض أن يتم استثمارها في العراق، حتى يبقى العراق مستهلكا فقط.

وبحسب القمة الثلاثية بين العراق ومصر والأردن، التي احتضنت بغداد إحدى جولاتها في حزيران يونيو 2021، فإنه سيتم مد أنبوب نفط البصرة- العقبة في الأردن، وصولا الى الموانئ المصرية، حيث سيتم استخراج المشتقات النفطية فيها وإعادتها للعراق، لاسيما وأن وزير البترول المصري طارق الملا، زار بغداد في تشرين الأول أكتوبر الماضي، وذلك بعد أيام من توقف إمداد شركة أرامكو السعودية لمصر بنحو 700 ألف طن من المواد البترولية، في إطار اتفاقٍ طويل الأجل بين الرياض والقاهرة، التي تشهد العلاقات بينهما توترا منذ شهور على خلفية قضايا ثنائية وإقليمية.

جدير بالذكر، أن الخبير النفطي حمزة الجواهري، سبق وأن وجه انتقادا لهذا لمشروع، عبر تصريح صحفي سابق له، أكد فيه أن الكُلف المرتفعة لتصدير النفط العراقي عبر الأنبوب العراقي- الأردني والمخاطر الأمنية من تفجيره تجعل منه غير مجد اقتصادياً، خاصة وأن كلفة مرور برميل النفط الواحد ستبلغ تسعة دولارات، في المقابل فإن كُلفة تصديره من الخليج عبر موانئ البصرة هي 60 سنتاً.

ولفت الجواهري في حديثه السابق، إلى أن الأنبوب يمر عبر مضيق تيران الذي تتحكم به إسرائيل بضمان عشر دول جميعها على علاقة جيدة بها، فيما استبعد حدوث أي أزمة سياسية في مضيق هرمز، لأن 20 بالمائة من النفط العالمي يخرج من منطقة الخليج ودول العالم لن تسمح بتوقفه.

الايجابيات

الى ذلك، يبين الخبير الاقتصادي باسم أنطوان خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “وجود منفذ آخر لتصدير النفط بعيدا عن المخاطر، يخدم العراق، خاصة وأن طول أنبوب النفط من البصرة الى ميناء العقبة سيكون 1226 كلم”.

ويردف أنطوان، أن “هذا الأنبوب ستكون تكلفة إنشائه على العراق، وبالتالي فإن العراق سيستمر بتصدير النفط عبر هذا الأنبوب بالإضافة الى خط جيهان التركي، لذا فإن هذا الأنبوب يضم نوعا من الاستقرار”.

ويلفت إلى أن “هذا المشروع قديم ويعود الى اتفاقية العام 1983، لكن العمل تأجل فيه بسبب الظروف والكلف العالية آنذاك”.

يذكر أن الاتفاق على إنشاء الأنبوب بين العراق والأردن تحول الى واقع في عام 2019، خلال ترؤس عادل عبدالمهدي للحكومة، وبلغت الطاقة التصميمية للمشروع مليون برميل يومياً، بهدف نقل النفط الخام العراقي عبر الأراضي الأردنية إلى مرافئ التصدير على ساحل البحر الأحمر في العقبة.

وفي ذلك العام ايضا (2019)، وقع العراق تفاهم مع الاردن، مجددا بها تصدير النفط للأردن بسعر تفضيلي بعد توقف 5 سنوات جراء الحرب على داعش، وتقضي المذكرة بتصدير العراق 10 الاف برميل نفط يوميا للاردن.

وكان وزير النفط الأسبق ثامر الغضبان، قال خلال تجديد الاتفاقية من العام ذاته، بأنها تعود لعام 2006، وتقضي بتزويد الأردن بالنفط من كركوك، بسعر أقل بـ18 دولارا من السعر العالمي، تغطي كلفة النقل ما بين كركوك والزرقاء، مع الفروقات في نوعية نفط خام كركوك عن نفط خام برنت، لكن في المذكرة الجديدة جرى تعديل المعادلة السعرية فبدلا من 18 دولاراً تم الاتفاق على 16 دولاراً.

وعند إجراء عملية حسابية لمعدل تصدير يومي يبلغ 10 آلاف برميل، باحتساب الـ16 دولارا لهذه الكمية المصدرة، يكون الساقط من السعر الأصلي 160 ألف دولار يوميا، أي 4 ملايين و800 ألف دولار شهريا، فيما يبلغ المجموع السنوي 57 مليونا و600 ألف دولار، وهذا بناء على الاتفاقية الجديدة التي جرت بين البلدين في العام 2019، فيما كانت المبالغ أكبر قبل تعديل السعر من 18 دولارا الى 16 دولارا. 

قانونيا

من جانبه، يبين الخبير القانوني احمد العبادي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مد أنبوب نفطي من البصرة إلى الأردن يعتبر من المشاريع الاستراتيجية المهمة، وهذا لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال أن توقعه ويستوجب حكومة كاملة الصلاحيات”.

ويؤكد العبادي، أن “كما يفترض على مجلس الوزراء أن يعرض الاتفاقية على البرلمان، وذلك بحسب النظام الداخلي لمجلس الوزراء، فهو من نص على عرض الاتفاقيات على مجلس النواب”.

وفي مطلع تشرين الأول أكتوبر الماضي، تحولت الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي الى حكومة تصريف أعمال، وذلك في ذات اليوم الذي حل مجلس النواب نفسه فيه، تمهيدا لإجراء الانتخابات، التي جرت في في 10 تشرين الأول أكتوبر الماضي.

البصرة

وسبق للحكومة في مطلع الشهر الحالي، أن وقعت مذكرة تفاهم مع الجانب الإيراني لربط البصرة بميناء الإمام خميني بسكة حديد، وهو ما أعتبر خنقا للموانئ العراقي وتحويل العراق من محطة رئيسية لاستقبال البضائع الى ممر فقط لنقلها.

وخلال توقيع المذكرة مع ايران، برز الحديث عن صلاحية الحكومة وهي تصريف أعمال، وقد تناولت “العالم الجديد”، هذا الامر بتقرير مفصل، تبين فيه أن “مذكرة التفاهم” هي من حق حكومة تصريف الأعمال، وهو المدخل القانوني الذي استخدمته الحكومة الحالية للتخلص من المأزق القانوني، ولم توقع اتفاقية، لكون الاتافقية من صلاحية الحكومة الاصيلة ويجب عرضها على البرلمان.

يذكر أن كلا من إيران والكويت، تحاولان ربط خطوط سكك حديد مع محافظة البصرة للاستفادة من موقع العراق المهم على مستوى التجارة الدولية، ولتكون بديلا عن ميناء الفاو من خلال استقبال البواخر والسفن التجارية في موانئ الدولتين، فيما يتحول العراق الى مستقبل للبضائع وممر بري لها فقط، في وقت سيتيح ميناء الفاو الفرصة للعراق أن يكون المستقبل للسفن والبضائع مباشرة، ويتحول الى قوة اقتصادية كبرى في المنطقة.

وبحسب تقرير مفصل نشرته “العالم الجديد”، في 25 تموز يوليو 2020، فإن ميناء الفاو سيكون نقطة الربط بين شرق اسيا وبين اوروبا، وسيحول العراق الى ممر للبضائع، تبدأ من ميناء الفاو وتمر بريا عبر خطوط حديثة الى تركيا ومنها الى اوروبا، ما يختصر الفترة الزمنية لنقل البضائع الى ساعات، بدلا من 20 يوما تقريبا عبر قناة السويس، وهي الممر الحالي الرابط بين شرق اسيا وأوروبا.

 

وبدأ مشروع الربط السككي بين البصرة وإيران، يأخذ صداه في العام 2014، خلال تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة العراقية، حيث طرحت طهران مشروع ربط سككي بين البصرة وميناء الأمام الخميني جنوبي إيران على الخليج العربي، وصولا الى ميناء اللاذقية في سوريا، بطول 32.5 كليومترا، لنقل المسافرين والبضائع.

إقرأ أيضا